الجوار الإقليمي والعراق: بين الاستثمار في الفوضى ومناطق النفوذ الوظيفية

ضياء المهندس

من الصعب فهم ما يجري في العراق دون النظر إلى العيون المتربّصة من الجوار. فالعراق ليس مجرد ساحة صراع داخلي، بل هو ميدان تقاطع مصالح إقليمية متداخلة، كل منها يرى فيه “عمقًا استراتيجيًا” أو “ساحة نفوذ وظيفية”. في ظل مشاريع مثل “ممر داوود”، تتفاعل ثلاث قوى رئيسية: تركيا، إيران، ودول الخليج، كلٌ منها بدوره الخاص، والذي يتراوح بين الهيمنة، والاحتواء، والاستثمار في الضعف.

🇹🇷 تركيا: بين الطموح العثماني والتوغّل العسكري

دوافع تركيا:

حماية الأمن القومي من “التهديد الكردي”، حسب زعمها.

توسيع النفوذ الاقتصادي في الموصل وكركوك ودهوك.

تعطيل أي مشروع يهدد طرقها التجارية، ومنها “طريق التنمية” العراقي.

الأدوات المستخدمة:

قواعد عسكرية داخل الأراضي العراقية (أكثر من 10 مواقع دائمة).

دعم جماعات سنية موالية في نينوى والأنبار تحت لافتة “التوازن”.

مشاريع اقتصادية ضخمة في كردستان دون تنسيق مع بغداد.

دور استخباراتي نشط في غرب العراق.

الهدف النهائي:

تثبيت وجود وظيفي طويل الأمد، يتحرك في هامش “الفوضى القانونية والسياسية”، ويمنع قيام دولة عراقية قوية تهدد نفوذ أنقرة.

🇮🇷 إيران: من العمق العقائدي إلى النفوذ اللوجستي

دوافع إيران:

حماية محور المقاومة الممتد من طهران إلى بيروت.

تأمين الحدود الطويلة مع العراق (أكثر من 1,400 كم).

كسر الطوق الأميركي من خلال شراكة أمنية وشعبية مع قوى عراقية نافذة.

الأدوات المستخدمة:

دعم الحشد الشعبي والمؤسسات المرتبطة به.

النفوذ في مفاصل اقتصادية (التجارة، الكهرباء، الغاز).

تحريك الجماعات السياسية في البرلمان كقوة ضغط.

التبادل الثقافي – الديني عبر الزيارات الدينية ومؤسسات تعليمية.

التحديات التي تواجهها إيران:

العقوبات الأميركية التي تؤثر على التبادلات المالية.

تراجع بعض الحواضن الشعبية بسبب الأزمات الاقتصادية في إيران.

وجود جماعات “عقائدية موازية” تنافس على تمثيل المشروع الشيعي.

🇸🇦 الخليج (السعودية – الإمارات – قطر): من المواجهة إلى الاحتواء

دوافع الخليج:

احتواء النفوذ الإيراني ومنعه من التمدد جنوبًا وغربًا.

الحفاظ على توازن القوى في المنطقة عبر شراكات سياسية واقتصادية.

الاستثمار في تفكيك القوى المسلحة العراقية غير المنضبطة.

الأدوات المستخدمة:

الإعلام النافذ (قنوات، منصات رقمية) لبناء رأي عام “مُعادٍ للحشد والمقاومة”.

دعم مشاريع اقتصادية في الأنبار والجنوب تحت شعار “إعادة الإعمار”.

محاولات اختراق الطبقة السياسية عبر تحالفات انتخابية وتمويل ناعم.

الوجه الجديد للخليج:

تبني نموذج “التأثير الناعم” بدلاً من الصدام المباشر.

دعم فكرة “الحكومة التكنوقراطية” التي تُقصي قوى المقاومة.

فتح قنوات مع مرجعيات دينية وعشائرية لتأطير الخطاب المحلي.

ماوراء التفاعلات للعراق

تعدد مراكز التأثير يعني إضعاف القرار السيادي.

الدولة العراقية تعاني من “تشظي الولاءات” حتى داخل المؤسسات.

تحول العراق إلى “دولة وظيفية” تُستخدم لحساب توازنات الجوار.

🛡️  المطلوب عراقيًا

1. إطلاق ميثاق سيادة وطنية يمنع استخدام العراق كساحة بالوكالة.

2. ضبط العلاقات مع دول الجوار عبر معادلة متوازنة (لا محاور، لا عداء شامل).

3. إعادة بناء مفهوم الدولة العادلة التي تحتوي الشيعي والكردي والسني دون وصاية خارجية.

4. حصر السلاح بيد الدولة، لكن ضمن مشروع وطني لا يخدم أجندة خارجية.

🛑 الخلاصة: إذا تحوّل الجوار إلى صاحب قرار… لم يعد العراق وطنًا..

تركيا تحفر في الشمال، إيران تثبّت المحور في الوسط، والخليج يعيد تشكيل الوعي في الجنوب. ما لم تُستعاد الدولة الوطنية بسيادتها الكاملة، فإن كل مشروع إقليمي سيجد موطئ قدم، ويتحول العراق إلى منطقة عبور لا دولة مستقلة.

الحياد العراقي الصلب… ليس في الانعزال، بل في الندية..

البروفسور د.ضياء واجد المهندس

رئيس مجلس الخبراء العراقي