العراق في يوم 14 تموز (ح 12) (فلا يغرنك تقلبهم في البلاد)

الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
العراق بلد مرت على شعبه محن وابتلاءات نتيجة بطش حكامه والتمييز العنصري والطائفي والمناطقي والعشائري، قليل من دول العالم مر بها. جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى عن البلاد “مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ” ﴿غافر 4﴾ تَقَلُّبُهُمْ: تَقَلُّبُ اسم، هُمْ ضمير. الْبِلَادِ: الْ اداة تعريف، بِلَادِ اسم. “ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا” بالحق والعدل ، ولا يؤمنون إلا بأهوائهم ومصالحهم ، ومع هذا ينتحلون لأنفسهم الأعذار ، ويدّعون انهم المحقون ، فيجادلون في القرآن ، ويقولون: انه أساطير ، وان التوحيد تضليل ، والبعث حديث خرافة.. ودليلهم الأول والأخير تقاليد الآباء ووحي المصالح والأهواء. “فلا يغررك – يا محمد – تقلبهم في البلاد” للتجارة وذهابهم إلى الشام في رحلة الصيف ، ولا إلى اليمن في رحلة الشتاء ، لا يغررك هذا وما إليه فإن نهايتهم الويل والثبور: “إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ولَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ” (آل عمران 178) ج 2 ص 208.

جاء في الموسوعة الحرة عن انقلاب 14 تموز أو ثورة 14 تموز: ترحيب الشارع العربي بالثورة: رحب الشارع العربي، بما في ذلك القوى والفعاليات الجماهيرية في الدول العربية التي تُصنف ضمن القوى التحررية والوحدوية، بالحركة. كما رحب بها خصوم الملكية، حيث بعثت تلك القوى برقيات تأييد وانطلقت مظاهرات في مختلف الساحات والتجمعات العربية. أُلقيت الخطب الحماسية، ورددت الأناشيد والأشعار التي تغنت بالثورة الجديدة. كما قدم العديد من فناني مصر أغاني وأناشيد وطنية وقومية دعماً للحركة وتقديراً للعراق وشعبه، من أبرزها أنشودة “بغداد يا قلعة الأسود” و”شعب العراق الحر ثار” لأم كلثوم، بالإضافة إلى العديد من الأناشيد للموسيقار محمد عبد الوهاب وشادية وفائزة كامل وكارم محمود وغيرهم، التي تجاوزت الخمسة عشر أنشودة. إعلان الجمهورية العراقية: أعلنت الجمهورية العراقية ولأول مرة من خلال البيان الأول للثورة، وكانت هنالك محاولات لصياغة نص البيان الأول ففي المحاولة الفاشلة للتنظيم لقلب نظام الحكم عام 1956 اشترك كل من الشخصيتين المثقفتين الأستاذ محمد صديق شنشل والسيد فائق السامرائي لوضع بعض البنود الخاصة بالبيان الأول للحركة. إلا أن فشل المحاولات السابقة لقلب نظام الحكم الملكي أدت إلى إهمال تلك الصيغة من البيان في حينه. وعند الشروع بالحركة بادر عبد السلام عارف بصفته أحد قادة التنظيم وعضوا في اللجنة العليا، بأن يتبنى صياغة البيان نظرا لاتقانه اللغة العربية، وتمتعه بصوت خطابة جهوري، ونظرا لأنه سيقوم بمهمة تنفيذ (الثورة)، فقد قرر من جانبه وضع البيان وإذاعته عند نجاحه بالسيطرة على مبنى دار الإذاعة العراقية. وبعد نجاحه في السيطرة على بغداد أذاع عبد السلام عارف بنفسه البيان الأول. وأصبح بعد الآن اسم العراق الجمهورية العراقية. وتولى العميد الركن عبد الكريم قاسم منصب رئيس الوزراء ووزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة والعقيد الركن عبد السلام عارف نائب رئيس الوزراء ونائب القائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية. ووزعت الحقائب الوزارية والمسؤوليات حسب أدوار الضباط من أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين وإسهامهم في الحركة.

الانقلاب الخفي على الثورة: تميز أسلوب عبد الكريم قاسم في تفرده بالحكم بعدة أشهر معدودات من قيام الحركة وإعلان الجمهورية، تمثّل جليّا من خلال إبعاده لزملائه أعضاء التنظيم والتيارات الوطنية الأخرى المشاركة في الحكم وخصوصا قادة التنظيم وشخوص الثورة وعلى وجه الخصوص عبد السلام عارف ورفعت الحاج سري (الديّن) ونجيب الربيعي وناجي طالب وناظم الطبقجلي وعبد الرحمن عارف وعبد الكريم الفرحان وصبحي عبد الحميد وعبد اللطيف الدراجي ورجب عبد المجيد وعبد الوهاب الشواف وعارف عبد الرزاق وصالح مهدي عماش وإبراهيم الداود وأحمد حسن البكر وحردان عبد الغفار، إضافة إلى الوزراء الذين ينتمون إلى تيارات وطنية مختلفة. وتطوّر الأمر إلى تصفية منافسيه ومعارضيه من زملائه من الضباط الأحرار مثل محاولة إعدام عبد السلام عارف وتنفيذ أحكام الإعدام بقادة التنظيم الآخرين من أمثال ناظم الطبقجلي ورفعت الحاج سري والإجهاز على عبد الوهاب الشواف وهو جريح في المستشفى وإعدام مجموعته. وكان أخطر قرارات قاسم والتي جعلت مصداقيته على المحك، هي اعتقال وإصدار حكم الإعدام بالشخصية الوطنية رشيد عالي الكيلاني باشا. أما خطواته اللاحقة كانت تتمثل في إفساح المجال للشيوعيين بالسيطرة على الحياة العامة ومركز القرار، حيث استمرت الميليشيات الشيوعية بحملات متواترة مع قرارات المحكمة الخاصة التي كان يديرها المهداوي، لتطهير وتصفية الخصوم ابتداءً من بقايا رموز العهد الملكي وانتهاءً بالتيارات المتنافسة والشخصيات الوطنية والعسكرية على اختلاف توجهاتها إسلامية كانت أم قومية. حيث تصاعدت وتيرة عمليات الاضطهاد وأعمال العنف بأساليب مختلفة كالسحل بالحبال والتعليق على أعمدة الكهرباء ودفن الأحياء حتى بلغت إحصائية الضحايا ما قارب العشرة آلاف مواطن، مما أثار حفيظة المنظمات الدولية والإنسانية، حيث تلقّى رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم برقيات الاحتجاج على أعمال العنف هذه التي كانت تؤججها المحكمة الخاصة بعد كل دورة محكمة. ففي إحدى المقابلات الصحفية أبدى عبد الكريم قاسم تأييده لما يحدث، لأنه شكل من أشكال الحفاظ على السلطة. فمن جهته كان قاسم وأثناء الحكم الملكي يميل للتكتل مع خلية تنظيم الضباط الوطنيين من ذوي الميول الشيوعية ومن ذوى الانحدار الفلاحي من طبقة ما يسمى بالشروقيين. حيث كان ميّال للسماع عن العقيدة الشيوعية ومعجبا بتجربة الاتحاد السوفيتي. والعديد من المؤرخين والسياسيين يلقون بمسؤولية مقتل الملك وأفراد عائلته والطريقة التي تمّت بها على كاهل هذه الخلية حيث لم يكن مخططا لها من قبل تنظيم الضباط الوطنيين بأن تكون دموية بذلك الشكل. تحول عبد الكريم قاسم من زعيم للثورة إلى زعيم أوحد، وشيئا فشيئا تفرد بالسلطة حتى أصبح (ديكتاتور) جمع بيده كل السلطات، فاستحوذ على مركز صناعة القرار وبدأ بجمع الصلاحيات بيده مجرداً إياها من زملاءه. فأصبح هو رئيس الوزراء ووزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة وكان يتباهى بذلك من خلال مقابلاته ووسائل إعلامه التي نعتته (بالزعيم الأوحد) وتصريحاته التي كان يكرر فيها عن أسلوبه في الحكم (بأنني اعتبر العراق وحدة عسكرية والشعب هم جنودها). وعند نجاح الحركة وقيام الجمهورية، حين كان العمل في القيادة جماعيا قبل تفرده بالسلطة سمحت وزارة الداخلية التي كان عبد السلام عارف وزيرا لها بتأسيس بعض الأحزاب مثل الحزب الإسلامي العراقي وحزب الدعوة الإسلامية، إلا أن عبد الكريم قاسم وبعد حصر الصلاحيات بيده ألغى هذه الأحزاب ولم يفسح المجال لعمل أحزاب جديدة سوى الحزب الشيوعي العراقي الذي شاركه في السلطة. حوكم الرجل الثاني في الدولة عبد السلام عارف بتهمة الشروع بقلب نظام الحكم عند مجيئه لبغداد على إثر مرض والده والذي توفي على إثره حيث دحض عارف هذه التهم مبرزا البرقية التي بعثها له أخوه عبد السميع حول ضرورة مجيئه الفوري بسبب مرض والده، ثم تمت محاكمة مجموعة العقيد الشواف الذي حاول التمرد على الحكومة في الموصل ولقي حتفه في المواجهات المسلحة وحوكم من معه بالإعدام والسجن حسب دورهم في التمرد. وقد زج معهم العديد من الخصوم السياسيين بغية التصفية السياسية أهمهم مجموعة العميد الركن ناظم الطبقجلي ثم المحاكمة المثيرة للجدل للشخصية الوطنية رئيس الوزراء الأسبق رشيد عالي باشا الكيلاني. وقد هزت تصرفات المحكمة مصداقية النظام الجمهوري الجديد وشوّهت صورته وكانت مؤشرا لمرحله جديدة من الصراع بين التيارات السياسية المختلفة داخل النظام الجديد والتي انتصر في جولتها الأولى عبد الكريم قاسم ضد خصومه من أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين وعلى رأسهم عبد السلام عارف وناظم الطبقجلي ومجموعة عبد الوهاب الشواف ثم رشيد عالي باشا الكيلاني. وكانت المحكمة تمثل تيار عبد الكريم قاسم وهو يصفي خصومه من التيارات المعارضة من خلال جلساتها.

جاء في تفسير الميسر: قوله تعالى عن البلاد “مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ” ﴿غافر 4﴾ تَقَلُّبُهُمْ: تَقَلُّبُ اسم، هُمْ ضمير. الْبِلَادِ: الْ اداة تعريف، بِلَادِ اسم. تَقَلُّبُهُمْ: تصرفهم وتنقلهم سالمين غانمين. ما يخاصم في آيات القرآن وأدلته على وحدانية الله، ويقابلها بالباطل إلا الجاحدون الذين جحدوا أنه الإله الحق المستحق للعبادة وحده، فلا يغررك أيها الرسول ترددهم في البلاد بأنواع التجارات والمكاسب، ونعيم الدنيا وزهرتها.

جاء في موقع الاتحاد الوطني الكردستاني عن 14 تموز انعطافة سياسية في تاريخ العراق: القمع والعنف السياسي: لم تكن هناك حرية التظاهر أو الاحتجاج ضد السلطة. وقد قمعت مظاهرات سلمية قامت بها الجماهير احتجاًجاً على بعض إجراءات السلطة أو المعاهدات الجائرة المخلة بالسيادة الوطنية، حيث قمعت بشراسة وثبة كانون الثاني 1948، وانتفاضة 1952 وانتفاضة 1956 بالحديد والنار وإعلان الأحكام العرفية وزج الوطنيين بالسجون. كذلك أغرقت السلطة الملكية إضرابات عمال النفط في كركوك (مجزرة كاورباغي) 1946 وفي حديثة 1947، وفي البصرة 1953 بدماء العمال. وأقيمت المذابح للسجناء السياسيين العزل من السلاح في بغداد والكوت في حمامات دم فظيعة، كما حصل ذلك لانتفاضة فلاحي آل أزيرج ودزه ئي والديوانية وغيرها. وإعدام قيادة الحزب الشيوعي عام 1949. ومن هنا نعرف أن العهد الملكي- السعيدي هو الذي بدأ باستخدام العنف السياسي ضد المعارضة، وضرب الجماهير واصبح العنف السياسي الدموي عرفاً وتقليداً في السياسة العراقية لدى الحكومات اللاحقة في العهد الجمهوري.

القضية الكردية: أما الإدعاء بعدم وجود تمييز عرقي ضد الأكراد في العهد الملكي، وأن المشكلة الكردية قد خلقها “إنقلاب 14 تموز” فهو الآخر يفنده التاريخ القريب وهناك شهود أحياء. لقد حرم الشعب الكردي من أبسط حقوقه القومية المشروعة، ولما طالب بهذه الحقوق ولم يستجب لها أضطر أن يثور. وقمعت الثورة الكردية بقيادة الشيخ محمود الحفيد في الثلاثينات، ومصطفى البارزاني بين عامي 1943-1945 وتم تشريد ونفي البارزانيين وكرد آخرين في الأربعينات إلى روسيا ولم يعودوا إلى وطنهم إلا بعد ثورة 14 تموز 1958. السياسة الاقتصادية والطبقات الاجتماعية: كان النظام الملكي قائماً على الإقطاع ومعتمداً عليه. وكان الشيوخ الإقطاعيون مهيمنين على الاقتصاد من خلال هيمنتهم على البرلمان والحكومة. يقول الدكتور منذر الشاوي في مقدمة لكتاب (نظام برلماني ممسوخ قاد إلى ديكتاتورية ملكية): “إن البرجوازية العراقية بدأت تنمو بشكل محسوس، إلا إن هذا النمو البرجوازي صادف وجود طبقة إقطاعية قوية، فلم تستطع الطبقة البرجوازية في ظل النظام الملكي من تنحيتها ولم تحدث بينهما المصالحة التي تمت في العديد من دول أوربا الغربية بين طبقة ملاك الأراضي والطبقة البرجوازية.” وقد بلغ ظلم الإقطاع حداً لا يطاق. فيقول الدكتور عزيز الحاج: ” فيما كان الفلاح العراقي يتضور جوعاً، وينسحق ديوناً،…أهدى أحد كبار الإقطاع في العمارة سيفاً ذهبياً لعسكري بريطاني، وفي نفس الوقت كان زملاؤه في محافظة الكوت (واسط) يجوِّعون كلابهم الضخمة بانتظار الانقضاض في اليوم التالي على الفلاحين الذين عجزوا عن تسديد ديونهم أو جازفوا بالهروب من جحيم الأسياد. وكان دخل الفلاح الممتاز لا يتجاوز في السنة 5 دنانير قبل الحرب العالمية الثانية، وثلاثين ديناراً إثناءها، في حين كان إيراد بعض الشيوخ من غلة واحدة قد يتجاوز المائة ألف دينار. وكان الإقطاعي يفرض على الفلاح عشرات الأشكال من الضرائب والرسوم، ويستهتر بعائلته، فضلاً عن ظلم التجار ونهبها بالربا الفاحش. فالجماهير المسحوقة وخاصة سكان الأرياف الذين كانوا يشكلون حوالي 70 بالمائة من الشعب، كانوا يعيشون حياة بائسة ضحية الفقر والجهل والمرض، بسبب ظلم واضطهاد رجال الإقطاع لهم، مما أرغم الملايين منهم على ترك الفلاحة والهجرة إلى بغداد والمدن العراقية الأخرى مكونين أوراماً سكانية مرعبة على أطراف المدن.

جاء في جريدة الحقيقة عن منجزات ثورة 14 تموز 1958 للكاتب عبد الخالق حسين: إجتماعياً: 1 – إلغاء العلاقات الإقطاعية، وإلغاء قانون حكم العشائر الذي كان يخوِّل شيوخ الإقطاع بحسم القضايا الجزائية في مناطقهم، وهو قانون سنه الإنكليز لإرشاء شيوخ العشائر لكسب ولائهم. كان سكان الأرياف يشكلون حوالي 60 % من الشعب. وبذلك فكانت سلطة القضاء محصورة على المدن فقط دون سكان الأرياف الأمر الذي كان له مردود سلبي على تطوير الريف حضارياً. 2 – إصدار قانون الإصلاح الزراعي وإلغاء الإقطاع. وهذا بحد ذاته ثورة إجتماعية لصالح الملايين من الفلاحين الفقراء. 3 – قامت الثورة بتشريع قانون الأحوال الشخصية، الذي بموجبه أعاد الإعتبار للمرأة العراقية التي كانت مسحوقة في جميع الأزمنة ما قبل الثورة. وأقر القانون مساواتها بالرجل في الميراث، وشهادتها في المحاكم تعادل شهادة الرجل، كذلك مسألة تعدد الزوجات في صالح المرأة. وبذلك أعادت الثورة للمرأة إعتبارها كإنسانة لها كرامتها وشعورها بآدميتها، وفسح المجال أمامها لتلعب دورها الكامل في بناء الأسرة والمجتمع ومساواتها بأخيها الرجل في الحقوق والواجبات. 4 – نشر التعليم. لقد أزداد عدد المدارس والمعاهد العلمية وعدد الطلبة والمدرسين خلال أربع سنوات ونصف السنة من عمر الثورة إلى ضعف ما حققه النظام الملكي خلال 38 عاماً. إضافة إلى إرسال آلاف الطلبة إلى الخارج في بعثات دراسية في مختلف المجالات العلمية اللازمة لبناء الركائز الإقتصادية وإدارتها وإدامتها وخاصة المرافق النفطية. 5 – تبنت الثورة سياسة العدالة الإجتماعية على المستوى الطبقي والجغرافي حيث عممت المشاريع كافة ميادين النشاط الإجتماعي والمدن العراقية. 6 – قللت من الفوارق بين المدينة والريف وتعزيز الصلة بينهم.