j2l99094

اسم الكاتب : علي عنبر السعدي

مايجري من تحولات اجتماعية /ثقافية في مصر ،يبدو ملفتاً وشديد الغرابة ، في بلد طالما عُرف بتوجهاته القومية وثقافة الانفتاح البعيدة عن التعصب والانغلاق – خاصة بثوبها المذهبي – .
نظرة عامة الى النشاط الوهابي /السلفي في مصر ،يظهر ان دعاة السلفية هناك ، هم من الأكثر تعصباً وغلّواً ،درجة فاقوا فيها دعاة الوهابية في السعودية ذاتها ،التي كانت حتى الأمس القريب ،المركز الرئيس لتلك الدعوة .
لقد أدرك عتاة الوهابية بعد ان بدأ محمد بن سلمان ،باستلام تدريجي للسلطة في السعودية ، ومن ثم الشروع بحركات اصلاحية ،ستحدّ من الحركة الوهابية ،أو تخالف سلوكها المتشدد ، وان الصدام معه سيكون احتمالاً مطروحاً بقوة ، ولما كان الفقه الوهابي يلزم الطاعة المطلقة للحاكم ، ولايترك مجالاً للاعتراض ، لذا سيجدون أنفسهم أمام خيارين : تغيير العقيدة بما يتماشى مع “اصلاحات ” الحاكم ،أو البحث عن ساحة أخرى للتمركز ،خاصة بعد نجاحهم في تحجيم خصومهم التاريخيين – الإخوان المسلمين- .
السباق على مصر ، بدء بقوة منذ سقوط مبارك ، ولم يكن خافياً طموح الشيعة في ايجاد قواعد اجتماعية مهمة في ذلك البلد ،تمهيداً لنوع من استنهاض موروث فاطمي (شيعي)مازال له حضوره ،وقد عزز ذلك الاعتقاد ،استلام الاخوان المسلمين للسلطة في مصر ،وخطوات التقارب المتبادلة مع ايران ،المتمثلة بزيارات رئاسية متبادلة ، والسماح لأفواج السياح الايرانيين بدخول مصر .
ابتعاد مصر عن الوهابية ،كان قد لخصة المفكر الاسلامي المصري محمد عمارة بالقول ” ظل صوته بعيداً عن تلك البيئة الصحراوية التي نشأ في كنفها محمد بن عبد الوهاب” .
لكن دفاع مصر عن اسلامها ، انهار بعد الأزمات السياسية والاقتصادية التي لحقت بها ، خاصة بعد ازاحة “الاخوان ” عن الواجهة ،وبروز السلفية / الوهابية ، وقد اكتسحت المؤسسة الازهرية ، التي طالما كانت موضع اعتدال وتوازن بين المذاهب المختلفة .
مجاميع من دعاة الوهابية / السفلية ،ظهروا وبقوة في الساحة المصرية ،وقد ركزوا في كل محاضراتهم ومحاوراتهم ومناظراتهم ،على هدف رئيس “مهاجمة الشيعة بشراسة “وساتخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة ،حتى تلك التي تعارض السلوك البشري السوي ،بما فيها الشتائم المقذعة وسوق الأكاذيب والادعاء والافتراء والحركات التمثيلية البهلوانية ومحاولات الطعن بالمحاور بشكل شخصي .
التقارير الاعلامية وحديث بعض شيوخ الأزهر ،عن انتشار التشيع في مصر، وتحذير بعضهم من ذلك ، أصاب السلفية / الوهابية بالهلع ،وجعلهم يكثفون من هجماتهم ضد (الأعداء) ،فظهرت وجوه تخصصت ب(مناظرة الشيعة) ودعاة من نوع (الدافع) وما يلاحظ على مجموع هؤلاء ،انهم جميعاً يسلكون ذات الأساليب ويرددون كلاماً ، يبدو من خلاله انهم يتلقون تعليمات ملزمة من هيئات أعلى ،ملزمون بترديده ،دون أن يمتلك حرية ولو نسبية في قناعات شخصية ،ينتجها تفكير حرّ .
مصر أمام مفترق طرق ، لكن رغم كل مايحيط بها وما تعانيه من مشكلات ،فإنها ليست قابلة ليصبح مجتمعها سلفياً وهابياً ،لما تمتلكه من موروث ثقافي عريق ، يمكنه ان يشكل سياجاً من الانغلاق والتعصب .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *