كامل سلمان
ظاهرة غريبة في بلداننا أن نجد السيئين دائماً بيدهم مقاليد الأمور ، يتسلقون السلطة بدهاء أو بالقوة أو في غفلة من الزمان ، حتى لو لم يكونوا سيئين بالأصل سيكتسبون صفة السوء وهم في السلطة فتصبح صبغتهم سوداء داكنة السواد خلال مدة بقاءهم على العرش وقد يزدادون سوءاً وسواداً ، فكلما مر عليهم الوقت يصبح سوءهم معتق عفن رائحته تزكم الأنوف . . والعكس تماماً عند البلدان والمجتمعات الأخرى حيث السلطة تلين إلى من يأتي اليها ببياض القلب فتصنع منه إنساناً آخراً مضحياً بنفسه في سبيل وطنه ، همه الأول والأخير خدمة شعبه والوفاء لأمّته ، يقولون بأن السبب وراء سوء الحاكم والمسؤول كثرة المتزلفين والوصوليين والمنتفعين الذين يسعون لسحب المسؤول تدريجياً لمستنقع السوء كي تبقى منافعهم جارية ، ويقولون أيضاً بأن الحاكم أو المسؤول يجد نفسه بعد أن يتربع على العرش بأن الناس من حوله سيئين فيضطر أن يكون قاسياً ظالماً لكي يفرض سيطرته ويستمر بالقسوة والظلم و بمرور الزمن تصبح السوء صفة ملازمة لشخصيّته ومن الطبيعي تراكم القسوة تولد الأخطاء والانحرافات فيصبح ذلك المسؤول سيء من حيث لا يشعر ، ويقولون أيضاً الخوف من الفشل تجعل المسؤول سيئاً لكي يستمر لعله ينجح ، لكن هنالك مفارقة لاحظناها عند غالبية المجتمعات المتحضرة وهي أن الشخص الذي يتصدى للمسؤولية هو صاحب ثقافة عالية وصاحب مبادىء ودراية بعمله ويتميز بالشجاعة والحكمة وإنه مطمئن قبل أن يخطو خطواته نحو السلطة بأنه سينجح و أية معركة يواجهها سيجد الناس تلتف من حوله ، بمعنى هي صفة مشتركة تجمع بين المجتمع والمتصدي للمسؤولية فهو يؤمن بالمجتمع ويؤمن بنفسه والمجتمع يؤمن به . ما يحصل في بلداننا العكس تماماً على مستوى المثقف والمجتمع ، عندنا الشجاعة والجرأة يمتاز بها حصرياً من هو سيء أخلاقياً أما المثقف الواعي هو على الأغلب جبان وخائف والمجتمع كذلك تعلم الخوف وورثها فلا المجتمع يلتف حوله ولا هو يكون آملاً للمجتمع . المجتمع يلتف حول من بيده السيف معانداً جريئاً جسوراً وبما أن من بيده السيف هو ذلك الإنسان السيء الوقح فالمجتمع يفرح به ويلتف من حوله خوفاً وطمعاً خوفاً من بطشه وطمعاً في رحمته ، لا إيماناً ولا حباً به كما يتصور الناس ، فيقوم هذا السيء الذي لا يمتلك من الثقافة شيء ولكنه يمتلك من الوقاحة والعدوانية كل شيء ، يقوم بجذب المثقفين الخائفين ليكونوا له واجهة وعوناً وليُسكت بهم من يريد أن يعترض عليه من الناس ، في المجتمعات الأخرى مثقف واحد شجاع جريء قادر على أن يغير أمة ويحييها نحو الأفضل فيصبح هو رمزاً للناس وهم فخورون به وبأنفسهم بينما عندنا صعلوكاً واحداً متمرداً على القانون والأخلاق له القدرة أن يغير أمة نحو السوء فيتخذونه رمزاً لهم وهم خائفون مرتجفون حتى في منامهم . أنظروا للمجاميع المليونية في تلك المجتمعات تزحف خلف رمزهم الذي جلب لهم كل الخير والعز ، وانظروا إلى المجاميع المليونية عندنا تزحف خلف رمزهم الذي أذلهم وأهان كرامتهم وجعل اولادهم يتامى ونساءهم أرامل وأضاع بلدهم ، فهل بعد هذا نطمع أن تكون لنا القدرة بأن نُطيح بعروش السيئين لنأتي بالبديل الأفضل ؟ أكيد لا ، لم ولن نكون أهلاً لهذه المهمة لأن ثقافتنا التي تربينا عليها هي بالأساس مخالفة لطبيعة البشر ومخالفة لحقوقنا بالحياة . مفهوم الثقافة في موروثنا الإجتماعي هي المعرفة والوقار والثناء ومفهوم الثقافة في قواميس المجتمعات الأخرى هي المعرفة والعمل والتحدي ، أي أن ثقافتنا كلامية أو ثقافة المجالس وثقافتهم علمية عملية إنتاجية وعلى ضوء ذلك فأن مثقفي مجتمعاتنا يبحثون عن القيمة والتقدير والمديح والاحترام يكسرون الخواطر ومثقفوا المجتمعات الأخرى يبحثون عن النجاح ولا يهمهم التقدير والاحترام وهم من يجبرون الخواطر . مسؤول كبير في بعض المجتمعات نراه يحمل حقيبة الظهر فيها قنينة ماء وسندويشة طعام وأوراق العمل وجهازه الكومبيوتري ( لابتوب ) ويرتدي حذاء الرياضة أو ( ترانشوز ) وبنطال الجينس وعندما يمشي كأنه يركض لا مجال له للراحة وهو بدرجة بروفيسور ، وانظروا إلى المسؤول عندنا خمسة محابس في أصابعه والمسبحة بيده وبدلته الأنيقة وعطره الزاكي وحذاءه اللامع ومشيته الأنيقة محاطاً بأصحاب الشوارب الطويلة والعضلات المفتولة تأتيه وجبات الطعام على طبق من فضة وتلفوناته المتعددة لا تفارق يده وكلامه كله أوامر ونواهي ، تفكيره منصب حول ملايين الدولارات وكيف يقضي السهرات . السؤال من جاء بهذا المسؤول عندنا ومن جيء بذاك المسؤول عندهم ؟ إذا عرفنا الجواب نكون قد عرفنا عيوب أنفسنا .