
الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
جاء في کتاب الغدير و المعارضون للسيد جعفر مرتضى العاملي: إن كلمة (حديث الغدير) تتضمن إشارة إلى حادثة تاريخية وقعت في السنة الأخيرة من حياة الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و بالذات في الأشهر الأخيرة منها. حيث إنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد حجّ حجته المعروفة ب (حجة الوداع) فلما قضى مناسكه، انصرف راجعا إلى المدينة، و معه جموع غفيرة تعدّ بعشرات الألوف من المسلمين، فلما بلغ موضعا يقال له: (غدير خم). في منطقة الجحفة، التي هي بمثابة مفترق طرق، تتشعب منها طرق المصريين و المدنيين و العراقيين. نزل جبرئيل عليه في ذلك الموضع، في يوم الخميس في الثامن عشر من ذي الحجة بقوله تعالى: “يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ” (المائدة 67). حيث أمره اللّه سبحانه أن يقيم عليا إماما للأمة، و يبلغهم أمر اللّه سبحانه فيه. فما كان من الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلا أن أمر بردّ من تقدم من الناس، و حبس من تأخر منهم. ثم صلى بهم الظهر، و بعدها قام بهم خطيبا على أقتاب الإبل و ذلك في حر الهاجرة. و أعلن، و هو آخذ بضبع علي عليه السّلام: أن عليا أمير المؤمنين، و وليهم، كولاية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لهم. حيث قال: من كنت مولاه فعلي مولاه (قالها ثلاث أو أربع مرات) اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، و اخذل من خذله. فنزلت الآية الكريمة: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً” (المائدة 3). ثم طفق القوم من الصحابة يهنئون أمير المؤمنين عليه السّلام، و في مقدمتهم الشيخان: أبو بكر و عمر و غيرهما من المعروفين من صحابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. هذه صورة موجزة عن هذه القضية ذكرناها توطئة، و تمهيدا للبحث الذي هو محط نظرنا، فإلى ما يلي من مطالب و صفحات.
ويستطرد السيد العاملي عن حديث الغدير قائلا: قال اللّه سبحانه و تعالى في كتابه الكريم: “يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ، فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ” (المائدة 67). نزلت هذه الآية الشريفة في حجة الوداع، لتؤكد على لزوم تبليغ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما أمر به من أمر الإمامة. و ولاية علي عليه الصلاة و السّلام على الناس. كما ذكرته المصادر. الكثيرة. و الروايات الموثوقة و لسنا هنا بصدد الحديث عن ذلك. و قد يرى البعض: أن هذه الآية قد تضمنت تهديدا للرسول نفسه، بالعذاب و العقاب إن لم يبلّغ ما أنزل إليه من ربه، و في بعض الروايات: أنه صلّى اللّه عليه و آله قد ذكر ذلك في خطبته للناس يوم الغدير، و ستأتي بعض تلك الروايات إن شاء اللّه تعالى. و لكننا نقول: إن التهديد الحقيقي موجّه لفئات من الناس كان يخشاها الرسول، كما صرح هو نفسه صلّى اللّه عليه و آله بذلك و لم يكن النبي صلّى اللّه عليه و آله ممتنعا عن الإبلاغ، و لكنه كان ممنوعا منه، فالتهديد له- إن كان- فإنما هو من باب: (إياك أعني، و اسمعي يا جارة).
وعن الغدير، و الامامة يقول جعفر مرتضى العاملي: إن من يراجع كتب الحديث و التاريخ، يجدها طافحة بالنصوص و الآثار الثابتة، و الصحيحة، الدالة على إمامة علي أمير المؤمنين عليه الصلاة و السّلام، و لسوف يجد أيضا: أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يأل جهدا، و لم يدّخر وسعا في تأكيد هذا الأمر، و تثبيته، و قطع دابر مختلف التعلّلات و المعاذير فيه، في كل زمان و مكان، و في مختلف الظروف و الأحوال، على مرّ العصور و الدهور. و قد استخدم في سبيل تحقيق هذا الهدف مختلف الطرق و الأساليب التعبيرية و شتى المضامين: فعلا و قولا، تصريحا، و تلويحا، إثباتا و نفيا، و ترغيبا و ترهيبا، إلى غير ذلك مما يكاد لا يمكن حصره، في تنوّعه، و في مناسباته. و قد توّجت جميع تلك الجهود المضنية، و المتواصلة باحتفال جماهيري عام نصب فيه رسميا علي عليه السّلام في آخر حجة حجها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. و أخذت البيعة له فعلا من عشرات الألوف من المسلمين، الذين يرون نبيّهم للمرّة الأخيرة. و قد كان ذلك في منطقة يقال لها (غدير خم) و اشتهرت هذه الحادثة باسم هذا المكان. و هي أشهر من أن تذكر. و قد المحنا إلى ذلك في أول هذا البحث. و لسنا هنا في صدد البحث عن وقائع ما جرى، و استعراض جزئياته، و لا نريد توثيقه بالمصادر و الأسانيد، و لا البحث في دلالاته و مراميه المختلفة. فقد كفانا مؤونة ذلك العلماء الأبرار، جزاهم اللّه خير جزاء و أوفاه. و إنّما هدفنا هو الإلماح إلى حدث سبقه بفترة و جيزة، وهو ما حصل تحديدا في نفس حجة الوداع، التي نصب فيها النبي صلّى اللّه عليه و آله عليا إماما للأمة، و هو في طريق عودته منها إلى المدينة. و ذلك لأن التعرّف على هذا الحدث الذي سبق قضيّة الغدير لسوف يمكّننا من أن نستوضح جانبا من المغزى العميق الذي يكمن في قوله تعالى: “وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ” (المائدة 67).