تكرار الكلمة في آية قرآنية (ح 11) (لن يخلقوا ذبابا، وان يسلبهم الذباب)

الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
عن تفسير الميسر: قال الله تعالى “يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ” ﴿الحج 73﴾ ذبابا اسم، الذُّبَابُ: ال اداة تعريف، ذُّبَابُ اسم. يا أيها الناس ضُرِب مثل فاستمعوا له وتدبروه: إن الأصنام والأنداد التي تعبدونها من دون الله لن تقدر مجتمعة على خَلْق ذبابة واحدة، فكيف بخلق ما هو أكبر؟ ولا تقدر أن تستخلص ما يسلبه الذباب منها، فهل بعد ذلك مِن عَجْز؟ فهما ضعيفان معًا: ضَعُفَ الطالب الذي هو المعبود من دون الله أن يستنقذ ما أخذه الذباب منه، وضَعُفَ المطلوب الذي هو الذباب، فكيف تُتَّخذ هذه الأصنام والأنداد آلهة، وهي بهذا الهوان؟

عن موقع مع الله اسلوب التكرار في القرآن الكريم: التكرار في قصص – لما كان من أغراض القصة في القرآن، إثبات وحدة الإله، ووحدة الدين، ووحدة الرسل، ووحدة طرائق الدعوة، ووحدة المصير الذي يلقاه المكذبون…نقول: لما كان الأمر كذلك، استدعى المنطق القرآني هذا التكرار، لتحقيق تلك الأغراض، وتثبيتها في قلوب المؤمنين، وتحذير المعاندين من مغبَّة الإعراض عنها. فنشأ عن خضوع القصة لهذه الأغراض أن يُعْرَض شريط الأنبياء والرسل الداعين إلى الإيمان بدين واحد، والإنسانية المكذبة بهذا الدين الواحد، مرات متعددة. – عن نوحً عليه السلام قال الله تعالى: “لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذابَ يوم عظيم. قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين * قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسولٌ من رب العالمين * أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون * أَوَ عَجبتم أن جاءكم ذكرٌ من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم تُرحمون * فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قومًا عَمين” (الأعراف 59-64) – عن هُود عليه السلام قال الله تعالى: “وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ. قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ. أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ” (الأعراف 65-72) فكلما تكرر هذا الاستعراض، كان هناك مجال لتملي هذا الشريط، الذي يقف مرة عند كل نبي، ثم يمضي في عرضه مطردًا. حتى يقف محمد صلى الله عليه وسلم أمام كفار قريش، فاذا هو يقول القولة الواحدة، وإذا هم يردون ذلك الرد المكرور. قال الله تعالى: “قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ” (الأعراف 158).

جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قال الله تعالى “يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ” ﴿الحج 73﴾ ذبابا اسم، الذُّبَابُ: ال اداة تعريف، ذُّبَابُ اسم. بعد ان ذكر سبحانه ان المشركين أثبتوا لأصنامهم صفة الألوهية من غير دليل ذكر في هذه الآية دليلا حسيا على نفي هذه الصفة، يدركه الجهال والأطفال، وهو ان الذباب أحقر وأضعف مخلوق، ومع هذا لو أخذت ذبابة واحدة شيئا من الأصنام، ثم اجتمعت الأصنام بكاملها وأعلنت الحرب على الذبابة لتسترد ما أخذته منها، لو حصل ذلك لكانت الذبابة هي الغالبة، والأصنام كلها مغلوبة، وبالأولى ان لا تخلق ذبابة أو جناحها “ضَعُفَ الطَّالِبُ” وهو الأصنام “والْمَطْلُوبُ” وهو الذبابة إذن، فكيف تكون الأصنام آلهة؟ وتسأل: ان الأصنام تحمل معها الدليل على أنها ليست بآلهة، فلما ذا اهتم القرآن بإيراد الأدلة على ذلك؟ الجواب: ان نفي الألوهية عن الأصنام من البديهيات في منطق العقل، والذين عبدوها واتخذوها آلهة لم يعبدوها بدافع من العقل، بل بدوافع أخرى كالتقليد والتربية والمصلحة، وما إلى ذلك من الدوافع التي لا تبالي بالنقد مهما يكن صائبا. حول عقيدة التوحيد: شعرت، وأنا أفسر آي الذكر الحكيم اني كلما تقدمت في التفسير فتح اللَّه عليّ أبوابا من المعرفة بأسرار القرآن وعجائبه التي لا تقف عند حد، فكثير من الآيات تكررت في كتاب اللَّه بلفظها أو بمعناها، فأشرح في المرة الأولى المعنى بما أفهمه من اللفظ والسياق وغيره من القرائن. وفي المرة الثانية أعطف الآية المكرورة على ما تقدم مع الإشارة إلى اسم السورة ورقم الآية السابقة، أو أفسرها بأسلوب ثان، وقد اتنبه في المرة الثانية أو الثالثة إلى جهة في الآية كانت قد خفيت عليّ من قبل وعلى جميع المفسرين، وبالأصح على أصحاب التفاسير التي لدي. وأكثر الآيات تكرارا في كتاب اللَّه هي الآيات الدالة على وحدانية الخالق، والتنديد بالشرك وأهله، فقد ذكرها سبحانه بكل أسلوب وبشتى الصور، وتكلمت عن التوحيد ونفي الشرك في المجلد الثاني ص 344 بعنوان (دليل التوحيد والأقانيم الثلاثة)، ثم عدت إلى الموضوع بأسلوب آخر في المجلد الرابع ص 391 بعنوان (عقول الناس لا تغنيهم عن دين اللَّه)، وأيضا أوردته بأسلوب ثالث في تفسير الآية 31 من هذه السورة، وبأسلوب رابع وخامس حسب المناسبات، وأعود إليه الآن بالبيان التالي: ان الهدف الرئيسي للإسلام هو أن يربط الإنسان بخالقه يستلهم منه الهداية فيما يعتقد ويفكر، وفيما يقول ويفعل، ويتجه إليه في ذلك كله، ومن أجل هذا حارب الإسلام الشرك، واعتبره كبيرة الكبائر، وجريمة لا تغتفر، كما اعتبر الرياء والعمل لغير وجه اللَّه في حكم الشرك، وأخذ المشركين بأقسى العقوبات وأشدها، وليس من شك ان ايمان الناس، كل الناس بإله واحد، وانهم يتحركون بإرادة واحدة يقتضي بطبيعة الحال أن يكونوا جميعا على دين واحد وشريعة واحدة لا أحقاد دينية، ولا نعرات طائفية، ولا اتجار باسم الدين والمذهب. أما الإيمان بتعدد الآلهة، وان البشرية تتحرك بإرادات كثيرة فان هذا يستدعي بطبيعته الشقاق والتناحر بين بني الإنسان فالإسلام إذن بدعوته إلى عقيدة التوحيد يهدي الإنسانية إلى الأساس الذي يبتني عليه الحب والإخاء، والأمن والهناء.. هذا، إلى أن الإله الواحد الذي يدعو الإسلام إلى عبادته والعمل بشريعته هو الإله العالم الحكيم والعادل الرحيم يحب الخير لجميع الناس على السواء، ويكره الشر بشتى صوره ومظاهره، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، والذين أساؤا بما كانوا يعملون.

جاء في موقع الألوكة الشرعية عن التكرار في القرآن الكريم للشيخ مسعد أحمد الشايب: قد يكون المكرر كلمة مع أختها لداعٍ، بحيث تفيد معنى لا يمكن الحصول عليه بدونها: ومِن أمثلته قول الله تعالى في أول سورة البقرة عن جزاء المؤمنين: “أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (البقرة 5)، فقد تكرر اسم الإشارة (أولئك)، والسر في ذلك إظهار مزيد العناية بشأن المشار إليهم، والتنبيه على أنهم كما ثبت لهم الاختصاص بالهدى ثبت لهم الاختصاص بالفلاح، وأن كل واحدة من الصفتين كافية في تمييزهم عن غيرهم. قلت: فلو لم تكرر (أولئك) لأوهم ذلك أن (الواو) في: “وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (البقرة 5) حاليَّة وما بعدها حال، ولكن (الواو) عاطفة، لاختلاف الجملتين، فالهدى في الدنيا والفلاح في الآخرة، ولو لم تكرر (أولئك) لربما فهم اختصاصهم بالمجموع، فيوهم تحقق كل من الهدى أو الفلاح منفردًا فيمن عداهم، ولكن كل واحدة كافية في تمييزهم عن غيرهم. قد يكون المكرر آية بعينها: كقوله تعالى: “فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ” (الرحمن 13)، تكرَّرت هذه الآية إحدى وثلاثين مرة، ثمانية منها ذكرت عقب الآيات التي تحدثت عن عجائب خلق الله من الآية (16) إلى الآية (34)، ثم سبعة منها عقب آيات فيها ذكر النار وشدائدها على عدد أبواب جهنم، وحسن ذكر الآلاء عَقيبها، لأن في صرفها ودفعها نعمًا توازي النعم المذكورة، أو لأنها حلت بالأعداء، وذلك يعد أكبر النعماء من الآية (34) إلى الآية (45)، ثم ثمانية في وصف الجنان وأهلها، من الآية (47) إلى الآية (61)، ثم ثمانية أخرى بعدها للجنتين اللتين دونهما من الآية (63) إلى الآية (75)، فمن اعتقد الثمانية الأولى وعمل بموجبها استحق كلتا الثمانيتين في وصف الجنان من الله، ووقاه السبعة التي جاءت في النار. والسرُّ في ذلك التكرار: أن الله تعالى خاطب في تلك السورة الثقَلين، وعدَّد عليهم نعمه وآلاءه، فكلما ذكر نعمة من نعمه أعقبها بتلك الآية، طلبًا لإقرارهم، واقتضًاء لشكرها، فالتكرار هنا لتعدد المتعلق. قلت: من الممكن أن نجمع الصور الثلاث السابقة تحت نوع واحد، ألا وهو: (تكرار البنية).

عن كتاب أسرار التكرار في القرآن للمؤلف محمود بن حمزة بن نصر الكرماني: سورة الناس: 590 – قوله تعالى أعوذ برب الناس (الناس 1) ثم كرر الناس خمس مرات قيل كرر تبجيلا لهم على ما سبق وقيل كرر لانفصال كل آية من الأخرى لعدم حرف العطف وقيل المراد بالأول الأطفال ومعنى الربوبية يدل عليه وبالثاني الشبان ولفظ الملك المنبئ عن السياسة يدل عليه وبالثالث الشيوخ ولفظ إله المنبئ عن العبادة يدل عليه وبالرابع الصالحون والأبرار والشيطان يولع بإغوائهم وبالخامس المفسدون والأشرار وعطفه على المتعوذ منهم يدل على ذلك خطاب لهما قبل الدخول وما في البقرة بعد الدخول الموصوف في الثانية أكتفاء وما أسألكم عليه من أجر لذكرها في مواضع وليس في قصة موسى لأن صالحا قل في الخطاب فقالوا في الجواب وأكثر شعيب أعزته وصبر على مكروه ينال الإنسان ليس بظلم كمن قتل.

عن مركز الاشعاع الاسلامي للشيخ صالح الكرباسي: السؤال: سورة تكررت بها آيه عشر مرات، ما هي؟ الجواب: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، و بعد: السورة التي تكررت آية من آياتها عشر مرات هي سورة المرسلات و رقمها حسب تسلسل السور في المصحف الشريف هو ( 77 )، أما الآية التي تكررت فهي: “وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ”.