الكوارث الطبيعية والكوارث المصطنعة

كامل سلمان

الفيضانات والأعاصير والهزات الأرضية والسيول والبراكين وغيرها هذه كوارث طبيعية أي أن الطبيعة تفرضها لأسباب جيولوجية أو تغييرات مناخية ، فما على الإنسان إلا العمل على تجنب أثارها السيئة أو التقليل من مخاطرها وخسائرها ، بغداد كانت تتعرض للفيضانات الموسمية فقام البغداديون لأحل تقليل تأثير هذه الفيضانات السنوية ببناء مرتفعات ترابية تزيد عن الخمسة أمتار وبناء البيوت فوق هذه المرتفعات الترابية وخاصة في مناطق الرصافة التي تغرق بالفيضانات كل عام ومازالت المناطق السكنية المرتفعة عن الأرض شاخصة في بعض مناطق بغداد مثل الفضل والميدان والشيخ عمر والكولات والنهضة ، بعقلياتهم البدائية وجدوا العلاج المناسب الذي يحميهم ويحمي عوائلهم وبيوتهم من الغرق إلى أن جاءت مرحلة بناء السدود التي أزالة خطر الفيضانات ، وهكذا تفعل الأمم والشعوب كل حسب تجربتها لمواجهة الكوارث الطبيعية المدمرة ففي اليابان استطاع اليابانيون من بناء المنازل والعمارات التي تستجيب للهزات الأرضية وفي أمريكا قاموا بحفر قنوات وبحيرات صناعية تمتص الفيضانات التي تخلفها الأعاصير ، هذا هو الإنسان يصارع الطبيعة فأن لم ينتصر عليها لا يستسلم لها ، لكن عندما يواجه الإنسان الكوارث المصطنعة التي تصنعه يد وعقل الإنسان عن قصد أو دون قصد فأن خسائرها ستكون باهضة ومؤلمة لأن المتضرر منها لم يحسب حسابها ، أشبه ما تكون بطعنة الغدر ، كلنا نتذكر جائحة كرونا التي هي من صنع البشر ، ماذا فعلت بسكان الكرة الأرضية ؟ ملايين الضحايا وخسائر مادية بالتريليونات وتعطلت الحياة لأكثر من عام ، ماذا خلفت الكوارث نتيجة الأعمال الإرهابية من تفجيرات وقتل جماعي ؟ ماذا خلفت الحروب من كوارث ودمار لحضارة الإنسان ؟ هذه كلها كوارث مصطنعة ليست للطبيعة دخل فيها ، صنعتها يد الشر فعندما يحصل حريق في مبنى مرتفع مثل الحريق الذي شب في مول الكوت ذو الطوابق الخمسة وتسبب مثل هذا الحريق بخسائر بشرية كبيرة جداً إذا ما قورنت هذه الخسائر بحجم المبنى الصغير مساحة طولاً وعرضاً وارتفاعا والسبب هو الإهمال في توفير مستلزمات السلامة وعدم وجود الرقابة الهندسية والفساد الإداري من أجل حفنة من الدولارات كل ذلك يحدث في غياب القانون وغياب الدولة ، عشرات الضحايا ومئات الجرحى هي كارثة مصطنعة لا تقل شأناً عن كوارث الأعمال الإرهابية ، فهذا الذي لا يهتم لأرواح الناس هو إرهابي فكراً وروحاً بغض النظر عن نواياه .. ما يميز الكوارث المصطنعة أنها دائماً وراءها فكر فاسد وعقول فاسدة ونفوس دنيئة تفعل فعلتها ثم تخفي رأسها . الكوارث الطبيعية هي السر وراء تطور الإنسان ، فكل كارثة طبيعية تحصل في بقعة من الأرض يجتهد عقل الإنسان في عدم تكرارها بنفس القدر من الضرر ، أما الكوارث المصطنعة هي السر وراء تخلف ودمار الإنسان ، فكل كارثة مصطنعة هي كارثة كيدية قد يعاد تكرارها بشكل أسوأ ، فالجهل الذي ينزل على المجتمع هو أكبر الكوارث المصطنعة التي تخلق دماراً متسلسلاً تتوسع بشكل رهيب مع الوقت ، فالجهل هو الباب الوحيد الذي يسمح بدخول الأفكار العفنة إلى عقول الناس لتقبل السوء ، ولا يُفتح هذا الباب من تلقاء نفسه إلا بأيادي خبيثة متعمدة الضرر للناس .. مشكلة الإنسان مع الكوارث المصطنعة هي إنها تحركها عقول بشرية متشيطنة عنيدة لا تعرف الإستسلام فعملية مواجهتها ليس بالشيء الهين ، فهذه العقول المتشيطنة تبحث دائماً عن مكاسب مادية محدودة وعن أهداف قذرة فهي عقول متعطشة للملذات ترتفع فيها منسوب الشهوات المنفلتة ، تعشعش وتنمو وسط مجتمعات جاهلة غير حريصة على حياتها فتقع الكوارث ، وللأسف مجتمعاتنا أرض خصبة لمثل هذه النماذج بشرط أن تتغطى بلباس الدين والمذهب أو أن تشهر سيف العنف والقوة فكلا الطريقتين تأتي بالنتائج المثمرة لأصحابها لذلك بات على مجتمعاتنا أن تتحمل أمواج من الكوارث المصطنعة وبأحجام وألوان مختلفة طالما تتقبل الخداع . فلو أنتفض الناس لدماء أبناءهم الذين احُرقوا داخل مبنى مول الكوت وطالبوا بحرق كل من تسبب بهذه الكارثة وأمام مبنى المول نفسه لعرفت الشياطين الإنسية أن لا مكان لها في هذا المجتمع .

Kamil.salman@gmail.com