اعداد : شفق نيوز
تتزايد المؤشرات على أن “الصيغة العراقية” القائمة، تصبح محل شكوك وانتقادات لا تتوقف، حتى فيما يراقب العالم الانتخابات العديدة التي خاضها العراقيون والانتقال السلس نسبيا للسلطة من حكومة الى اخرى، حيث لا يزال العراق يتخبط بأزمات تبدو كأنها بلا نهاية، وهو ما يعزز التكهنات داخل العراق وخارجه، بضرورة إدخال “تغيير حقيقي” يقود الى استبدال الوجوه السياسية المهيمنة على مشهد اللعبة السياسية القائمة منذ 20 سنة.
وبرغم “الاحتفالات” القليلة التي تظهر في مراكز ومعاهد الابحاث الأوروبية والامريكية، عندما تنظم عملية انتخابية، أو تشكل حكومة جديدة ترث قيادة البلاد، وأزماتها، فإن العراق لا يزال يصور في الوقت نفسه، كبلد تتجذر فيه المشكلات والأزمات، حتى لتبدو كأنها مستعصية على العلاج، مهما وضعت برامج وخطط للتعامل معها.
ومن مفارقات المشهد المخيم على العراق، أنه حتى كبريات المراكز والمعاهد الغربية التي اسهبت طوال العقدين الماضيين، وربما قبلهما، على المناداة اما بتأييد الغزو العام 2003، او التخلص من الديكتاتورية، او العمل على إدخال تغيير سلمي وإصلاح في المجتمع العراقي، اصبحت تركز كثيرا خلال الاعوام الاخيرة، على مكامن الخلل في النظام السياسي والاقتصادي، بل والامني، في العراق، وطرحت تساؤلات، تزايدت خصوصا مع الذكرى ال20 للغزو بقيادة واشنطن، حول المكاسب والمنافع التي لم يشعر بها العراقيون عموما من الحرب ومن العملية السياسية التي استندت على “دستور ال2005”.
وقالت مصادر سياسية مطلعة، لوكالة شفق نيوز، ان “هناك رغبة دولية كبيرة بإجراء تغيير حقيقي في العملية السياسية في العراق من خلال تغيير الوجوه السياسية الحالية، وهذا الرغبة لها دعم كبير من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا”.
وهذا ينسجم مع ما ذهبت إليه شريحة كبيرة من العراقيين، عبرت من خلال حركة احتجاجية واسعة في العديد من مدن ومحافظات العراق في العام 2019، عن رغبتها باقتلاع الطبقة السياسية الحاكمة، اقتناعا منهم بأن السياسيين الذين هيمنوا على المشهد العراقي منذ ما بعد الغزو، لم يعملوا عن حق على معالجة مشكلات الناس، من تأمين الكهرباء والخدمات الاساسية وخلق فرص العمل، وصولا الى صيانة أمن البلد وعزته الذي تجسد في انهيار الأمن العراقي مثلا عندما اجتاح “داعش” البلاد، أو عندما تحولت المنطقة الخضراء المفترض انها رمز للأمان والاستقرار، الى ساحة اقتتال بين الفصائل المسلحة في صيف العام 2022 مع تأزم الصراع السياسي على نتائج الانتخابات وتشكيل الحكومة.
وتقول المصادر السياسية المطلعة إن العمل على الحركة الدولية لإجراء تغيير حقيقي في العملية السياسية عبر تغيير الوجوه السياسية الحالية، “يجري تفعيله بشكل واقعي ومستمر، إلا انه لا يوجد أي موعد لإطلاق هذا الحراك على الأرض حتى الساعة”.
وبحسب المصادر نفسها، فإن “الحراك الدولي من أجل التغيير في العراق، جاء على ضوء تقارير اممية ومنظمات دولية كشفت حجم الفساد والدمار والقتل في الداخل العراقي طيلة السنوات الماضية، دون وجود أي تغيير حقيقي من قبل الطبقة السياسية الحاكمة طيلة السنوات الماضية”.
والملفت من ذلك كما تقول المصادر المطلعة، انه “ليس هناك أي تفاؤل بحكومة محمد شياع السوداني، وان الدعم لها يأتي كإجراء بروتوكولي، خصوصاً أن المجتمع الدولي ينظر لها ان حكومة الفصائل المسلحة”.
ومعلوم ان حكومة السوداني وهو مرشح الإطار التنسيقي الشيعي، عندما تشكلت أثارت موجة من الترحيب والتفاؤل في خارج العراق، أقله على المستوى الرسمي المعلن، باعتبار أنها كانت تعكس نهاية الصراع المسلح والجمود السياسي الذي تبع الانتخابات البرلمانية في العام 2021، وهو ما يشير ايضا الى الإحباط المتزايد في داخل العراق وخارجه، من المسار العام للتطورات السياسية والامنية التي تعيشها البلاد خلال العقدين الماضيين، والتي كان يؤمل ان تقود الى قيام نظام يؤمن الحد الأدنى من الحقوق البديهية للمواطن العراقي.
ويقول السياسي العراقي سمير عبيد لوكالة شفق نيوز، إن “التغيير المرتقب في العراق تأخر كثيرا بسبب قوة تماسك منظومة الفساد، ونقص الوحدة المجتمعية ضد الفساد بسبب آفة الجهل التي كرستها الطبقة السياسية بتعمد خلال 20 سنة الماضية، فالتغيير قادم لأن الطبقة السياسية الحاكمة باتت معزولة عن 90٪ من الشعب العراقي، وباتت غير مرحب فيها في المنطقة من قبل الدول لأنها طبقة فاسدة وفاشلة وكاذبة، وباتت عبئاً على الأميركان وعلى سمعتهم داخل العراق والمنطقة”.
وقال: “لن يكون التغيير عبر الشارع العراقي، أو من خلال تدخل عسكري، بل سيكون من خلال فتح ملفات الفساد والفاسدين الذين انتهكوا حقوق الإنسان وشاركوا في إبادة عراقيين، وسيكون هناك إسناد من المجتمع الدولي والأممي بدعم مكافحة ملفات الفساد الكبرى التي سوف تفتح وبمساعدة وزارة الخزانة الأميركية والدول المجاورة للعراق”.
ورأى أن هذا “الحراك سوف ينطلق قريبا، وان عام 2023 هو عام تخلص العراق من الفاسدين ومن الطبقة السياسية الحاكمة وبنسبة 80٪ منهم”.
ولقد تناول العديد من الخبراء والباحثين، وحتى السياسيين الأمريكيين السابقين، معالم الفشل الأمريكي في التعامل مع فكرة “اليوم التالي” الذي يلي الانتصار في المعركة العسكرية، حيث تبين ان لم تعد نفسها تماما لمرحلة بناء الدولة الجديدة، واكتفت بالطريقة السهلة المتمثلة بتقوية نظام تقاسم الحصص والمغانم، لإرضاء القوى والأحزاب والشخصيات، وهو نظام ما يزال يتعزز دوره حتى الآن.
يكتب الباحث سجاد جياد في “مؤسسة سينشوري فاونديشين” الأمريكية مؤخرا انه “كان من المفترض ان يجعل تغيير النظام، العراق منارة للشرق الاوسط ، الا ان بناء الدولة، بالطريقة التي ادارتها الولايات المتحدة، كان بالتأكيد فاشلا”.
ولهذا، تقول المصادر السياسية المطلعة لوكالة شفق نيوز، ان “الطبقة السياسية في العراق تعرف جيدا حقيقة الحراك الدولي، وهي تجري اتصالات عدة غير معلنة مع أطراف خارجية صديقة لها من أجل منع هذا التحرك الدولي ومنحهم فرصة لمدة سنتين فقط، لكن هناك رفض لمنح هذه الفرصة، وكل هذه الاحداث تجري بشكل سري وغير معلن، حتى لا يكون لها تأثير على الوضع العراقي سواء الأمني او الاقتصادي”.
ويقول مراقبون انه من اللافت للنظر ان رئيس الوزراء السوداني، لم تتم دعوته لزيارة واشنطن حتى الآن، بعد مرور اكثر من 6 شهور على توليه رئاسة الحكومة الجديدة.
وبحسب المعلومات، تقول المصادر السياسية المطلعة ان “اقليم كوردستان سيكون بعيدا عن التحرك الدولي من أجل التغيير في العراق بشكل عام، لكن سيكون الدفع للقيام بإصلاحات عديدة مع احتواء الفساد، خصوصاً ان الدعم الدولي للإقليم مازال مستمراً على مختلف الأصعدة”.
وسبق للعديد من الخبراء والباحثين أن وصفوا النظام العراقي بانه تحول الى دولة كليبتوقراطية مختلة الآن، بعدما كانت محكومة من النظام الديكتاتوري السابق.
ويعتبر الخبراء ايضا انه برغم ان اللعبة الديمقراطية التي رسخها دستور 2005، ساهمت في إحداث عمليات التغيير السلمي نسبيا بدرجة كبيرة، الا انه لم تنجح في إفراز نخب سياسية جديدة مؤمنة بحتمية التغيير، وإنما بالانخراط في أشكال المحاصصة والتقاسم القائم، وهو بالضبط ما دفع مئات الالاف العراقيين للتظاهر قبل 3 سنوات.
وتسود قناعة لدى شريحة كبيرة من العراقيين ان النخب الحاكمة، ما تزال فعليا تعرقل الاصلاحات الحقيقية وتستخدم عوائد الدولة ونظام الفساد القائم، لتعزيز سلطتها ونفوذها من خلال الميليشيات المسلحة ووسائل الإعلام ومحاولة التأثير على القضاء والبرلمان.
قبل يومين مثلا، كتب الرئيس العراقي السابق برهم صالح مقالا في مجلة “فورين بوليسي” الامريكية داعيا الى ادخال اصلاحات جذرية في الدولة، مؤكدا ان النظام الذي أقيم بعد العام 2003، قد بلغ “منتهاه”، ومقترحا تعديل الدستور لإقامة نظام رئاسي أكثر قوة.
ومن الإشارات المعبرة في مقالة صالح ما قاله حول نظام ما بعد العام 2003، حيث اعتبر انه اقيم بدافع الخوف، حيث لكل مكون، من شيعة وكورد وسنة، هواجسهم الخاصة، وهو ما ساهم في صياغة دولة مقيدة وضعيفة هيكليا، وان هذا النظام بلغ منتهاه، وان العراق صار بحاجة الى عقد اجتماعي وسياسي جديد، وإلى ميثاق تاريخي بين الدولة والمجتمع، بما في ذلك من خلال تعديل دستور 2005 لتنظيم ال20 سنة المقبلة.
تعكس رؤية برهم صالح، كما اراء العديد من الباحثين والخبراء بالشأن العراقي، الفكرة المتزايدة انتشارا بان العراق صار بحاجة الى تغيير عميق وجذري. في تموز/يوليو 2022، فاجأ السياسي فائق الشيخ علي بمواقف نارية أثارت الكثير من الجدل والترقب، حيث قال ان العام 2024 سيكون الموعد الأقصى لإسقاط النظام الحالي في العراق عبر “فريق دولي” وصفه بأنه “قوة مدمرة” لم يحددها. لكنه ذكر بانه سبق له ان حذر من اسقاط نظام صدام حسين وانه الان يكرر تحذيراته حول النظام القائم حاليا.
وقال ان هذه “القوة” ستكون مدمرة ولن ترحم “السياسيين الفاسدين”، مضيفا ان النظام الجديد الذي سينشأ سيكون “قويا وشرسا” لكنه ليس ديكتاتوريا.
واشار ايضا الى ان المرجعية الدينية يجب الا تتدخل في العملية السياسية وان دورها سيعود الى سابق عهده، كما ان النظام الجديد لن يسمح لإيران ولا تركيا بالتدخل في العراق، وانه بالنسبة الى السيد مقتدى الصدر، فانه اما سيطاله ما سيطال السياسيين الآخرين، أو انه سيذهب للدراسة في مدينة قم.
وبحسب الشيخ علي، فإنه يتحتم على “التشرينيين الحقيقيين المضحين الاستعداد للمرحلة القادمة فسيكون لهم الدور بالدولة القادمة، والنظام المقبل قد لا يكون برلمانياً، بل سيكون مدنيا وليس عسكريا”. كما دعا الشيخ علي “اقليم كوردستان الى التكيف مع التغيير القادم”.
من جهته قال السياسي العراقي ليث شبر لوكالة شفق نيوز: “حتى هذه اللحظة ليست هناك أي بوادر لتحرك دولي في موضوع التغيير على الرغم من أن هذا النظام أثبت فشله في إدارة الدولة وعلى الرغم من أن الحكومة تسير بخطوات حثيثة لاستعادة الثقة فإن التحديات أمامها كبيرة لأنها لا تمثل الأغلبية كما أن هناك جمهورا كبيرا غير مقتنع بآدائها”.
وبين شبر: إننا نعتقد أن التغيير الحقيقي يبدأ بتوحيد القوى الوطنية الرافضة لمنهج المحاصصة في إنتاج آليات الحكم أما التغيير من الخارج فإنه إذا حدث وهو أمر مستبعد فلن يكون أفضل حالا من تغيير 2003″.