لماذا الاهتمام الدولي الزائد باتفاق السلام في غزة ؟

الكاتب : كامل سلمان
—————————————
كامل سلمان
اهتمام دولي غير مسبوق بأتفاق السلام في غزة وربما فاق هذا الأهتمام جميع الأحداث التي وقعت بعد الحرب العالمية الثانية وحتى على مخرجات الحرب العالمية الثانية ذاتها وهذا الشيء مثير للإنتباه لم يسبق للعالم أن عاش هكذا حدث غطى على جميع الأحداث العالمية من قبل ، فهل فعلاً يستحق اتفاق إنهاء الصراع بين حماس وإسرائيل هذا الاهتمام الكبير الواسع أم أن القضية لها أبعاد أخرى ؟ من الواضح بأن دول العالم الغربي تعرف كيف تتفنن في اصطياد الفرص لتوجيه ضرباتها لاعدائها ، اتفاق السلام في غزة ضربة ثلاثية الأبعاد لروسيا والصين وإيران . أن استقطاب غالبية الدول العربية والإسلامية في مشروع السلام الذي طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والذي جاء في ظرف حرج كانت المنطقة متعطشة إلى السلام بعد الفواجع التي حلت بالشعب الفلسطيني والتي أدمت قلوب الملايين جعلت دول العالم الغربي ودول العالم الإسلامي تتوحد من أجل إنجاح هذه المبادرة وإنتشال الشعب الفلسطيني من مصير الإبادة الجماعية فتحولت المبادرة إلى محفل لإعادة جسور التواصل بين دول العالم الإسلامي وخاصة العربية منها مع العالم الغربي ، هذه الجسور التي تصدعت كثيراً بسبب الميول الغربية الزائدة لصالح إسرائيل مما أدى إلى اعادة الحياة للترابط والتحالف بين هذه المجموعتين الدوليتين وبنفس الوقت عزل روسيا والصين وايران عن هذا المحفل العالمي ، نحن نعلم بأن أمريكا وأوربا وتحديداً دول الترويكا الأوربية ( فرنسا وبريطانية وألمانيا ) هي محور الحركة للحياة على كوكب الأرض فهذه الدول تمثل قلب التكنلوجيا والصناعة والقوة العسكرية والإعلامية والفنية والرياضية في العالم فإذا تحركت هذه الدول بقوة فكل شيء في العالم يتحرك بقوة ( وأقصد هنا عسكرياً واقتصادياً وإعلامياً وسياسياً ورياضياً وكذلك الجوانب الأخرى ) فهذه الدول لأول مرة في التأريخ وبعد الحرب العالمية الثانية تحديداً أصبحت كتلة واحدة متحالفة تعمل لهدف واحد ولأول مرة في التأريخ تستطيع هذه الدول أن تنشئ شبه تحالف استراتيجي مع الدول العربية والدول الإسلامية لحل مشكلة غزة والمشكلة الفلسطينية عموماً فأصبح الشرق الأوسط برمته تقريباً جبهة واحدة مع أمريكا وأوربا لحل هذه المشكلة وكأن الحرب العالمية الثالثة ضد الصين وروسيا قد انتهت قبل أن تبدأ لأننا نعلم بأن الدول العربية والإسلامية بعددها ونفوسها واقتصادياتها ومواقعها الجغرافية وثرواتها تمثل مركز الثقل الحيوي للعالم ، فعندما تلتقي مصالح هذه الأطراف ستفجر ينبوعاً من المكاسب وهذا يفسر لنا لماذا لم تحسم إسرائيل الحرب في غزة ضد حركة حماس عسكرياً رغم قدرتها على حسم الأمر منذ الأسبوع الأول لأن الأمر كما يبدو بأن هذا الصراع لم يكن صراعاً عسكرياً ولا أيدلوجياً بل هو صراع من نوع أخر يدار بحرفية ، ففلسطين هي القضية الأولى للعرب والمسلمين وأن روسيا منذ الاتحاد السوفياتي السابق والصين ودول عديدة متحالفة معهما كانت طوال تلك السنين تستغل هذه الفجوة بين العالم الغربي والعالم الإسلامي ومن خلالها تصل إلى العالم الإسلامي وكانت تحقق نجاحات من خلال هذه الفجوة ، لذلك فأن النزاعات العسكرية في المنطقة سابقاً كانت تصب لمصلحة الدول المعادية لأمريكا وأوربا ، لكن أخيراً تيقنت دول المعسكر الغربي بأن هناك كنز سياسي واقتصادي رهيب في القضية الفلسطينية يجب استغلاله فكانت على موعد لتصحيح المسار السياسي وإعادة البوصلة والمصالحة مع العرب والمسلمين من خلال احداث غزة فعملت بتخطيط دقيق مبرمج على حل هذه المعضلة وهذا ما حصل فعلاً عندما أصبحت القضية الفلسطينية بوابة النصر الغربي ضد محور الشر كما يسمونه إعلامياً من خلال أتفاق غزة . من نتائج أتفاق السلام في غزة والتي سيترقبها العالم بكل شغف تأسيس الدولة الفلسطينية على أساس مقترح حل الدولتين لكن النتيجة الكبرى المتوقعة بعد اتفاق غزة والتي لم ينتبه إليها أحد هو احتمالية الانسحاب الإيراني من المحور الصيني الروسي والاندماج بالمحور العربي الغربي والدخول بمفاوضات جادة مع الغرب والقبول بجميع شروط المجتمع الدولي لأن بالحقيقة لا يوجد رابط فعلي لا أيدلوجي ولا تأريخي ولا روابط مجتمعية ولا عمق استراتيجي بين ايران ومحور الصين وروسيا سوى مبدأ عدو عدوي صديقي مما سيفضي ذلك إلى إنقلاب تدريجي سلمي هادىء في مبادىء الثورة الإسلامية من داخل إيران لأن أكبر أهداف الثورة الإسلامية الإيرانية المعلنة والمتعلقة بالقضية الفلسطينية تكون قد انتهت على الطريقة العربية والغربية وليس على الطريقة الإيرانية فتعود إيران كما كانت ضمن حدودها لكن صديقة للغرب وللعرب . ما حدث في المنطقة وما سيحدث في المستقبل القريب لم يكن صدفة فهناك تخطيط عال المستوى ربما يكون للذكاء الاصطناعي يد فيها لأنه تخطيط يفوق عقل البشر وأن درامية رسم الخطوات قد حيكت لسنين طويلة . هنا نستطيع القول بأن اتفاق السلام في غزة ليس فيها خاسر ( الكل رابح ) بالنسبة للأطراف المتصارعة فثمرة هذا الأتفاق سيعم خيره وفائدته على الجميع والكل متلهف لرؤية الاتفاق حيز التنفيذ . وأخيراً يمكن القول بأن سلوك طريق السلام يحتاج إلى إرادة استثنائية وفكر متفتح لكي يتحقق النجاح . .