دراسات عن الانتخابات في القرآن الكريم والسنة (ح 6)

الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع صيد الفوائد عن معايير الانتخاب في الشريعة الإسلامية للدكتور إسماعيل عبد الرحمن: المعيار الثالث: القوة. المعيار الرابع: الأمانة. ورد ذلك في قوله تعالى حكاية عن بنت سيدنا شعيب عليه السلام: “قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ “. “سورة القصص الآية26 ). ومن هذه الآية نستخرج أهم صفات الأجير أو المستأجر ومنها القوة والأمانة وعدها ابن مسعود رضي الله عنه فراسة للمرأة التي قالت ذلك فقد روي عنه أنه قال: أفرس الناس ثلاثة: عزيز مصر حين قال لامرأته: ” أَكْرِمِي مَثْوَاهُ ” والمرأة التي قالت لأبيها عن موسى عليه السلام: ” يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ” وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما (تفسير القرآن العظيم 4/ 378). ويقول البغوي رحمه الله تعالى: ” قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ” اتخذه أجيرًا ليرعى أغنامنا، ” إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ” يعني: خير من استعملت من قوي على العمل وأدى الأمانة، فقال لها أبوها: وما علمك بقوته وأمانته؟ قالت: أما قوته: فإنه رفع حجرا من رأس البئر لا يرفعه إلا عشرة. وقيل: إلا أربعون رجلا وأما أمانته: فإنه قال لي امشي خلفي حتى لا تصف الريح بدنك.(تفسير البغوي 6 / 202). ويقول النسفي رحمه الله تعالى: ” قَالَتْ إِحْدَاهُمَا ياأبت استأجره ” اتخذه أجيراً لرعي الغنم. رُوي أن كبراهما كانت تسمى صفراء والصغرى صفيراء، وصفراء هي التي ذهبت به وطلبت إلى أبيها أن يستأجره وهي التي تزوجها ” إِنَّ خَيْرَ مَنِ استجرت القوى الأمين ” فقال: وما علمك بقوته وأمانته؟ فذكرت نزع الدلو وأمرها بالمشي خلفه. وورد الفعل بلفظ الماضي للدلالة على أن أمانته وقوته أمران متحققان. وقولها ” إن خير من استأجرت القوي الأمين ” كلام جامع لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان الكفاية والأمانة في القائم بأمرك فقد فرغ بالك وتم مرادك، وقيل: القوي في دينه الأمين في جوارحه. وقد استغنت بهذا لكلام الجاري مجرى المثل عن أن تقول استأجره لقوته وأمانته. “تفسير النسفي 3/ 38 ).

تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع المسلم عن الانتخاب في الفقه الإسلامي للكاتب أديب فايز الضمور: المبحث الثالث: التكييف الفقهي للانتخاب: هل هو حق أم واجب؟ لقد عرف الحق بأنه: اختصاص ثابت في الشرع يقتضي سلطة. وعرف الواجب بأنه: ما طلب الشارع فعله طلباً جازما. وفي هذا الصدد ظهرت عدة آراء فقهية وقانونية لتحديد الطبيعة القانونية للانتخاب، فذهب البعض إلى أن الانتخاب حق شخصي وذهب آخرون إلى أنه وظيفة، وذهب رأي ثالث إلى أنه سلطة قانونية. أما فقهياً فإذا اعتبرنا الانتخاب حقاً فإن صاحب الحق يجوز له التنازل عن حقه وعدم ممارسته، وإذا اعتبرناه واجباً فإنه لا يجوز للمكلف ترك الواجب. فهل الانتخاب حق أم واجب؟ لقد ظهر للباحث أن التكيف الفقهي باعتبار الانتخاب حق أم واجب يتعلق بموضوعه (أي موضوع الانتخاب) فإن كان الانتخاب لإقامة واجب شرعي كان الانتخاب واجباً شرعياً، وإلا فلا، وعليه قد يدور حكم الانتخاب على أقسام الحكم الشرعي جميعها، فقد يكون واجباً، وذلك لإقامة واجب، ومثاله ما روي عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم” قال نافع: فقلنا لأبي سلمة: فأنت أميرنا”. فهنا انتخاب الثلاثة للأمير حق لهم وواجب عليهم لإقامة الواجب الشرعي الذي نص عليه الحديث الشريف. قال ابن تيمية معلقاً: “فصل يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها. فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم”. رواه أبو داود، من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة. وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمّروا عليهم أحدهم”. فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر، تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماع. ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجُمع والأعياد ونصر المظلوم. وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة، ولهذا رُوي: “أن السلطان ظِل الله في الأرض”… فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقُربة يُتقرَّب بها إلى الله، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القُرُبات. وقد تكون واجباً عينياً كما على الثلاثة، وقد تكون واجباً كفائياً كما هو اختيار الأمة للخليفة، فقد ذكر ذلك الفقهاء ومنهم الإمام الماوردي الذي قال: “ذهب جمهور الفقهاء والمتكلمين إلى أن إمامته لا تنعقد إلا بالرضا والاختيار، لكن يلزم أهل الاختيار عقد الإمامة له، فإن اتفقوا أتموا، فأهل الاختيار قد يكفون الأمة بهذا الانتخاب. وقال أبو يعلى الفراء: “وعلى أهل الاختيار في دار العدل أن يعقدوا الإمامة لمن ارتضوه”. وقال صاحب كتاب الخلافة محمد رشيد رضا في إجابته على سؤال من ينصب الخليفة ويعزله؟: “اتفق أهل السنة على أن نَصْب الخليفة فرض كفاية، وأن المطالب به أهل الحل والعقد في الأمة”. فهو واجب كفائي على الأمة وعيني على من تعين من أهل الاختيار، ثم تأتي بعد ذلك البيعة للإمام الخاصة أو العامة. وقد يكون ممنوعاً محرماً وخاصة إذا كان مآله لمفسدة، أو كان انتخاباً لا يظهر إرادة الناخب الحقيقية المعبرة عن الرضا، كما ذكر بعض الفقهاء في جوابهم على بعض مسائل الانتخاب المعاصرة فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (23/404 – 405) ما نصه: س: هل يجوز للمسلم أن ينتخب للمجالس البلدية أو غيرها من الدوائر شخصاً يعتنق الشيوعية، أو يسخر بالدين ويعتنق القومية ويعتبرها ديناً؟ ج: لا يجوز للمسلم أن ينتخب للمجالس البلدية أو الدوائر الأخرى من علم أنه شيوعي، أو يسخر بالدين الإسلامي، أو اعتنق القومية ويعتبرها ديناً، لأنه بانتخابه إياه رضيه ممثلاً له، وأعانه على تولي مركز يتمكن من الإفساد فيه، ويعين فيه من يشايعه في مبدئه وعقيدته، وقد يستغل ذلك المركز في إيذاء من يخالفه وحرمانه من حقوقه أو بعضها في تلك الدوائر الأخرى، ولما فيه من تشجيعه، من استمراره على المبدأ الباطل، وتنفيذه ما يريد”(64). وسأتناول بعضاً من المسائل في الموازنة بين المشاركة والمقاطعة في الانتخابات لاحقاً في موضوع ضوابط الانتخاب.

تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع حركة مجتمع السلم: 5/ الانتخابات طريقةٌ لمعرفة رأي الأغلبية: ورأي الأغلبية في الأمة معتبرٌ شرعًا، ومن الأدلة على ذلك: فعله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، إذ كان يرى عدم الخروج من المدينة لملاقاة العدو، وكان رأي الأغلبية من الصحابة على خِلاف ذلك، ولا يزالون به حتى أخذ برأي الأغلبية منهم، وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: “لو اتفقتما على رأي ما خالفتكما..”، قوله صلى الله عليه وسلم: “الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد”، وأنَّ الفقهاء كانوا يرجِّحون المسائل عند الاختلاف: برأي الجمهور والمشهور والإجماع والعُرْف، وهو نوعٌ من أنواع الأخذ برأي الأغلبية. 6/ الانتخابات طاعةٌ لولي الأمر، وليست خروجًا عنه: يعتقد البعض أنَّ تشكيل الأحزاب والتنافس بينها في الانتخابات هو نوعٌ من أنواع التفرقة وشقِّ عصَا الطاعة، وأنها مظهرٌ من مظاهر التنازع والخروج عن الحاكم. والحقيقة أنَّ ولي الأمر هو مَن وضع الدستور الذي أقرَّته الأمة، وهو الذي سمح بتشكيل الأحزاب وتنظيم الانتخابات، فيكون ذلك طاعةً له لا خروجًا عنه، وبالتالي فالذي يقاطع الاهتمام بالشأن العام هو مَن يخالف ولي الأمر، وأنَّ الذي يكفر بالأحزاب يقع في أبشع صور الحزبية من حيث لا يشعر، لأنَّ كلَّ مَن يتميَّز عن الأمة باسمٍ أو لباسٍ أو شكلٍ أو فكرٍ فهو حزب وإنْ لم يتسمَّ بذلك، فقد جاء في لسان العرب لابن منظور: (والحزب: جماعة الناس، وكلُّ قومٍ تشاكلت قلوبُهم وأعمالُهم فهم أحزاب، وإنْ لم يلق بعضهم بعضًا)، مثل تسمية القرآن الكريم للقبائل بالأحزاب، وقد نزلت سورةٌ كاملةٌ فيهم، وهي سورة الأحزاب. 7/ الانتخابات سلوكٌ حضاريٌّ للتغيير: فقد أثبتت التجارب المعاصرة أنَّ للانتخابات دورٌ فعَّالٌ في التغيير، إذا توفَّرت على مشاركةٍ شعبيةٍ واسعة تعبِّر عن الإرادة الحقيقية للأمة، وهي آليةٌ جماعيةٌ للقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العام، كما جاء في الحديث الشريف: “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.”، وهذا التغيير ليس خاصًّا بأولي الأمر، بل عامٌّ لآحاد المسلمين، كما قال القاضي عياض عليه رحمة الله: (هذا الحديث أصلٌ في صفة التغيير، فحقُّ المغيِّر أنْ يغير بكلِّ وجهٍ أمكنه زواله به: قولاً كان أو فعلاً..)، ولذلك فقد تكون الانتخابات آليةٌ لتغيير الواقع الذي يشكو منه الناس، من غير يأْسٍ أو تخلٍّ عن الواجب، فقد كُلِّفنا بتقديم الأسباب والقيام بالواجب وتبرئة الذمة واستفراغ الجُهد وعدم الانخداع بالنتائج، التي هي بيد الله تعالى، وانظر إلى قوله عز وجل: “وإذْ قالت أمَّةٌ منهم لِمَا تعِظُون قومًا الله مُهْلِكهم أو معذبُهم عذابًا شديدًا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون” (الأعراف 126). إنَّ هذا الموضوع يتناول مسألة “الانتخابات” من الناحية العلمية المجرَّدة، بعيدًا عن أيِّ اختزالٍ أو إسقاطٍ أو تشخيص، وأمَّا الموقف منها فهو يخضع للاجتهاد البشري في تقدير المصلحة أو المفسدة، وهو يتركَّز في دائرة “الخطأ والصواب” وليس في دائرة “الحقِّ والباطل”، وأنَّ الذي يُطمأن إليه هو الرأي الجماعي المؤسَّساتي، وليس الرأي الانطباعي الفردي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *