يونيو 17, 2025
7de09c9e-4052-4393-bdb9-31cbbd020975

الكاتب : الدكتور ابو عبد الدليمي
—————————————
وقفة عزّ لا تبعية – حين جمعت السعودية الشرفاء
بقلم: د. أبو عبد الدليمي

في صورة لافتة حملت من الرمزية أكثر مما حملت من البروتوكول، جمعت المملكة العربية السعودية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس السوري أحمد الشرع، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في مشهد لم يكن عادياً في سياق السياسة العربية.

الصورة، التي التُقطت في لحظة محسوبة بعناية، كشفت الكثير مما تخفيه السياسة عادة. فأن ترى قائدًا عربيًا، مثل أحمد الشرع، يصافح رئيس الولايات المتحدة الأميركية مرفوع الرأس، ثابت النظرة، واثق الخطى، دون تملق أو خضوع، فذلك مشهد يستحق أن يتوقف أمامه كل من يقدّر الكرامة الوطنية ويؤمن باستقلال القرار.

هذا الحضور العربي الندّي جاء في وقتٍ تشهد فيه بعض عواصم المنطقة تراجعًا خطيرًا في السيادة، حيث يُستقبل مسؤولوها في طهران كما يُستقبل التابع بين يدي السيد، في مشهد يخلو من الكرامة ويزدحم بالإذلال. وما نشهده اليوم من انحدار خطير في بعض دول المنطقة، لا سيما في العراق، ليس إلا نتيجة لنهج ارتهاني جعل القرار السياسي مرتهنًا لعواصم أخرى، لا همّ لها سوى تحويل الدول إلى ساحات نفوذ وأدوات تنفيذ.

وفي المقابل، تشكّل السعودية، بقيادة الأمير محمد بن سلمان، نموذجًا مغايرًا تمامًا. دولة تخطو بثقة نحو المستقبل، تتعامل مع القوى الدولية بندّية، وتفتح أبوابها للعالم من موقع الشريك لا التابع. إنها رؤية تبني ولا تهدم، تتقدم دون أن تتخلى عن ثوابتها، وتفاوض من موقع القوة لا الضعف.

وسط هذا المشهد، تُعقد قمة عربية جديدة، وصفها الشارع العربي بأنها قمة “النطيحة والمتردية”، نظرًا لمحدودية تمثيلها، وهزال مضمونها، وغلبة الخطابات الرمادية عليها. قمة تخلو من الفاعلية، لأن كثيرًا ممن يحضرونها لا يملكون مشروعًا، ولا يتمتعون باستقلال القرار، ولا حتى شجاعة المواجهة.

إن موقف أحمد الشرع في تلك الصورة التاريخية، إلى جانب الأمير محمد بن سلمان، ليس “عمالة” كما يحاول أن يصوّره بعض أعداء النجاح، بل هو تمثيل حيّ لفكرة الدولة القوية، ولنهج القيادة الرشيدة التي تضع مصلحة الوطن أولًا، وتخدم شعبها دون أن تتنازل عن سيادتها.

فإن كانت هذه الوقفة تسمى “عمالة”، فإننا بحاجة لمزيد من هذه “العمالة”، التي تبني وتعمر، وتفرض احترامها على العالم لا بالتبعية، بل بالكرامة والمصلحة المتبادلة.

في زمن الخنوع والانبطاح، تظل وقفة الشرفاء علامة فارقة، تُذكّرنا أن العزة ليست شعارًا، بل ممارسة… وأن الوطن لا يُخدم بالشعارات، بل بالمواقف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *