اسم الكاتب : مازن صاحب
تتسارع الأحداث حولنا وتتضارب المصالح من دون وضوح استراتيجي لدعم دولة عراق واحد وطن الجميع.. فيما تتناثر مراكز التفكير العراقية سواء في مقراتها الجامعية او ضمن قائمة المنظمات غير الحكومية.. ونشهد كل عام مؤتمرات كبرى تطرح الكثير من الاراء بلا جدوى.. حتى تلك التي لها ارتباط مباشر بقيادات الأحزاب المتصدية لسلطان الحكم حاولت وربما تكرر المحاولة لتوضيح الحاجة إلى (دولة فاعلة) او إعادة قراءة المشهد الإقليمي والدولي وأنواع تاثيراته على الواقع العراقي لاسيما الاقتصادي والأمني والوطن يواجه شرور تصفيات مصالح اقليمية ودولية تدير حروبها بالوكالة على أرضه!!
ولعل من اوائل مظاهر الاعتزاز بالاستقلال الوطني.. يتمثل في تمويل الدولة لهكذا نشاطات.. تكفيها ساعة واحدة من تصدير النفط فحسب!!
السؤال: كيف يمكن للاباء المؤسسين للعراق الجديد وكبار عوائل أحزاب اليوم.. سماع صوت الحقيقة الموضوعية بكلمات عراقية بلا مؤثرات اقليمية ودولية؟؟
تنحصر الإجابة على هذا السؤال في الاتي :
اولا: إيجاد المثقف النخبوي ذلك الفاصل بين منهجية التحليل وبين الولاء الفكري.. ليس هناك من يقول انه غير منتمي فكريا.. لكن القدرة على قراءة الأحداث بعين خبير متفحص تتطلب الدوران ٣٦٠ درجة حولها بلا استهلالات فكرية مسبقة.. بل منهج معرفي في البحث والتقصي.. عندها تظهر الكثير من الحقائق التي ربما تعدل قناعات المتصدي في بيوت الخبرة اولا.. وإيجاد وسائل لإيصال هكذا قراءات إلى اهل الحل والعقد.
ثانيا: بداية اي حوار ليس استحضار الماضي وتحويله إلى سيناريوهات مستقبلية.. بل استشراف المستقبل وبلورة قرارات مصيرية في الحاضر من أجل المستقبل.. وهذا يتطلب اولا ردم الفجوة بين التفسيرات للشريعة الإسلامية وبين النظام الدولي لسيادة الدول بإنتاج معرفي متجدد يحاكي منهج السيد النائيني في التعامل مع ثورة المشروطية ١٩٠٦ في إيران او منهج الشيخ محمد عبدة في الإصلاح.
ثالثا: تفشل مؤتمرات مراكز التفكير العراقية في توظيف استضافة هذا المسؤول او ذاك.. المطلوب ان يتوحد التفكير الناقد للسياسات العامة الحكومية مع تفكير قيادات السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في تصحيح مسارات هذه السياسات.. ابسط مثال كم ندوة عقدت للإصلاح الاقتصادي وطرحت حلولا لمعضلة تعظيم قيمة الدينار مقابل الدولار.. وكم منها طرح اليات تحجيم الاستيراد والعودة إلى اعتماد الصناعة والإنتاج الزراعي.. حتى وصلنا إلى حافات غير محمودة في الاتكال على تحويل الحكومة إلى مجرد محطة بنزين تبيع النفط وبريعه توزع رواتب على شريحة مجتمعية اغلبها بلا إنتاجية تنموية وفق ابسط قواعد الجودة الشاملة!!
هذا التوحد في التفكير يتطلب ان لا توضع الاطاريح الجامعية على رفوف المكتبات العالية وفي ذات الوقت تعديل منهجية البحث العلمي للاستجابة إلى هذا التوحد في توليد مصفوفات حلول تصنع القرار وترسم سيناريوهات متعددة امام متخذ القرار الرسمي.. عندها يمكن مراجعة وقائع بيوت التفكير العراقية وفرز من هم مع وحدة القرار العراقي في وطن واحد لجميع العراقيين ام لا؟؟
رابعا: البداية الحقيقية لكل ما تقدم في إيجاد بند في موازنة السياسات العامة لكل الجهاز الحكومي في توليد اليات قياس الكفاءة الإنتاجية وفق معايير الجودة الشاملة والحكم الرشيد للتنمية المستدامة.. عندها ستظهر الكفاءات النخبوية العراقية لتوليد مصفوفة الحلول الكفيلة بتعظيم معايير الجودة للجهاز الحكومي.
خامسا: من نافلة القول هناك أكثر من ٢٥ استراتيجية وطنية عراقية كتبت بمساعدة منظمات دولية.. وعشرات المعاهدات والاتفاقيات.
اليس الأجدر اليوم تكليف بيوت الخبرة العراقية لتحديد فجوات التطبيق واليات توظيف تلك الاتفاقات من أجل تنمية مستدامة حقيقية لعراق الغد؟؟
سادسا: ما بين هذا وذاك لابد من كلمة واضحة ان هكذا معايير تتطلب ان تنهض الهيئات المستقلة والوزارات بتمويل هذه النشاطات من دون انتظار منح دولية من اي جهة كانت.. الموازنة العراقية لابد وان تتكفل بذلك.. فاهل مكة ادري بشعابها.. وما يمكن أن يخصص لتمويل كل ذلك لن يتعد تصدير نفط لساعة واحدة.. ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!!