مفاهيم من دعاء يوم دحو الارض (ح 6) (فاتق، رتق)

الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
من دعاء يوم دحو الارض (فاتِقِ كُلِّ رَتْق). قال الله عز من قائل “وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا” (النازعات 30) جاء في الأخبار أن دحو الأرض حصل يوم 25 ذو القعدة. قال الإمام علي عليه السلام: (إنّ أوّل رحمة نزلت من السماء إلى الأرض في خمس وعشرين من ذي القعدة، فمن صام ذلك اليوم، وقام تلك الليلة، فله عبادة مائة سنة صام نهارها وقام ليلها، وأيّما جماعة اجتمعت ذلك اليوم في ذكر ربّهم عزّ وجلّ، لم يتفرّقوا حتّى يُعطوا سؤلهم، وينزل في ذلك اليوم ألف ألف رحمة، يضع منها تسعة وتسعين في حلق الذاكرين والصائمين في ذلك اليوم، والقائمين في تلك الليلة).

عن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (رتق) “كانتا رتقا ففتقناهما” (الانبياء 30) قيل: كانت السماوات سماء واحدة والأرضون أرضا واحدة ففتقهما الله عز وجل وجعلهما سبع سماوات، وسبع أرضين، وقيل: كانت السماء مع الأرض جميعا ففتقهما الله تعالى بالهواء الذي جعل بينهما ويقال: فتقت السماء بالمطر، والأرض بالنبات. ومن الفتق”فروج” (ق 6) فتوق وشقوق، ومنه قوله تعالى: “وإذا السماء فرجت” (المرسلات 9) أي انشقت. و”النخل ذات الأكمام” (الرحمن 11) أي ذات الكم قبل ان يفتق.

جاء في الميسر: قال الله تعالى عن رتقا و فتقا “أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ” ﴿الأنبياء 30﴾ رتقا اسم، فَفَتَقْنَاهُمَا: فَ حرف استئنافية، فَتَقْ فعل، نَا ضمير، هُمَا ضمير، رتقاً: ملتصقتين ملتئمتين بلا فاصل، أو منضَّمتَين لا فُرجةَ بينهما، رَتْقًا: ملتصقتين، كانتا رتقا: كانتا مُلتصِقتين بلا فصْـلٍ، أن السماوات والأرض كانتا رَتقاً: سدا بمعنى مسدودة، ففتقناهما: جعلنا السماء سبعاً والأرض من سبعاً، أو فتق السماء أن كانت لا تمطر فأمطرت، وفتق الأرض أن كانت لا تنبت فأنبتت، أولم يعلم هؤلاء الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين لا فاصل بينهما، فلا مطر من السماء ولا نبات من الأرض، ففصلناهما بقدرتنا، وأنزلنا المطر من السماء، وأخرجنا النبات من الأرض، وجعلنا من الماء كل شيء حي، أفلا يؤمن هؤلاء الجاحدون فيصدقوا بما يشاهدونه، ويخصُّوا الله بالعبادة؟

عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى “أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‌ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ” (الانبياء 30) المراد بالذين كفروا بمقتضى السياق هم الوثنيون حيث يفرقون بين الخلق والتدبير بنسبة الخلق إلى الله سبحانه والتدبير إلى الآلهة من دونه وقد بين خطأهم في هذه التفرقة بعطف نظرهم إلى ما لا يرتاب فيه من فتق السماوات والأرض بعد رتقهما فإن في ذلك خلقا غير منفك عن التدبير، فكيف يمكن قيام خلقهما بواحد وقيام تدبيرهما بآخرين. لا نزال نشاهد انفصال المركبات الأرضية والجوية بعضها من بعض وانفصال أنواع النباتات من الأرض والحيوان من الحيوان والإنسان من الإنسان وظهور المنفصل بالانفصال في صورة جديدة لها آثار وخواص جديدة بعد ما كان متصلا بأصله الذي انفصل منه غير متميز الوجود ولا ظاهر الأثر ولا بارز الحكم فقد كانت هذه الفعليات محفوظة الوجود في القوة مودعة الذوات في المادة رتقا من غير فتق حتى فتقت بعد الرتق وظهرت بفعالية ذواتها وآثارها. والسماوات والأرض بأجرامها حالها حال أفراد الأنواع التي ذكرناها وهذه الأجرام العلوية والأرض التي نحن عليها وإن لم يسمح لنا أعمارنا على قصرها أن نشاهد منها ما نشاهده في الكينونات الجزئية التي ذكرناها، فنرى بدء كينونتها أوانهدام وجودها لكن المادة هي المادة وأحكامها هي أحكامها والقوانين الجارية فيها لا تختلف ولا تتخلف. فتكرار انفصال جزئيات المركبات والمواليد من الأرض ونظير ذلك في الجو يدلنا على يوم كانت الجميع فيه رتقا منضمة غير منفصلة من الأرض وكذا يهدينا إلى مرحلة لم يكن فيها ميز بين السماء والأرض وكانت الجميع رتقا ففتقها الله تحت تدبير منظم متقن ظهر به كل منها على ما له من فاعلية الذات وآثارها. فهذا ما يعطيه النظر الساذج في كينونة هذا العالم المشهود بأجزائها العلوية والسفلية كينونة ممزوجة بالتدبير مقارنة للنظام الجاري في الجميع وقد قربت الأبحاث العلمية الحديثة هذه النظرة حيث أوضحت أن الأجرام التي تحت الحس مؤلفة من عناصر معدودة مشتركة ولكل منها بقاء محدود وعمر مؤجل وإن اختلفت بالطول والقصر. هذا لو أريد برتق السماوات والأرض عدم تميز بعضها من بعض وبالفتق تميز السماوات من الأرض ولوأريد برتقها عدم الانفصال بين أجزاء كل منهما في نفسه حتى ينزل من السماء شيء أويخرج من الأرض شيء وبفتقها خلاف ذلك كان المعنى أن السماوات كانت رتقا لا تمطر ففتقناها بالإمطار والأرض كانت رتقا لا تنبت ففتقناها بالإنبات وتم البرهان وربما أيده قوله بعد:” وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ” لكنه يختص من بين جميع الحوادث بالإمطار والإنبات، بخلاف البرهان على التقريب الأول. وذكر بعض المفسرين وارتضاه آخرون أن المراد برتق السماوات والأرض عدم تميز بعضها من بعض حال عدمها السابق، وبفتقها تميز بعضها من بعض في الوجود بعد العدم فيكون احتجاجا بحدوث السماوات والأرض على وجود محدثها وهو الله سبحانه. وفيه أن الاحتجاج بالحدوث على المحدث تام في نفسه، لكنه لا ينفع قبال الوثنيين المعترفين بوجوده تعالى واستناد الإيجاد إليه ووجه الكلام إليهم، وإنما ينفع قبالهم من الحجة ما يثبت بها استناد التدبير إليه تعالى تجاه ما يسندون التدبير إلى آلهتهم ويعلقون العبادة على ذلك.

وعن کتاب التشريع الإسلامي مناهجه و مقاصده للسيد محمد تقي المدرسي: كان الله ولم يكن معه شيء، ثم قدر الأشياء بعلمه، ثم أفاض عليها بقدرته الواسعة نور الوجود فخلقها خلقاً بعد خلق، وتجلت ربوبيته في خلقها، إذ جعل خلقه لها في أيام. كما خلق الانسان من نطفة تمنى، ثم جعلها علقة فمضغة، ثم سواها رجلًا. كذلك خلق السماوات والأرض في ستة أيام، حيث كانتا رتقاً ففتقها “أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‌ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ” (الانبياء 30)، وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام، وجعل من الماء كل شيء حي. وهكذا تحقق نموها بفضله تعالى، وتجلّت هيمنته فيها، واستوائه سبحانه على عرش القدرة فيها. جاء في الفتق: العلم علمان، علم نافع (فيه مصلحة الناس من إيلافهم، ورتق ما فتق من علاقاتهم)، وعلم ضار (فيه التفريق بين الزوجين او ضرر البشر). وقد نهى القرآن من العلم الضار (كالسحر). وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (السيف فاتق، والدين راتق. فالدين يأمر بالمعروف، والسيف ينهى عن المنكر). وعن عمربن يزيد قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: (إذا أحسن المؤمن عمله، ضاعف الله عمله لكل حسنة سبعمائة، وذلك قول الله تبارك وتعالى “والله يضاعف لمن يشاء” (البقرة 261) فأحسنوا أعمالكم التي تعملونها لثواب الله فقلت له: وماالاحسان؟ قال فقال: إذا صليت فأحسن ركوعك وسجودك، وإذا صمت فتوق كل مافيه فساد صومك، وإذا حججت فتوق مايحرم عليك في حجك وعمرتك، قال: وكل عمل تعمله فليكن نقيا من الدنس).

قال الله تبارك وتعالى “وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا” (الشمس 6) الآية تتحدث عن طحو الأرض أي استوائها. عند اكثر المفسرين يصادف دحو الأرض يوم 25 ذي القعدة والتي يستحب صلاة ركعتين هذا اليوم في كل ركعة سورة الحمد وخمس مرات سورة الشمس التي ورد الطحو فيها و صيام يومه. ويستحب كذلك ذكر الله والغسل. ابراهيم عليه السلام راى ملكوت السماوات والارض كما ورد في سورة الانعام اية 75 “وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ”. وورد ان ليلة 25 ذي القعدة ولد ابراهيم وعيسى عليهما السلام فهي ليلة مباركة بالاضافة الى دحو الارض تحت الكعبة في هذه الليلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *