الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
جاء في موقع الكاظم الزيدي عن علم الكلام وأهميته: إنَّه عِلمٌ مقصودٌ لغيرِه يضعُ لنَا قواعِدَ عامّة عقليّة ومنطقيّة نتوصّل بهَا إلى العَقائد الصّحيحَة، كمَا أنّ علمَ النّحو علمٌ مقصودٌ لغيرِه يضعُ لنَا القواِعد العامّة اللغويّة التي نتوصّل بها إلى تقويمِ منطقِنا وألفاظِنَا، وأهميّةُ عِلم الكِلام في تحصيل العقائد الصّحيحَة، كأهميّة علِم النحّو لقراءَة وفَهم القُرآن الكَريم، للأسَف أنّ من يستهينُ بعلمِ الكَلام يتكلّمٌ من نِطاقِ دائرةٍ صغيرَةٍ جدّاً، يتكلّمُ من داخِل بيتِه يُخاطبُ أخاهُ في النّسب، يخاطبُ أخَاهُ في الفِكر المَذهَب، يُخاطبُ أخاهُ في الإسلام، يُخاطبُ المُسلمين فيما بينَهم، فيقولُ لهُم: في القرآن تأصيلٌ للعقائدِ الصّحيحَة نكتفِي بذلكَ عن آلة عِلم الكِلام، هذه نظرَة قاصرَة حقيقةً، لأنّك بهذا المَنطق لنَ تستطيعَ أن تكونَ داعياً إلى الله تعالى هادياً للعِباد في إثبات الوحدانيّة لله تعالى، فإنّ الكفاّر والمُشركين والمُلحِدين لن يقبلُوا منكَ أن تقولَ لهُم قالَ الله تعالَى، ولا قالَ رسولُه، فأنتَ بحاجَةٍ إلى أن يكونَ عندَك قواعِد عقليّة ومنطقيّة راسخَة تنطلقُ من خِلالها لإثباتِ الله تعالى من غير طريقِ الشّرع الذي لا يعترفُ به أولئكَ المُلحدون أو الكفّار، ولذلكَ نجدُ إبراهيم الخَليل صّلى الله عليه عندَما أرادَ أن يَهدي ويحتجّ على عبدَة الكَواكب لَم يبدأهُم القَول بقالَ الله تعالى، وبمَا في صُحفِه،، بل إنّه اتّجه يُخاطبُهم ببراهينَ عقليّة لإثبات وحدانيّة الله تعالى وإبطالِ ألوهيّة ما سواهُ من تلكَ الكواكِب، فقالَ: “وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى القَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ المُشْرِكِينَ” (الأنعام 75-79)، فنبيّ الله إبراهيم الخَليل صّلى الله عليه بدأهُم بتسليمٍ جَدلي لا إيمَانيّ أنّ الكوكَب هُو الله، فلمّا تحرّكَ الكَوكب وأفَل وكان صاحبَ تغيّرٍ في القوّة يكونُ ثمّ يطغَى عليه ما يجعلُه آفلاً غائباً، ويتحيّز ويحتاجُ للأماكِن كبقيّة الأشيَاء، قالَ إبراهيم: لا أحبّ الآفِلين، وكذلكَ قالَ معَ القَمر والشّمس، ثمّ أثبتَ، بعدَ ذلك النّفي لأحوال وصفَات تلكَ الآلهَة الكواكب، والقَمر، والشّمس، أثبتَ، استحقَاق الله تعالى للعبادَة وصفَات الكَمال، فبدايَة الدّعوة تكونُ بإنكَار الباطِل، ثمّ بإثبَات الحقّ، فهذا الفِعل من نبيّ الله إبراهيم الخَليل هُو من أصل علِم الكَلام المَحمود الذي يتبنّاه أهل البيت أئمّة الزيدية صلوات الله عليهِم، لأنّنا سنشيرُ قريباً إلى أنّ هُناك قسماً مذموماً من عِلم الكَلام عند أئمّة العترَة، نعم! فعلمُ الكَلام يؤصّل لنَا مقدّمات نَظر عقليّة صحيحَة نستطيعُ من خلالها إثبات الله تعالى وصفَات الكمَال له جلّ شأنُه، كما أنّ عِلم النّحو يؤصّل لنَا مقدّمات النّطق الصّحيح والفَهم لآيات كتاب الله تعالى، وكذلك علم أصول الفِقه فإنّه يضعُ لنَا القواعد العامّة الصّحيحة التي تُوصلَنا إلى الفِقه والأحكَام، إذاً تلكَ العُلوم هي عُلوم مقصودَة لغيرهَا ليسَ لذاتهَا، ولو كان السّائل في بيئةٍ كُفريّة أو قد تعرّضَ للامتحَان في دينِ الله من قِبل كبار المُلحِدين، أو كان داعياً إلى الله تعالى في بلادٍ لا تعرفُ الإسلام، لعرفَ أهميّة علم الكَلام المَحمود في التأًصيل لإثبات الباري جلّ شأنه، وأشيرُ إلى أنواع عِلم الكَلام، الذي أتوقّع أنّ سوء الفَهم قد دخَل إلى السّائل من خلالِه، فإنّها قسَمان، وكلّها مُباحَة، إلاّ أنّ العترَة أقبلَت على قسمٍ وزهّدَت عن قسم، فهي قسمَان، القسمُ الأوّل: علمُ الكَلام المَحمود، والثّاني: علمُ الكَلام المَذموم.
جاء في موقع عرفان: بعد أن أخرجت عقائد الزيدية من كتاب البحر الزخار، وقفت على رسالة مختصرة باسم العقد الثمين في معرفة ربّ العالمين لموَلّفه العلامة الاَمير الحسين بن بدر الدين محمد المطبوع باليمن، نشرته دار التراث اليمني صنعاء، و مكتبة التراث الاِسلامي بصعده وهي من أوائل الكتب الدراسية في حقل أُصول الدين والموَلّف من أجلّ علماء الزيدية، وأكثرهم تأليفاً وتعد كتبه من أهم الاَُصول التي يعتمد عليها علماء الزيدية ويدرسونها كمناهج. فصل (في أنّ اللّه لا يُرى بالاَبصار) فإن قيل: أربك يرى بالاَبصار، أم لا يرى؟ فقل: هذه مقالة باطلة عند أُولي الاَبصار، لاَنّه لو رئي في مكان لدل ذلك على حُدُوثه، لاَنّ ما حواه محْدُودٌ محدث. فإن قيل: إنّه يرى في غير مكان. فهذا لا يعقل، بل فيه نفي الروَية، وقد قال تعالى: “لاتُدْرِكُهُ الاََبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاََبْصَارَ” (الاَنعام 103)، فنفى نفياً عاماً لجميع المكلفين، و (لجميع) أوقات الدنيا والآخرة. وقال اللّه تعالى لموسى ـ لما سأله الروَية ـ: “لَنْ تَرَانِي” (الاَعراف 143)، ولم يسأل موسى عليه السلام الروَية لنفسه، بل عن سوَال قومه، كما حكاه اللّه في قصص قومه: “فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوْا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ” (النساء 153)، ولو سألها لنفسه لصعق معهم. ولما لم يقع منه خطيئة إلا سوَاله لهم الروَية من دون إذن، قال لربه عزّ وجلّ: “أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنّا” (الاَعراف 155).
جاء في صفحة الزيدية والرد على شبهاتهم: بحثٌ حول الآية 23 من سورة الجن: قال الله تعالى: “إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا” (الجن 23). هذه الآية الكريمة مما تمسَّك به القائلون بخلود أصحاب الكبائر في النار، وتقريب استدلالهم: أنَّ الآية دلَّت على خلود العاصي لله ولرسوله في النار، ومرتكب الكبيرة عاصٍ لِله ورسوله، فتكون الآية دالَّة على أنَّ مرتكب الكبيرة مخلَّدٌ في النَّار. وأُجيبَ عن ذلك بأنَّ الآية في سياق يتحدَّث عن المشركين بالله ورسوله الَّذين لم يقبلوا بلاغَ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم حين دعاهم إلى توحيد الله، فالسياقُ قرينةٌ على أنَّ المراد بمعصية الله ورسوله في الآية 23 هي معصيةُ الشِّرك، ولا خلاف في أنَّ المشرك مخلَّدٌ في النار، وإنَّما الخلاف في أنَّ المؤمن الذي دخل النار بسبب معاصيه، هل يخرج منها بعد أن دخل أو لا؟ فلو كانت المعصية المذكورة في الآية على إطلاقها، لصح التمسُّك، ولكن السياق قرينة على إرادة خصوص معصية الشِّرك، فالتمسُّك بالآية غير صحيح. وأجاب بعضُ القائلين بالخلود بأنَّ خصوص السياق لا ينفي عموم اللفظ. وهو من عجيب الأخطاء، لأنَّ تحكيم السياق في فهم مدلول اللفظ ممَّا لا خلاف فيه بين العقلاء على اختلاف اللُّغات، فرفعُ اليدِ عن مُقتضى السياق نقضٌ للأصول العرفيَّة التي أقرَّها الشارع المقدَّس في مجال التفاهم اللُّغوي. وقد يخطر ببال البعض أنَّ هناك آياتٍ لم يعتمد المحقِّقون فيها قرينةَ السياق، فالجواب: أنَّ الأصل هو تحكيمُ السياق ما لم يدُلَّ دليلٌ مضاهئٌ أو أقوى من السياق على خلاف مقتضاه، فإن وُجد الدَّليلُ المضاهي أو الأقوى المعارض للسياق، فحينئذ يُعتَمَدُ الأقوى من القرائن والأدلَّة إن وُجد، وإلَّا يُقال بالإجمال وعدم تماميَّة الظهور في فرض المضاهاة والتكافؤ بين السياق وما يعارضه. وممَّا ينبغي أن يُذكر ـ هاهنا ـ أنَّ القائلين بالخلود في علمائهم وأئمتهم من تمسَّك بالسياق في فهم النصوص الدينية، ومن ذلك تمسُّك المؤيدي (ت 1083هـ) ـ من أئمَّة الزيديَّة ـ في كتاب الإصباح على المصباح بالسياق للقول بأنَّ المراد بالعهد هي الإمامة في آية سورة البقرة 124 “وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ” (البقرة 124) وكذا تمسك العلَّامة الفقيه العزِّي من علماء الزيدية في كتاب الكاشف الأمين بالسياق لبيان وجه دلالة (وأبوهما خير منهما) على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام. وكذا تمسُّك العلامة القرشي من علماء الزيدية بالسياق في كتاب منهاج المتقين لإثبات أنَّ عبارة “لا تدركه الأبصار” (الأنعام 103) بصدد المدح للذات المقدَّسة، وكذا تمسُّك القاسم بن محمد ـ من أئمة الزيدية ـ في كتاب مجموع الإمام القاسم بن محمَّد بالسياق لنفي عموم “يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” (البقرة 185) وقصر ذلك على الترخيص في ترك الصيام للمريض والمسافر. وكذا تمسُّك السيد حسين بدر الدين الحوثي بالسياق في الكثير من محاضراته، ومن ذلك تمسكه بالسياق في تفسير “محياي ومماتي لله ربِّ العالمين” (الأنعام 162) وذلك في محاضرته تحت عنوان (محياي ومماتي) والتي ألقيت بتاريخ 17 جمادى الأولى 1423 هـ.. وغير ذلك من الشواهد التي يصعب حصرها لكثرتها.