اسم الكاتب : رياض سعد
خضعت الاغلبية والامة العراقية للاحتلال العثماني الطائفي العنصري البغيض عدة قرون , وقد سار على نفس النهج المنكوس المحتل الانكليزي , وتبعه على ذلك مرتزقته وعملاءه ؛ من صنائعه ومن بقايا العثمنة , واستمرت سياسة التهميش والاقصاء والافقار والتغييب والاهمال بحق الاغلبية الاصيلة , وعمليات الفصل العنصري والمناطقي والطائفي في دوائر الدولة ومراكز القرار الحكومي , طوال 83 عام تقريبا – من عام 1920 والى 2003 – … ؛ وقد اسفرت هذه الحكومات الهجينة والطائفية وقراراتها الاجرامية واجهزتها القمعية , عن ابتعاد اغلبية الامة العراقية فضلا عن الاغلبية الاصيلة عن العمل السياسي , او الخوض في القضايا الوطنية المصيرية , والاهتمام بالشؤون الاخرى , واعتزال عالم الساسة والسياسة ؛ نعم قد يدفع العامل الديني احيانا ؛ ابناء الاغلبية للاهتمام بالأمور السياسية بمقدار ما يتعلق ذلك الامر بالحريات الدينية فقط … .
قد يعترض البعض علي قائلا : ان هنالك العديد من الشخصيات الدينية التي طالبت بحقوق الاغلبية السياسية … الخ ؛ والجواب على هذا الاعتراض : ان هذه المحاولات محدودة وجزئية وفي ازمنة مختلفة ومتباعدة , وكانت تمثل شواذ القاعدة , فالأغلبية لم تكن مبالية بما يحاك ضدها ؛ لاسيما بعد التجربة القاسية التي تعرضت لها بعد ثورة العشرين , وغدر رجالات الفئة الهجينة من بقايا العثمنة بها … ؛ ولم تكن تمتلك الرؤية الواضحة والمشروع الواقعي الذي يوازن بين الحقائق الواقعية والامكانيات الحقيقية والعقائد الدينية والتطلعات الجماهيرية والتغييرات الاجتماعية والثقافية , والفواعل والمؤثرات الاخرى … ؛ لذلك باءت بالفشل الذريع , ومن الواضح ان الثورات والاحتجاجات التي تندلع قبل اوانها المناسب , يلقى اصحابها حتفهم , ويصبحوا : أثرا بعد عين … ؛ فمن يطلب منازلة الاعداء ومقارعة الاقوياء من دون اعداد العدة والعدد ؛ كمن يسعى مسرعا الى الهاوية والهلاك .
وطالما حذر أئمة أهل البيت أتباعهم من الخروج على الحكام واعلان الثورة ؛ بسبب انعدام الشروط الموضوعية للنجاح ؛ مع وجود العراقيل وقوة العدو التي لا يستهان بها ؛ ولذا قيل : ان التقية انما شرعت لحفظ المؤمنين الضعفاء من بطش الكفار الاقوياء والظالمين الاشداء … ؛ وقد اوصى الائمة اتباعهم بالحذر والفطنة وعدم التسرع بتصديق الدعوات والشعارات , والتريث في الاقدام على الحكام او الامور الجسام .
وبعد سقوط نظام الارهاب والاجرام عام 2003 , تنفست الاغلبية الصعداء , واخذت بعض الحقوق المسلوبة , و واجهت الاغلبية الاصيلة تحديات كبرى وازمات خانقة , وذلك بسبب حداثة التجربة السياسية الجديدة والتحديات الخارجية المتمثلة بالضغوط الامريكية والبريطانية , والاطماع الدولية , والمؤامرات الإقليمية ؛ بالإضافة الى التحديات الداخلية ومنها : غياب الوعي السياسي للأغلبية , وتشرذم مكونات الامة العراقية , وانتشار المافيات الهجينة , والعصابات البعثية والصدامية , والمجاميع الارهابية والطائفية … الخ .
مما اضطر الاغلبية الاصيلة – وهذا حق من حقوقها المشروعة في ادارة الدولة – ؛ الى الاستعانة بالحكومة الاسلامية والاستفادة من الخبرة الايرانية , كما كانت تفعل الانظمة العراقية البائدة مع الدول العربية وغيرها , وذلك بعدما اعلنت اغلب الدول ولاسيما العربية منها ؛ العداء السافر للتجربة الديمقراطية والاغلبية العراقية ؛ بحجة الاحتلال الامريكي , علما ان البعض منهم شارك في حروب الامريكان ضد العراق , والبعض الاخر ارضه مليئة بالقواعد العسكرية الامريكية , والبعض الثالث مع الامريكان قلبا وقالبا , ومع كل هذه الحقائق يتبجح هؤلاء العملاء الاقزام ووسائل اعلامهم الاصفر ؛ بضرورة مقاومة الامريكان وطرد الاحتلال وافشال العملية السياسية , وقد اثبتت التجارب اللاحقة والوقائع والادلة الدامغة ؛ انما الهدف الحقيقي لهذه الانظمة المعادية واجهزة المخابرات المشبوهة ؛ دفع العراقيين للاصطدام بالأمريكان , وخلط الاوراق فيما بعد ؛ لإبادة الاغلبية واجهاض الديمقراطية وارجاع الدكتاتورية والاجهزة القمعية , وقد تناهى الى سمعي عام 2004 من بعض الاشخاص الذين كانوا يقامون الامريكان ؛ انهم يتلقون الدعم المادي من الكرد الانفصاليين في شمال العراق …!! .
وحدث المحذور , ووقع الفأس في الرأس , وبحجة المقاومة ؛ هجمت ضباع الارهاب و وحوش الطائفية , ومن مختلف البلدان والاصقاع على ابناء الامام علي والامام (ابو حنيفة ) واتباع الامام الحسين ؛ واوقعوا مئات الالاف من الضحايا , ودمروا البلاد , ونهبوا الثروات , وعطلوا مصالح الناس ومشاريع الحكومات , واحرقوا المساجد والحسينيات والدور والمحلات والمصانع والمعامل , وخربوا البنى التحتية حتى اعمدة الكهرباء لم تسلم من شرهم وارهابهم , وكان المفروض بهم كما يدعون الحاق الضرر بالأمريكان لا بالعراقيين الاصلاء , وطرد المحتل وليس اسقاط الحكومات المنتخبة , ولأجل ذر الرماد في العيون , وللضحك على الذقون , ولتحصيل الدعم المادي والمعونات الخارجية المشبوهة ؛ كانوا يقومون ببعض العمليات العسكرية ضد الامريكان وبالاتفاق مع الامريكان انفسهم ؛ والتي تستهدف المرتزقة من غير الامريكان الاصليين , او المترجمين او القوات العراقية التي تخرج معهم , وكان الذباحة الاوغاد والقتلة الانذال والمرتزقة الاخساء يقتلون الف عراقي اصيل مقابل جرح جندي امريكي واحد ؛ وذلك تنفيذا للمخطط الخبيث والمسرحية المكشوفة التي انطلت على بعض الحمقى والمغفلين والسذج .
ولم تتوقف هذه العمليات الارهابية والمفخخات الانتحارية والمخططات التدميرية والمعارك العسكرية والغزوات والصولات التكفيرية , والضغوط الامريكية والبريطانية والدولية والاقليمية والعربية ؛ الا بعد التعهد باشراك ايتام النظام البائد وشراذم الطائفية والبعثية في العملية السياسية او لا اقل في الوظائف الحكومية ؛ بالإضافة الى دفع رواتب مجزية لأكثر من 550 الف عنصر صدامي وبعثي وطائفي قذر .
وكان ساسة الاغلبية في وضع لا يحسدون عليه , فقد وضعوا بين خيارين احلاهما مر , وقيل قديما : (درء المفاسد أولى من جلب المصالح ) فالحفاظ على ارواح ابناء الاغلبية والامة العراقية أهم و أولى من اعطاء بعض العضام والفضلات لكلاب الطائفية والبعثية ؛ وقد شكل هؤلاء الخونة فيما بعد ؛ حجر عثرة امام كل نشاط حكومي ايجابي , وساهموا بالفساد وشجعوا عليه , وهم الان بيننا اشبه بحصان طروادة ؛ ومما لاشك فيه ان هذا الكلام لا يشمل احرار وشرفاء الطائفة السنية الكريمة لا من قريب ولا من بعيد .
وبعد كل هذه التجارب المريرة والتحديات الخارجية والاخطار الداخلية المحدقة بالأغلبية والعملية السياسية ؛ يصر البعض على التطرف والتزمت والاستبداد بالرأي والتفرد ؛ وعدم مشاورة اخوته من ابناء الاغلبية ومشاركتهم في اتخاذ القرارات , اذ لا زال البعض يعتقد بأن الحق يدور معه حيثما دار , ولا يوجد في الديار غيره من ديار .
عزيزي المحترم لك الحق بمقاومة الامريكان ومقارعة شياطين الارض والمريخ والسماء , واستهداف الطائرة الشبح بالكلاشنكوف , وان سقطت شهيدا لا نقول فيك الا كما قال الامام جعفر الصادق عندما بلغه خبر استشهاد زيد بن الامام علي : ( رحم الله عمي زيدا لو ظفر لوفى … ) وقد يدفعنا الهوى الجنوبي والغيرة العلوية للالتحاق بك وان كنا غير مقتنعين بجدوى عملك .
لكن هذا لا يعني انك تصادر تاريخ المجاهدين والمقاومين من ابناء جلدتك , وتتدعي بأنك الممثل الاوحد للمقاومة , لمجرد انك نفذت هذه العملية او تلك لوحدك , وتسلط وسائل اعلامك ضد اخوتك من الذين يختلفون معك بالرأي او التوقيت , وليكن في علمك عزيزي المحترم ؛ ان مقاومة السياسة وجهاد المفاوضات قد يكون اكثر نفعا للأغلبية ونصرة للحق , في بعض الاحيان … ؛ بالإضافة الى ان مطالبة البعض بحقوق المقاومة الحصرية وعدم اشراك المجاهدين والمقاومين الاخرين بها , وحصر الامر بهم لا غير , قد يؤدي الى نتائج وخيمة لا تصب في مصلحة الاغلبية بل والتشيع الاسلامي قاطبة , اذ قد تكشف ظهر حركات المقاومة للأعداء , وتشخص المقاومين مما يسهل اغتيالهم من قبل الاعداء , اما اذا التزم الجميع بشعار المقاومة , فأنه عندها يصعب على الامريكان تشخيص الجهة المنفذة لهذه العملية او تلك .
لنفرض انك لم تلتزم بقرار الاغلبية , ولم تشاور النخب الدينية والسياسية الوطنية , وقمت بتنفيذ بعض العمليات العسكرية ضد الامريكان , وعرضت الحكومة العراقية المنتخبة للحرج والضغوط الاستكبارية , والتي قد تؤثر على معيشة وحياة واستقرار الاغلبية والامة العراقية , بل وقد تعرض العملية السياسية للخطر … , وانت تعلم علم اليقين ان اخاك لم ولن يخذلك او يتبرئ منك , الا انه للظروف احكامها , وللسياسة رأيها , مما يضطره لمجاراة الامور والتماهي مع الاعداء , تقديرا منه للتحديات والامكانيات , ولكل منا رأيه واجتهاده , والاجتهاد مثار الاختلاف كما يقولون .
وبناءً على ما تقدم ؛ لا يصح منك عزيزي المحترم , تسفيه الاخرين والاستهزاء بأخوتك المقاومين والمجاهدين … , وبما انهم تركوك تعمل ؛ فلماذا لا تدعهم يعملون … ؟!
قاوم انت بسلاحك وهم يقامون بالكلمة والسياسة والمفاوضات والتخطيط والحنكة , وكن لأخيك الاخر , كما كان الحسن للحسين , احدهما فاوض وتنازل والاخر جاهد واستشهد , ولنكن مصداقا للمقولة الشهيرة : ( تعدد ادوار و وحدة هدف ) .
فليس من المعقول ان تترك عدوك الامريكي وتتفرغ لأخوتك , وتتربص بالعملية السياسية والحكومة المنتخبة وتعمل على تشويه سمعة البعض ؛ لا لشيء لمجرد الاختلاف في الرأي ؛ ولا تنسى قول الامام جعفر الصادق : (( إن الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم، يصعد منه مرقاة بعد مرقاة، فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد لست على شئ حتى ينتهي إلى العاشر، فلا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك، وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق، ولا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره، فإن من كسر مؤمنا فعليه جبره ))