طمر الأنهار وقطع الأشجار 

ادهم الشبيب

طمر الأنهار وقطع الأشجار 

خطة أمانة بغداد في العصر الديموقراطي

تعكف الدول المتحضرة و”المتخلفة” على تعويض النقاوة المفقودة في أجوائها نتيجة البناء والتوسع العمراني بزيادة التشجير والتخضير والتوزيع المائي في كل جانب من المدن ، وقد وضعت معايير لذلك تتبعها البلديات أن يكون ما يقابل النسبة السكانية مساحات خضراء ومساحات مفتوحة ، فمثلا مقابل كل عشرة افراد في المدينة يجب ترك عشرين مترا من المساحات الخضراء ، ومدن اخرى منع الواجهات الزجاجية في البنايات لتقليل الانبعاث الحراري المنعكس من اشعة الشمس ، مدن اخرى منع الارتفاعات الشاهقة للأبنية بقانون صارم حفاظا على فتح الرؤية ومنع انحباس الغيوم وحسابات اخرى كثيرة تندرج تحت التخطيط العمراني وهندسته التي شهدت تقدما هائلا في العقود الأخيرة ، 

وتواجه بعض الدول مشكلة المياه الحلوة للسقي اذ لا تمر بها الانهار ولا تتوفر على ينابيع يمكن لها دعم ذلك فتلجا الى شقّ الانهار الصناعية او حفر الابار الجوفية. في العراق بفضل الله نهران كبيران وكان هذا الامر ساريا ومنتظما حتى عام 2003 عام الحرية والديموقراطية المجيد فكل بيت كان أمامه شجرتان وفي داخله وكل شارع رئيسي تغطي الخضرة على جانبيه ووسطه مساحات كافية بل مبالغ فيها ، والنهر يُكرى ويتوسع كل عام ، 

منذ التحرير المجيد وانتهاء عصر الظلمات بدات حملة اجتثاث الاشجار مع اجتثاث البعث وطبّق قانون التجريف والعدالة على كبرى الحدائق والبساتين واختفت مئات الهكتارات من المساحات الخضراء ، ودأبت امانة بغداد خلال عشرين سنة على قلع وقطع جميع الاشجار المعمرة والمثمرة والظلية في الشوارع الرئيسية الجميلة في بغداد ، وكذلك اقتدت بها المحافظات طبعا، 

الخطة العشرينية هذه لم يكن معروفا الهدف والفائدة منها الى أن -بحمدالله- جاءت الحكومة الأخيرة فتبين لنا الفائدة الجليلة من ذلك ، انه فسح المجال لبناء المجمعات السكنية في قلب بغداد المكتظ واعطاء السياسيين والاغنياء من البرلمانيين الفرصة لحل ازمة السكن بالاستمار في ذلك لتسهيل غسيل الاموال ، وكذلك انشاء الجسور وانهاء ازمة الاختناق المروري ، 

اخيرا ولتوسيع شارع ابي نؤاس فقد طُمر نهر دجلة لمسافة 6 امتار عرضا و ما يقرب من 3 كيلومتر طولا بمحاذاة النهر الذي اختفت رؤيته تماما من مصطبات الشارع العريق الذي كان متنفسا لأهالي بغداد ومنظرا خلابا مطلا على دجلة الخالد قال عنه احد سفراء اوربا في الثمانينات “كنا ندخل قرعة ليكسب احدنا سفارتنا في العراق لحلمنا بالجلوس الليلي على ابي نؤاس في بغداد وتناول السمك المسگوف” ، 

الآن بغداد تحوي عشرات الجسور ومئات المجمعات الكونكريتية الشاهقة ومثلها من المولات ومراكز الرياضة والتجميل و”المساج” الحر المرخّص وعشرات الملاهي الليلية والمَقامر ، ولكن بلا شجرة ولا جدول او حتى نافورة ماء .

أدهم الشبيب 6 اب 2025