الكاتب : الدكتور الو عبد الدليمي
—————————————
الخلط غير المدروس بين الدين والإدارة: الطريق نحو التحيز والإقصاء
بقلم: د. ابو عبد الدليمي
في المجتمعات التي يتداخل فيها الدين بشكل عميق مع الحياة اليومية، يشكل حضور القيم والمبادئ الدينية في السلوك العام عاملاً إيجابياً في كثير من الأحيان. فالدين قد يعزز من قيم الصدق، الأمانة، والعدل، وهي قيم ضرورية في الإدارة والقانون. ومع ذلك، فإن الخلط غير المدروس أو غير المنظم بين الدين والإدارة أو القانون يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية، بل خطيرة، من أبرزها التحيز والإقصاء.
أولاً، القانون والإدارة يشكلان إطاراً تنظيمياً عاماً يُفترض فيهما الحياد، والمساواة بين جميع المواطنين أو الموظفين، بغض النظر عن معتقداتهم أو خلفياتهم الدينية. فإذا تم تضمين رؤى دينية خاصة ضمن آليات الإدارة أو صياغة القوانين، فإن هذا قد يخلق تمييزاً ضمنياً أو صريحاً ضد أولئك الذين لا يتبعون نفس المنظومة الدينية.
ثانياً، التحيز الإداري قد يأخذ أشكالاً غير مباشرة، مثل تفضيل موظفين ينتمون إلى طائفة معينة في التوظيف أو الترقية، أو وضع سياسات تعكس وجهة نظر دينية محددة دون اعتبار لتعدد الخلفيات. هذا النوع من التحيز لا يؤدي فقط إلى ظلم الأفراد، بل يضعف من كفاءة المؤسسات بسبب تجاهل الكفاءات لحساب الولاءات الدينية أو المذهبية.
ثالثاً، الإقصاء الناجم عن الخلط الديني-الإداري يولد شعوراً بالاغتراب داخل المجتمعات والمؤسسات. يشعر الأشخاص المختلفون في معتقداتهم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية أو موظفون بلا فرصة متكافئة، مما يقوض مبدأ المواطنة المتساوية، ويهدد التماسك الاجتماعي.
وفي النهاية، لا يعني رفض الخلط غير المدروس بين الدين والإدارة، المطالبة بإقصاء الدين من الحياة العامة، بل هو دعوة لضبط العلاقة بين القيم الدينية والوظيفة العامة، بما يضمن العدالة للجميع. إن الإدارة الحكيمة والقانون العادل يجب أن يُبنيا على مبادئ شاملة وإنسانية، قادرة على احتواء الجميع دون استثناء.