حسن درباش العامري
ليست كل قوةٍ كبيرةٍ قادرة على تحقيق الانتصار، فتاريخ البشرية حافل بأمثلة تؤكد أن القوة وحدها لا تكفي، وأن التفوق العسكري أو الاقتصادي لا يضمن النصر الدائم. فكم من قوة عظمى انهارت أمام صمود أضعف منها؟ وكم من إمبراطورية جبارة تراجعت أمام إرادة شعوب أقل عدداً وعدة؟
خذوا الولايات المتحدة الأمريكية مثالاً. لقد خاضت حرب فيتنام في ذروة قوتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، ومع ذلك لم تنتصر. بل انكفأت، وتكبدت خسائر باهظة، وخرجت من تلك الحرب مهزومة معنوياً وسياسياً. بل إن التجربة الفيتنامية أصبحت رمزاً عالمياً لانتصار الإرادة على السطوة.
والأمر ذاته ينطبق على الدولة العثمانية، التي كانت في يوم من الأيام القوة المهيمنة على مناطق شاسعة من العالم. لكنها مع مرور الزمن، وأمام تحديات أصغر حجماً، بدأت تتراجع، حتى أطلق عليها الأوروبيون وصف “الرجل المريض”، قبل أن تنهار وتفقد كل شيء.
واليوم، نشهد تحالفًا واضحًا بين الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، لدعم إسرائيل في صراعها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. هذا الدعم ليس بجديد، بل هو امتدادٌ لعقود من التحالف الاستراتيجي بين الغرب وإسرائيل. لكن، هل يعني ذلك أن الانتصار مضمون؟
أكاد أجزم أنه لا.
فإيران، ليست دولة عادية، بل دولة ذات عمق حضاري وتاريخي عظيم، تمتلك مشروعاً، وقضية، وأدوات ردع قوية. وربما لن تنتصر بشكل تقليدي، لكنها بالتأكيد لن تُهزم بسهولة. بل إن السيناريو الأكثر ترجيحاً، هو أن إسرائيل هي من ستواجه النهاية في هذا الصراع الطويل، لا سيما إذا ما اتسعت رقعة المواجهة، ودخلت فيها قوى إقليمية بفاعلية.
أما فيما يخص العراق، فأنا أرى أن مصلحة العراق الوطنية تتطلب أن يكون في موقع الشراكة الدفاعية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، عبر معاهدة عسكرية ودفاع مشترك تحفظ سيادة الطرفين، وتمنع الانزلاق نحو التبعية. فالعراق بحاجة إلى عمق استراتيجي حقيقي، وليس إلى مظلة أمريكية مؤقتة، مدفوعة الثمن تتخلى عنه عند أول اختبار، كما فعلت واشنطن مع حلفائها مراراً.
العراق لا يجب أن يكون تابعاً لأحد، لا لإيران، ولا لأمريكا. بل يجب أن يبني قراره من منطلق وطني خالص، يعتمد على مصلحته، واستقراره، وحماية مستقبله. والتحالف مع إيران يجب أن يكون شراكة متكافئة، لا تبعية، تجمع بين الدفاع المشترك والتكامل الاقتصادي والتعاون السياسي.
وهنا، لا بد من التوجه بكلمة إلى الدول العربية:
إن سقوط إيران، لا قدّر الله، لن يكون نهاية الصراع، بل سيكون بداية لانهيار المنظومة العربية والإسلامية، الواحدة تلو الأخرى. فالمشروع الصهيوني لا يقف عند حدود إيران، بل يضع نصب عينيه كل دولة تمتلك مقومات القوة أو العمق الجغرافي أو الديموغرافي. وحتى تركيا، التي يرى البعض أنها بمنأى عن التهديد، ليست خارج دائرة الخطر، خصوصًا مع تحرك حلف “الناتو” والولايات المتحدة ضمن أجندة توسعية تتجاوز إسرائيل.
وعليه، فإن مصر، والخليج، وسائر الدول العربية، مدعوّة اليوم للوقوف مع إيران، لا من باب الولاء العقائدي أو الطائفي، بل من باب المصير المشترك، والدفاع عن الأمة من التفكك والسيطرة الأجنبية.
لان الهدف الاسرائيلي يقول أن تجعل من جميع الدول المطبعة مطايا تركب لحفظ امن اسرائيل ولا يهمهم مايحصل بتلك الدول مع الحرص على إتمام هدف اضعافها وتدميرها وتفكيك منظومتها الاجتماعية ..
أما دول الخليج، فعليها أن تعي حقيقة بالغة الأهمية: ما تدفعه اليوم لأمريكا من أثمان باهظة لن يحميها غدًا، بل سيُستنزف دون مقابل. في حين أن دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية الآن، قد يكون بمثابة تحصين للمنطقة بأكملها من الانهيار المقبل.
بغداد 7/7/2025