دردشة في الاستشراق والإذاعة والتلفزيون وملتقى القلوب مع الدكتور أمجد الجنابي

الكاتب : احمد الحاج جود الخير
—————————————

رائع هو الإبداع والتألق ولاريب، إلا أن الأروع هو ذلك التنقل الممنهج والترحال المدروس بين مجال أكاديمي وآخر من دون تقاطع ولا تضاد بينها ولا إنقطاع حتى ليعضد أولها آخرها ويكمله بمهنية وإحترافية عالية ،ولاشك أن من جاب بساتين الثقافة وحلق في سماء المعرفة بعصر التصحر العلمي والجدب المعرفي كنحلة جوالة ليرتشف من رحيق هذه الزهور وتلك حري بتسليط الضوء على سيرته ومؤلفاته ومجمل أعماله وإن كان معروفا لشريحة كبيرة من المتابعين وذلك في حوار شائق يمازج بين فني” دفق المعلومات،وسيرالشخصيات “لينتج لنا في نهاية المطاف ألقا مفعما بعبق خاص يستحق المتابعة ليملأ الأجواء ويذكيها بعطر فواح ونحن نتنقل بمعيته من محطة الى أخرى،ونتجول برفقته من مرفأ الى ثان ومحطتنا ستكون مع مبدع عراقي له في كل مجال بصمة ، إنه الدكتور أمجد يونس عبد مرزوك الجنابي،الذي أبدى إستعداده للحوار بصدر رحب وإبتسامة عراقية جميلة لاتكاد تفارق محياه وبادرناه بالسؤال الأول وإن كان مطولا :

*حدث في بداية الثمانينات أن كنت برفقة زميل لي في جولة إعلامية خارجية وهناك على ضفاف نهر الالبة بمدينة هامبورغ الالمانية وفي إحدى الأمسيات بفندق انتركونتننتال شاركنا الطاولة قدرا كابتن طيار ألماني ما إن علم بأننا عرب حتى بادرنا بسؤال إقشعرت له أبداننا وأصابنا بمقتل حين قال لنا وبالحرف” لماذا تعبدون محمدا ؟ّ!” فلم نحر جوابا بداية الأمر لهول الصدمة إلا أننا وما إن إستجمعنا أفكارنا ولملمنا شعثنا حتى شرعنا بمحاولة إقناعه -عبثا – بأن المعلومة التي تعشعش في رأسه غير صحيحة بالمرة وإنما هي من مخاض الإستشراق المتحامل عموما ومن نتاج المستشرقين الحاقدين وسبق لي أن ذكرت تلكم الواقعة في الحلقة الأولى من سلسلة”لماذا أحب محمدا ﷺ؟”وبما أنك متخصص بالدراسات الإستشراقية وحامل لشهادة الدكتوراه فيها،وبما أن لجنابك الكريم كتابا طبع مرتين في غضون ثلاثة أشهر لأهميته القصوى بعنوان (آثار الاستشراق الألماني في الدراسات القرآنية) الصادر عن مركز تفسير بالرياض عام 2015 أرجو أن تحدثنا قليلا عن دور الاستشراق الاوربي عامة والألماني خاصة في حرف بوصلة الحقائق وتشكيل العقل الجمعي الاوربي تجاه تعزيز كراهية الاسلام والمسلمين وترسيخ نظرية “الاسلام فوبيا ” .

– بداية شكرا لك على هذه الاستضافة وتحية لك ولمن يقرأ ويتابع هذا الحوار..
الاستشراق هو دراسة غير المسلمين لحضارة الشرق عموما وللاسلام خصوصا؛ وبدأ مع الإرهاصات الأولى للحروب الصليبية من أجل التعرف على الأرض الجديدة (الشام وفلسطين ومصر) وكان لا بد لزاما التعرف على ثقافة ودين تلك البلدان حتى أن أقدم ترجمة لمعاني القرآن الكريم تعود إلى عام 1150 م تقريبا..
والحركة الاستشراقية تاريخيا كانت وما زالت ترعاها مؤسستان منفصلتان عن بعضهما متفقتان في أهدافهما العامة؛ المؤسسة الأولى؛ هي الكنسية والتي يديرها ويوجهها رجال الدين من المسيحيين وقد اسشرق الكثير منهم وكتبوا كتابات حول الاسلام وحاضروا ونشروا مقالات عبروا فيها عن رؤيتهم للاسلام وقد شاب نظراتهم وكلامهم الكثير من المغالطات والشبهات التي أثاروها هنا وهناك..
المؤسسة الثانية هي الأكاديمية ويبرز فيها دور اساتذة الجامعات والباحثين حيث انشأت مراكز بحوث وأقسام علمية في الكليات تبحث في الحضارة الاسلامية والشرقية عموما وقد نحى المستشرقون فيها منحى علميا موضوعيا بحسب ما يدعونه لكن الواقع يشهد بعكس ذلك وان كانوا أقل ضررا وأخف تهجما على الاسلام.
كلا المؤسستين تسير وفق توجهات المؤسسة السياسية الغربية وهي المحرك لهما في كثير من المحطات.
بالنسبة للاستشراق الألماني فالأمر مختلف قليلا حيث يعده الباحثون في الاستشراق منصفا وموضوعيا مع أنني وآخرين نتحفظ على هذا التوصيف المتفائل لسببين رئيسين؛ الأول أنني وفي أثناء دراستي اكتشفت أن الألمان لا يجاهرون بالعداء وإنما يخفونه وراء عبارات مهذبة ومن خلال دس الشبهات بشكل أذكى من غيرهم والسبب الثاني أن كل مستشرق يعبر عن نفسه ورأيه فهم ليسوا سواء أبدا، وكثير من الاساتذة الألمان العاملين في هذا المجال تجد عندهم الاحترام والتقدير للاسلام والمسلمين بدرجات متفاوتة وذلك واضح من خلال كتاباتهم..
أما عن مصطلح (الاسلامفوبيا) فهو بالـتأكيد تعكز أصحابه على كتابات وبحوث المستشرقين الذين نبشوا التراث الإسلامي وانتقوا منه ما يعزز هذه النظرية وقد صرفت لهم أموال وبذلت جهود كبيرة في سبيل ترسيخ هذا المفهوم عند الاوربيين والغربيين عموما لا سيما بعد احداث الحادي عشر من ديسمبر..
اليوم نلاحظ انحسار هذا المفهوم بسبب الجهود التي بذلت من الدعاة والعاملين في المراكز الاسلامية الغربية من المسلمين ولا سيما مع اجواء الحرية المكفولة عنهم في تلك البلاد.

*في ذات العام على الحادثة الآنفة عرض ”فيلم الرسالة ”بنسخته الانجليزية وللمرة اﻷولى في ألمانيا وسط حراسة أمنية مشددة وبدأ العرض فسال الدمع ،ساد الصمت ،جاشت المشاعر،هاجت الذكريات وكلما صدحت سمفونية الموسيقار الفرنسي موريس جار، كلما همنا عشقا وطرنا شوقا في رحاب المصطفى ﷺ حتى إنتهى الفيلم ..وووبدأنا ، وكم تمنيت لو أن الطيار الالماني إياه كان برفقتنا ساعتها ربما لغير الكثير من قناعته لما للسينما من دور خطير في تنميط الصور والسلوك والافكارعلاوة على غسيل العقول وتغيير القناعات سلبا أو إيجابا ولا أدل على ذلك من قلب المعادلات عبر أفلام السباكيتي ويسترن التي جعلت من الهنود الحمر وهم سكان أمريكا الاصليين مجرد وحوش وأوباش ماكان يدفعنا للتصفيق عند قتلهم وسلخ رؤوسهم ، كذلك فعلت بالمكسيكيين وحولتهم الى ثلة من اللصوص وقطاع الطرق ليس الا ،فيما دفعت تجاه التعاطف العالمي مع اليهود وبشكل ملفت بتركيزها على “الهولوكوست” والتي ينفي العديد من المؤرخين وقوعها – بهذا الحجم الهائل على أقل تقدير – ودعني أسأل هنا وبما أنك قد قدمت برنامجين متلفزين مهمين جدا،الأول “السياسة بعين السينما ” والثاني “أبعاد سينمائية” عن دور الفن السابع الذي أغفلناه عمدا وأهملناه سهوا وربما حرَّمناه ايضا في قلب الحقائق عاليها واطيها !!
– السينما رافد مهم من روافد الثقافة؛ والغريب أننا ننظر لها أنها مكان لتضييع الأوقات وللعيش في الأوهام بينما في الغرب عموما يتعاملون مع ما يعرض فيها من أفلام بصفته حقائق تاريخية وتغذية معرفية في الكثير من المجالات، ويكفي أن تعمل استبيانا بسيطا لتكتشف أن الشاب الغربي قد شاهد مئات الأفلام ويعد ذلك جزءا لا يتجزأ من حياته وهو ما يفسر لنا سرعة انتشار الصورة النمطية عن العرب والمسلمين في اوروبا والامريكيتين…
من خلال متابعتي وتقديمي لأكثر من مائتين وخمسين ساعة تلفزيونية عن الأفلام المنتقاة بعناية بالغة وجدت أنها تحمل قيم انسانية كثيرة وفيها مادة غزيرة نفهم من خلالها المجتمعات الغربية وكيف ينظرون الى ما حولهم ومن حولهم وكيف ينظرون لنا وما هي المفاهيم السائدة لديهم..
السينما أداة مهمة جدا في تشكيل الوعي المجتمعي وفي توجيه السلوك العملي، ولمن يجهل أهميتها يكفي أن يطلع على الملايين التي تصرف من أجل فيلم واحد تاريخي او سياسي او حربي ليعرف حجم الامكانات التي تحشد لترسيخ الافكار عن طريق الافلام وصناعتها جنبا الى جنب مع مراد الحكومات الغربية وفي هذا المقام يطول الكلام..
برأيي أن بداية النهوض من واقعنا تكون بالاهتمام بشكل موضوعي واحترافي بما عند الآخرين من خير والسينما وما فيها من أفلام قد تتعدى نسبتها الـ 15% تصب في تعزيز الثقافة ونشر الوعي ويجب ان لا تهمل مع ضرورة تحليل وتفكيك بعض المشاهد في الافلام من اجل فلترة واعية لما يقدم عبر الشاشة.

*لقد أعددت جنابك الكريم وقدمت برنامجين اذاعيين مهمين حظيا بمتابعة جماهيرية واسعة قاربت الـ 50 حلقة اذاعية ، أولهما كان بعنوان ” أحسن الحديث” والثاني “اضواء على الحدث” حدثنا قليلا عنهما فضلا عن التجربة الاذاعية ودورها في الارشاد والتربية والتعليم .
– البرامج الاذاعية انيسة لمن يكثر التنقل في سيارته أو لركاب السيارات بشكل عام وهي تسهم الى حد كبير في نشر الوعي وذلك لتركيز السامع على ما يقال دون تشتيت لأن الصورة والمؤثرات قد تبهره فلا ينتبه الى المحتوى بينما البرنامج الاذاعي ليس له من محتوى غير الكلام فيلتقط السامع الفكرة بشكل ادق واكثر انتباها..
في البرنامجين كان الحديث عن نشر القيم لا سيما قيم العدالة والحرية والحقوق العامة..
وقد لاحظت أن الكثير من الاصدقاء والمعارف قد استمعوا للبرنامجين لا سيما وان حلقاتهما تتكرر في اكثر من وقت خلال اليوم ولاحظت كذلك ان السامعين يلتقطون العبارات ويفهمونها ويناقشون فيها بشكل اكثر دقة من البرنامج المرئي وهي نقطة قد يغفل عنها صناع المحتوى الاعلامي..
النية والعزم والارادة تبرز اكثر في نبرة الصوت ومن يتقن الاداء الصوتي فسيكون له حضور لافت في الاذاعة وسيحقق من خلال ذلك توجيها تربويا ونشرا للوعي بشكل يحقق له الرضا والسلام الداخلي كونه ينجز شيئا مهما.

*الرواية صنف أدبي رفيع وخطير له ما له وعليه ما عليه ،ولطالما شغلت البشرية وترسخ في ذاكرتها روايات شهيرة كان لها الدور الاكبر في صياغة منظوماتها الفكرية والثقافية المتفقة احيانا والمتضادة أحايين ولكم في هذا المضمار تجربة واعدة هي رواية “توأم وعواصم” بطبعتين عراقية ومصرية زيادة على ثلاث روايات مخطوطة قيد الطبع وهي على التوالي (الكأس الشاهدة )،( الرئيس الخادم) ،(ساقي الملك)، ترى ماهي رؤيتكم للدور الذي يلعبه هذا الفن الادبي الراقي وبالاخص بعد عودته الى الواجهة وبقوة بعد فترة أفول مؤقتة ألمت به لأسباب لامجال لإستعراضها هاهنا مع الاقبال منقطع النظير عليه للمثقفين العرب وأخص منهم الشباب حتى أن الرواية الأخيرة الفائزة بجائزة البوكر العربي”الديوان الاسبرطي “للجزائري عبد الوهاب عيساوي،سبقها للظفر بالبوكر رواية “فرانكشتاين في بغداد “للعراقي أحمد السعداوي،كذلك رواية “دوامة الرحيل “الفائزة بجائزة كتارا للاديبة العراقية الراحلة ناصرة السعدون ،وغيرها قد نفذت من الاسواق وترجمت الى لغات عديدة ؟
– الرواية فن لا يمل ونص لا يستهلك وهي مطلوبة على كل الاصعدة ومن جميع الفئات لا سيما الشباب..
ومقارنة بسيطة بين الكتاب المؤلف بنص اكاديمي وبين الكتاب المؤلف بنص روائي تكتشف أن الأول إن قرأه عشرات فالثاني يقرأه مئات وربما ألوف..
فكرت كثيرا في النص الأدبي الأول (توأم وعواصم) واستغرق مني قرابة السنة لإنهائها وسلكت فيه مسلكا أعده من المسالك الادبية الجديرة بالاهتمام وهي أنني جمعت في هذه الرواية والروايات التي بعدها نقطتين رئيستين هما؛ المتعة والفائدة..
وأرى أن الروائي الناجح هو الذي يقدم معلومات ثقافية وتوعوية دقيقة من خلال قالب أدبي ماتع..
الرواية ليست بديلا عن الكتاب بصورته النمطية وانما هي شكل من الكتابة اكثر قبولا للقارىء واكثر استجابة لمتطلبات العصر وانا شخصيا قد شرعت بقراءة الروايات من وقت مبكر جدا وربما مر علي ربع قرن وانا أقرأ وما زلت فأصبحت الروايات الرصينة التي تجمع ما بين المتعة والفائدة احدى الروافد المهمة في تشكيل وعيي وتنظيم معرفتي.
ولأضرب للقراء مثالا بسيطا؛ إذ أن كل قارىء للروايات يتعرف من خلالها على المجتمع الذي تتناوله الرواية إضافة إلى تعرفه على الأنماط الاجتماعية والنفسية لأبطال الرواية فالنص الروائي يقدم لك المجتمع بكل تقلباته وصراعاته في شكل يعكس لك المجتمع الحقيقي على الارض في اي بلد تتناوله الرواية.
رواياتي الأربع تنوعت في الزمان والمكان والشخصيات والمواضيع فمثلا رواية ” توأم وعواصم” كانت اجتماعية تدور احداثها في بحر عشرين سنة في ثلاثة عواصم بينما رواية ” الكأس الشاهد” تدور احداثها في مطعم شعبي في زمن عشرين ساعة فقط وهي رواية رمزية تروى على لسان كأس على منضدة تشهد الاحاديث العفوية للزبائن وهم يتناولون الطعام!
أما رواية “الرئيس الخادم ” فسياسية تتناول تجربة لسياسي اسلامي في إدارة منصب رئاسي ، بينما الرواية الرابعة فهي تاريخية تتناول قصة النبي يوسف ، على لسان احد صاحبيه في السجن وهو (ساقي الملك)!

* انت خبير ومحاضر فاعل داخل العراق وخارجه في برامج التنمية البشرية ومهارات التعامل مع وسائل الإعلام ،الظهور الإعلامي الناجح ، السياسة الدولية والبروتوكول ، لغة الجسد ،مهارات العلاقات الإعلامية ، كيفية التعامل مع الكاميرا ووسائل الاعلام المتنوعة ، ولكم خمسة افلام تنموية قصيرة ( تعداها ، حلم ، حديقة رمضان ، نظام ،دعوة للتامل) وكلها من اعدادك وتقديمك وقد تخرج على يديك مئات المتدربين في واحدة أو أكثر من هذه المجالات الفاعلة، نود إعطاء القراء والمتابعين نبذة عن دور المهارات الانفة للارتقاء بالمجتمع والنهوض بطاقاته المدفونة ومواهبه الخلاقة الى أفق أرحب لبناء حاضر العراق ومستقبله .
– شخصيا أفرق في التدريب بين الدورات المهارية وغيرها من الدورات التنموية وذلك لكون المهارية تسعى لإكساب المتدرب مهارة معينة كمهارة الظهور الإعلامي والتي قمت بتدريبها للمئات من الأشخاص داخل وخارج العراق مع ملاحظة أؤكد عليها دائما وهي أن الدورة تعطي الأساس في المهارة أو مفاتيح المهارة ثم على المتدرب أن يستغل كل فرصة سانحة للظهور الاعلامي في مجاليه الرئيسين المرئي والسمعي..
المدرب يسعى لأكساب المهارة أو نشر الوعي وعليه واجب ثقيل ومسؤولية إخلاقية في عدم المبالغة في بهرجة العناوين أو النفخ في شخصية المتدرب لإلباسها ثوبا لا يناسبها بل التريث والتمهل والموضوعية العلمية ينبغي أن تكون هي السائدة في جو الدورة..
المجتمع ولا سيما فئة الشباب فيه بحاجة إلى أنواع كثيرة من الدورات لكن يجب أن تعطى بإصولها ووفق منهج علمي رصين وإلا فنحن أمام موجة من المحاضرات العامة والتي تسمى خطأ بالدورات لتضخيم محتواها من أجل غاية مادية أو شهرة موهومة للمدرب والمتدرب على حد سواء.
أرى أن يتحلى طرفا التدريب بسمات مهمة كي يأخذ التدريب دوره المهم في تنمية وتطوير المجتمع ومن هذه السمات؛ التواضع والطرح المتوازن وتغليب جانب الورش العملية على التنظير والمزاوجة بين المثال والواقع واحترام وقت الدورة والالتزام بتفاصيلها الرئيسة والفرعية وفق مخطط مرسوم وجدول مناسب.
وهناك حقيقة ثابتة لمستها في كل من عمليتي التعليم والتدريب وهي أن المعلومة تصل إلى المقابل عبر وسائل التدريب المنوعة أسرع بكثير من وسائل التعليم كالمحاضرة على سبيل المثال.

* لنخرج عن الدورات والنتاجات الاذاعية والتلفزيونية والروائية ونخوض قليلا في المجال الاكاديمي بصفتك استاذ جامعي سبق لك أن حاضرت ودرست في كلية الامام الاعظم في كركوك ،وكلية الاداب / الجامعة العراقية في بغداد ، ومعاهد المعلمات بوزارة التربية ، ترى كيف تقيمون تجربتي نظام المقررات الدراسية ، والتعليم الموازي محليا ، ناهيك عن التعليم الالكتروني عن بعد .
-مناهج التعليم وطرقه يجب أن تخضع للتطوير والتحديث بشكل دائم وذلك لأننا نعيش في عصر التكنلوجيا المتسارعة ففي كل يوم هناك براءة اختراع او تطوير في جانب من جوانب المعرفة..
أحد أبرز أسباب التخلف عن ركب المدنية والحضارة هو الجمود عند الأساليب القديمة في التعليم والوقوف عند عتبة ما كتبه الأولون..
بوابة العلم مشرعة ويتسابق في طريقها ملايين البشر ومن يأخذ بزمام المبادرة ويعمل على تطوير طرقه ومناهجه يصل قبل الآخرين، نحن اليوم أمام فرق هائل في العمل الأكاديمي إذ يعتمد العالم المتقدم على التعلم وليس التعليم بمعنى أن الطالب يتعلم كيف يبحث ويصل إلى المعلومة الدقيقة وليس يتعلم المعلومة من كتب ومناهج خطتها عقول القرن العشرين!
اليوم نحن علينا أن نعلم الطالب كيف يستكشف المعلومة (How to discover) وليس (How to cover)؛ بعبارة أخرى علينا أن نغادر طريقة ضع يدك على المعلومات ورددها عن ظهر قلب!
ربما كانت أزمة كورونا فرصة سانحة للولوج إلى عالم التعليم الرقمي وقد لاحظت بالفعل تقدما ولو بطيئا في استثمار التكنلوجيا للتعليم عن بعد وربما ينقصها في هذه المرحلة المنهجية الصحيحة والدعم الفني لكن من سار على الدرب وصل كما يقولون وانا متفائل بكون هذه المرحلة رغم صعوبتها إلا أنها ستصنع فكرة استثمار التكنلوجيا وقد تكون في المدى المنظور جزء رئيسا في العمل الاكاديمي وهذا ما نطمح له.

* الملاحظ أن هنالك خلطا محليا عجيبا ولا أريد أن أقول هرجا بين الأمنيات الشخصية والفئوية من جهة وبين التحليلات السياسية الواقعية من جهة أخرى فترى المحلل السياسي العراقي في الأعم الاغلب إما يغرق متابعيه بأمل زائف يمثل غاية أمانيه ويجسد قمة أحلامه ، وإما يصيبهم بإحباط ونكوص داهم وفي بعض الاحيان دائم ، فيما يذهب بعضهم بعيدا ويغرد خارج السرب ليتحدث بطريقة – المنجمين والعرافين وقراء الحظ والطالع – وبطريقة الجزم ظنا منه أن ما يقوم به على طريقة – ابو علي الشيباني ومعلمه الوهمي – هو محض استشراف مستقبلي مستلهم من استقراء تأريخي سابق وقراءة حاضرة لاحقة وبما انك قد استضفت في قنوات عديدة لتحليل الشأن العراقي عبر فضائيات البغدادية وسامراء وبغداد واذاعات محلية فضلا عن الحلقات المنشورة على قناتك الخاصة بموقع اليوتيوب وقد كان لك حضور ملفت وقوة حجة وسداد رأي ،أسأل جنابك هل انت مقتنع بما يقدمه المحللون السياسيون العراقيون لجماهيرهم،أم أن لديك مؤاخذات على بعضهم ،اذ لم يظهر فينا حتى اليوم محلل كمحمد حسنين هيكل ، ولا عبد الباري عطوان على سبيل المثال لا الحصر برغم تحفظي على الكثير مما يطرحان الا ان ” الكذب المصفط ” كما يقول اجدادنا ” خير من الصدق المخربط ” فمابالك بـ” الكذب المخربط والتهويل والاماني الفارغة ” التي تساق لنا صباح مساء وعلى الهواء مباشرة ؟
– قيل قديما (النائحة الثكلى غير النائحة المستأجرة) وهو قول يركز على صدق المتحدث وتبني قضية ما..
لكنني في هذا الصدد أقول أن التحليل فن من فنون الكلام له أصوله ومدارسه ونظرياته وكنت أتمنى أن تجتمع عند المحلل للشأن العراقي ثلاثية التحليل الدقيق؛ المعلومة الصحيحة والواقع الفعلي والاستشراف المستقبلي المبني على النقطتين الاولى والثانية.
وأرى أن السبب الرئيس وراء كثرة المحللين وعشوائيتهم هو وجود المال السياسي الذي يوظف لتلميع صورة فلان أو علان وهو ما نشهده يوميا عبر ساعات الفضائيات الإخبارية فيعمد المحلل إلى اجتزاء الحقيقة وتوظيفها في تعبيد طريق من يدفع له أجرة الظهور!
كما أن غياب المراكز البحثية المستقلة عن المشهد هو أحد أبرز أسباب هذه الفوضى وربما سعى البعض لانشاء هذه المراكز لكنها في النهاية وقعت في احضان اصحاب المال والنفوذ فمالت عن اهدافها الى مصالحهم الشخصية!

* على مدار أعوام طويلة كتبت عشرات المقالات المتعلقة بالشأن العراقي نشرت في مجلات البيان والنور والرائد والال والاصحاب وغيرها ، إنطلاقا من ذلك كله كيف تنظر الى مستقبل الصحافة العراقية المكتوبة والمقروءة ” الورقية ” هل هي في طريقنها الى الاندثار بغياب قانون فاعل يحمي الصحفيين ويضمن حقوقهم وفي كل يوم تطلع فيه شمس نسمع بإغلاق صحفية ومجلة ومؤسسة اعلامية لها باع طويل لقلة الموارد .
– الصحافة المقروءة لا سبيل لاندثارها بأي شكل من الأشكال لأنها من صميم العمل الإعلامي لكنها قد تأخذ شكل النشر الألكتروني لا الورقي وربما يصار إلى طريقة في النشر تتناسب والمواقع الالكترونية او مواقع التواصل والمنصات الاخرى..
كما ان الحرية وحقوق الصحفيين يجب ان تكون في اولويات الحكومة والنقابات المعنية وذلك لارتباطها المباشر بالثقافة والوعي الوطني والمجتمعي ونأمل أن نخرج من فوضى العمل إلى نظامه المكفولة فيه كل مقومات الصحافة المقروءة.
بالممارسة يا صديقي وجدت أن بعضا من الشباب يميل الى الصحافة المقروءة ولا يحبذ العمل في المرئي والمسموع ومن هنا كان هذا المجال واعدا لهم وعلينا جميعا ان نسعى لتشجيعهم والاخذ بايديهم إلى المضي في تطوير مهاراتهم ونشر مقالاتهم وتشجيعهم.
كل كلمة حق تكتب وتنشر هي بمثابة لبنة توضع في بناء حضارتنا واستقرار بلداننا ، وتراثنا عامر بنصوص تمجد الكلمة في وجه الظالم وهي النور الذي ينير الطريق للاجيال التي تلحق..
أنا وأنت نتاج كلمة ما قيلت لنا من فم رجل حكيم ما فصرنا ما نحن عليه وسلكنا ذات الطريق وأمام أعيننا أول فعل في القرآن وهو الأمر بالقراءة وهل يمكن لنا قراءة ما لم يكتب!

*11سنة مضت وما يزال برنامج (ملتقى القلوب)الرمضاني يتربع على قلوب المشاهدين ممن ينتظرون مواسمه بشغف ولهفة عاما بعد آخر ليحلق بهم عاليا في رحاب الإيمان ويتجول بمعيتهم بين حدائق المعرفة وبساتين الكلم الطيب حيث الحكمة والموعظة الحسنة على بصيرة والتي تنساب رقراقة عذبة كالماء الزلال على ألسنة الضيوف ممن تخرج كلماتهم الشجية الصادقة من قلوبهم الى قلوب المشاهدين مباشرة من دون استئذان ليكون البرنامج بذلك اسما على مسمى (ملتقى القلوب) وبما يصدق فيه ما قد قيل قديما للثناء على لسان الصدق “إذا تعود اللسانُ الصدق ،نطق بأسرار المعرفة ،ولعل واحدة من أسباب نجاح برنامج (ملتقى القلوب)علاوة على براعة تقديمه وإعداده،وروعة تصويره،وحرفية مونتاجه،وحنكة إخراجه،هي تلكم التلقائية والعفوية والوسطية المحببة التي يتحدث بها ضيوف الحلقات وبما يخلب الألباب،ويأخذ بأيدي الناس ومجامع القلوب،في عصر الإفراط والتفريط ،فضلا على التصحر المعرفي،والجدب الثقافي، و”التغير المزاجي” و”الاحتباس الحضاري”، وطوفان العولمة والتغريب العابرة للحدود بغثها وسمينها، خسيسها ونفيسها ، جيدها ورديئها،ومعلوم للقاصي والداني بأن الوسطية التي يتبناها البرنامج تندرج في سياق الوسط الذي قيل فيه”الوسط فضيلة محمودة بين رذيلتين مذمومين”،وللاطلاع على كواليس البرنامج والجهود الحثيثة المبذولة لاعداده بأجمل صورة،وتقديمه بأبهى حلة، وإخراجه بحرفية عالية ، وإنجازه بموعده المحدد قبل شهر رمضان من كل عام ،حدثنا عن ذلك بايجاز .

*نعم فلقد تم تصوير ثلاثة مواسم في أربيل وسبعة مواسم في تركيا في مدن مختلفة منها اسطنبول ،وبارلا ،وغازي عنتاب ،ومرعش وتنوعت أماكن التصوير ما بين السهل والجبل والبحر وبعض الفقرات تم تصويرها في بغداد داخل بعض المساجد المشهورة هناك.
فكرة التصوير بأماكن طبيعية وخلابة هي لجذب المشاهدين والتمتع بأجواء وألوان الطبيعة ليتناسب ذلك مع المواضيع التربوية الدعوية الوعظية التي تطرح في حلقات البرنامج.
نقلنا بفضل الله تعالى الصورة النمطية للمحاضرات الدعوية من أجواء المساجد إلى الأجواء الخارجية لتمثل شمولية الإسلام أكثر.
وأحيانا نقوم بجولات تعريفية في بعض المتاحف الإسلامية وأماكن الآثار مع شرح مجمل لما تضمه وتعرف به هذه الأماكن.
وهناك أيضا الجلسات المفتوحة للسمر في مراكب تجوب مضيق البسفور يشارك فيها أحيانا ضيوف شرف إضافة إلى ضيوف الموسم.

* نود من جنابك الكريم اطلاعنا على أهداف البرنامج ورسالته، ومن هو مخرجه، فضلا على فريق التصوير والمونتاج الذي يقفون خلف الكاميرات والكواليس، وما هي أبرز القنوات الفضائية التي ستعرض موسمه العاشر؟
– يهدف البرنامج إلى التعريف بالمنهج الدعوي التربوي الوسطي والذي يحرص على التركيز على ما ينفع الناس من أصول دينهم دون الخوض في الخلافات ولا الواجهات الشرعية ونحاول أن نبرز ونشجع الطاقات الإبداعية من دعاة وأساتذة ليتعرف عليها عموم الناس ويسمعوا لهم.
مخرج البرنامج هو الأخ فيصل زيد السامرائي، مدير قناة سامراء الفضائية،وهو يقود طاقم التصوير المبدع وهم شباب يبذلون جهودا استثنائية طيلة أيام التصوير العشرة في كل موسم.
البرنامج يعرض تقريبا كمعدل في عشر قنوات على الأقل سنويا تتوزع على خريطة العالم العربي من مصر والأردن واليمن والمغرب والجزائر إضافة للعراق بالتأكيد.

*تتميز مقدمة الحلقات وخاتمتها بأنشودة جميلة، تؤدى بطريقة ساحرة تخلب الألباب، وبلحن جميل يضيف لكلماتها العذبة المعبرة ألق آخر يحلق بها وبنا عاليا الى أفق أرحب،فمن هو شاعرالانشودة،وما اسم ملحنها وما اسم الفرقة الانشادية التي تؤديها ؟
– كاتب كلمات المقدمة هو الشاعر العراقي الانباري أحمد هندي، وهو من اختار الفرقة التي لحنت وأدت النشيد وبالفعل كانت المقدمة بصمة خاصة بالبرنامج تفاعل معها الجمهور بشكل كبير وأحبها وهي مشتقة من اسم البرنامج ملتقى القلوب…

*تتناول الحلقات اضافة الى دروس القرآن الكريم ، والسيرة النبوية العطرة ، ثلة مباركة من الصحابة والتابعين والعلماء الأعلام والصالحين والمصلحين ، فتارة مع سيرة الخلفاء الراشدين ، وأخرى مع مسيرة “التابعي عطاء بن أبي رباح”و”الحسن البصري و”العز بن عبد السلام” وزينب بنت أبي طالب” ، وعمر بن عبد العزيز” وهكذا دواليك ،فماهي المساحة التي تشغلها سيرة الصحابة والصالحين والتابعين في حلقات البرنامج ؟
– نحن نحرص على تبيان المواقف المشرفة لقادة وعلماء الأمة من الصدر الأول وذلك لتقريب الصورة من المشاهدين الكرام في العالم العربي وهي فرصة للمساهمة في نشر الوعي والثقافة بين أبناء الجيل.

* هل واجهتكم مواقف طريفة،غريبة،جميلة حدثت أثناء تصوير الحلقات في مواسمها المختلفة،حدثنا عن بعض منها إن وجدت فضلا وليس أمرا ؟
– المواقف كثيرة جدا وأذكر منها أننا أحيانا نعيد تصوير الفقرة بسبب نسيان الضيف لاسم العالم الذي يتحدث عنه أو يخلط بينه وبين عالم آخر أو يذكر معلومة خاطئة فنضطر لإيقاف التصوير أحيانا.
ومرة حين يأخذ الضيف راحته ويتكلم حول قضايا شخصية جدا دون الحاجة إليها ولا سيما في جلسات السمر أو يتلفظ بألفاظ لا يفهمها إلا من يفهم اللهجة العراقية المحلية .
وللامانة أحيانا يحدث خطأ في المونتاج فيترك مشهدا كان يفترض أن يرفع من العرض لكن لطول الحلقات وتعدد الفقرات تحدث بعض الأخطاء.
عموما البرنامج وطيلة السنوات الماضية يحمل الكثير من الذكريات في مجالات عدة فنحن نتحدث عن اكثر من ١٠٠ ضيف شاركوا في البرنامج .

حاوره / احمد الحاج جود الخير