“الدينار الأموي”: شائعة طائفية عابرة للحدود تستهدف الثورة ووحدة المنطقة

الكاتب : الدكتور ابو عبد الدليمي
—————————————
“الدينار الأموي”: شائعة طائفية عابرة للحدود تستهدف الثورة ووحدة المنطقة
بقلم: الدكتور أبو عبد الدليمي

في الأيام الماضية، انتشرت شائعة مفادها أن جهة سورية بصدد إصدار عملة جديدة تحت اسم “الدينار الأموي”. ورغم النفي الرسمي الصريح الصادر عن وزارة المالية السورية، والذي أكد أن لا نية لإصدار أي عملة جديدة بهذه التسمية، فإن تداول هذه الشائعة بهذا الشكل المنسق والمنفلت يدفع إلى التوقف عند أبعادها وأهدافها، لا على مستوى سوريا فقط، بل على مستوى الإقليم بأكمله.

ما وراء تسمية “الدينار الأموي”؟

الدينار، من حيث المفهوم، هو اسم تاريخي للعملة الإسلامية، أما لفظ “الأموي” فهو محمل بدلالات سياسية وطائفية، ويستدعي حقبة تاريخية تتسم بصراعات مذهبية لا تزال ارتداداتها حية في الوجدان الإسلامي. استدعاء هذا الاسم في سياق حديث عن عملة سورية جديدة، لا يمكن فصله عن محاولة خلق انقسام حاد في الخطاب السياسي والمجتمعي، وإعادة إحياء الثنائيات الطائفية التي دمرت العراق ومزّقت سوريا وشلّت لبنان وأغرقت اليمن.

ليست شائعة ضد سوريا فحسب

ترويج هذه الإشاعة لا يستهدف سوريا وحدها. إن أبعادها تتجاوز الجغرافيا السورية لتلامس ملفات حساسة في العراق، ولبنان، واليمن، حيث يتمركز النفوذ الإيراني عبر أذرع طائفية متعددة. فتبنّي مصطلح “أموي” في سياق نقدي أو اقتصادي جديد يُفسّر بسهولة – في أدبيات الصراع الطائفي – على أنه إعلان رمزي لحرب ضد المشروع الإيراني أو ما يُعرف بـ”الهلال الشيعي”.

هذا التفسير، وإن كان خاطئًا أو مفبركًا، يمنح إيران ومليشياتها الطائفية مادة دعائية خصبة تستخدمها في شيطنة الثورة السورية، وتصويرها على أنها حركة مذهبية لا وطنية، مما يُبرر قمعها أمام الرأي العام الإقليمي والدولي.

خطورة الشائعة في البعد الاستراتيجي

مثل هذه الشائعات لا تقتصر على إثارة الفتن، بل تُستخدم كأداة استراتيجية ضمن “حرب الرموز” التي تُغذيها المشاريع الطائفية، سواء من طرف إيران أو من خصومها. والهدف هو تمزيق المجتمعات، وعرقلة بناء أي مشروع وطني جامع، وتحويل كل صراع سياسي إلى معركة هوية دينية.

وفي هذا السياق، فإن الصمت أو التواطؤ في ترويج هذه الأكاذيب يُعد خيانة لثورات الشعوب وللمنطق العقلاني في إدارة الصراعات. فالمعركة اليوم لم تعد بين السنة والشيعة، بل بين من يريد بناء دولة لكل مواطنيها، ومن يسعى لتكريس النفوذ الطائفي خدمة لأجندات خارجية.

دعوة للتوعية والحذر

علينا أن نعي أن المعركة الإعلامية لا تقل خطورة عن المعركة العسكرية. والترويج لمثل هذه الأخبار دون تحقق أو تدقيق هو سلاح بيد خصومنا. لا بد من مساءلة كل من يروج لهذه الشائعات، ومحاسبة من يحاول حرف الثورة عن مسارها الوطني الجامع.

الشائعة أداة حرب ناعمة

تسمية “الدينار الأموي” ليست مجرد شائعة مالية، بل أداة في حرب ناعمة تُشن على وعي الشعوب، وتهدف إلى إعادة خلط الأوراق الطائفية بما يخدم مشروعًا مضادًا للحرية والاستقلال. لذا، يجب مواجهتها بالحكمة والعقل والوحدة، لا بالانفعال أو الانقسام.

الدكتور أبو عبد الدليمي
باحث في الشأن السياسي العربي
21 أيار / مايو 2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *