اسم الكاتب : علي ثويني
ربما يكون وقع أسم الزيتوني مبهما على من لمن يعش عراقيا،ولم يتحمل وزر ترهات البعث ونزق صدام ويبتذل نوعه الإنساني إبان حقبة كالحة لا أعادها الله حتى على الأعداء.والزيتوني يعني لون البزة العسكرية التي أرادها عفلق زيا موحدا للعراقيين والعراقيات (الماجدات) ،حتى سئمته النفس وعفه الخاطر،ولم يعد يوحي لنا أهل الفراتين إلا بقسر طلائع البعث والجيش الشعبي وجيش القدس..الخ من جيوش وما أكثرها.. سقطت كلها متهاوية مثل الدمى، في أقل من ثلاثة أسابيع أمام جحافل الغازي الأمريكي.
أما العمائم فأول مايتبادر في ذاكرتي تلك العمامة (ويسموها أحيانا عصّابه) التي تمتد حتى تفوق مسقط الأكتاف،والتي أعتمرتها خالتي (زرية) رحمها الله، لثلاثة عقود وهي تقطن بغداد. وحينما كنا نسألها بتهكم إبليسي مبطن،عن سبب عدم إبدال العمامة بـ(الشيله) و(الجرغد) أو حتى (السفور)،كانت تجيبنا بإعتداد: كيف يرضى شرفكم أن أنزع شرفي. وهكذا أمست عمامة خالتي تمثل لها شرفها،وإنتزاعها معيبة لاتغتفر. و كنت في غربتي الطويلة حينما توفاها الله في أواسط الثمانينات، ولم أعلم كم (دشداشة) فصلوا من عمامتها لإكساء أطفال حيهم “الشرقاوي” (الثورة). وفي السياق نفسه أتذكر بان (الملاعين) كتاب دائرة الجنسية العراقية،قد نسو نقطة من تحت الياء الأخيرة ،عند تدوينهم أسمها . فعقدوا وظلمّوا على أمة الله حياتها و تحول أسمها إلى أدنى درجات الازدراء. وعلى فكره فأن أسم (زرية) فارسي من(زري) ويعني(ذهبية)،ويتداوله أهل الجنوب دون حساسية،أقولها مفسرا ومنبها كي لا يتهمني (العثمانيون والحصريون الجدد) زورا بأني فارسي (صفوي) أو ربما (مجوسي-شعوبي)،أومن جماعة (خميني).
وفي سياقات العمائم أتذكر في حينا الكاظمي المنسي،كيف كانوا يختلفوا معتمري العمائم عن (الكيشوانية) و(القيمون) الذين يرتدون (الكشيدة)،وهي طربوش تركي تحيطه عمامة خضراء.وأكثر العمائم التي بقيت عالقة بذهني من هؤلاء هي عمامة المرحوم السيد(إسماعيل الصدر) الإمام الأهم في الصحن الكاظمي. أتذكره وهو يخطب في عزاء حسيني،وكنت حينها طفلا بمعية أبي في أواسط الستينات ،عندما تحمس وصعدت حمى الغيرة والحمية لديه ،فصاح من أعماقة متسائلا الحضور: من أسقط عبدالكريم قاسم أيها السادة؟ ،فنزع عمامته المهولة بمقياس طفل مثلي، ورفعها عاليا مجيبا: هذه العمائم التي أسقط عبدالكريم قاسم. لم أفهمها في حينها لكني فهمتها اليوم،أنها كانت أمارة غزل وملق دجلي لعبدالسلام عارف وسلطته الماقته للشيعة رسميا وأسميا. لقد رسّخ في ذهني أن ثمة (لمة) من العمائم وبرزاني وشركات النفط وعبدالناصر وأمراء الكويت والريسزجية وسفاحي (الصابونجية والكلجية)(صدام مثالا)، و(الباشوات) والبيكوات والشيوخ الإقطاع ، هم من مهد الطريق للبعثيين إلى سدة الحكم وبارك لهم مكوثا أربعينيا على رقابنا (نحن أولاد الخايبه)،واسقط سلطة (إبن كيفية) العراقية .
وفي ذكر “العمامة” شجون إصطلاحية فمن لبس العمامة أعتمرها، فهي (عمارة) ،والتي كنيت بها إحدى مدن (المثلث الشرقاوي) المسخوط عليه تركيا وإيرانيا وعروبيا وبعثيا . ويرجح أن التسمية وردت منذ عام 1861 حينما أسس (عبدالقادر الكولمندي) التركي لوردي(معكسر) بعد تعيينه قائم مقاما فيها و أنشأ محلة (القادرية) و أرخ ذلك الشاعر البغدادي عبدالغفار الأخرس في شعره.
والعمارة بقيت غنيمة أفاقين،يطأها المبعدون من سلطة المركز ، ولم يعرها أحد من هؤلاء الساخطين،أو يعرها اعتبار حتى حينما ولجتها حتى الحملات التبشيرية الأنكلكانية الأمريكية في نهايات القرن التاسع عشر بغفلة من سدنتها(الشيعة) وماكلين(خمس) أهلها. فبنوا هؤلاء الأغراب أول مستشفى لأهلها ، وفي السياق عينه بنى يهودنا الكرام مدرسة الإليانس(الإتحاد) كأول مدرسة تنشأ في المدينة عام 1909.وفي كل تلك القصص العجيبة لم نسمع بـ(أصحاب العمائم) من سادة وآخونية من النجف أوكربلاء أو الكاظمية، أو قم أن أنشئوا فيها معلما واحدا ولا(طركاعة لو حريشي) لخدمة أهلها، لأسباب لم يستوعبها الوجدان أو تمضغها الروح، بعد أن أكلوا هؤلاء(العتاوي) سحت الخمس والزكاة من أهلنا المساكين، مأمليهم بجنة وأنهار العسل والحليب في الآخرة، وتاركيهم يتضوروا جوعا ويئنوا تخلفا في الدنيا.وهكذا ارتعت عمائمهم المبجلة بالعافية والترف المخملي.
واليوم نسمع أن بعض (أهل العمائم) أنفسهم ممن أجاع أهلنا وأبتزه البارحة وأوصل البعثيين،من يروج لفدرالية الجنوب ،ويتأسى على حرمانهم من الكرامة وأسباب العيش ،بما يوحي أنهم “كما ديدنهم” يبكون على الهريسة وليس على الحسين(ع). والمصيبة في أن هؤلاء البهلوانيين، مستعدين أن يبيعوها لأي كان،فأول من أمس للإنكشارية والأتراك و المبشرين ، وبالأمس للبعثييين واليوم للإيرانيين بعدما أمدوهم بالمال والسلاح،وأسسوا لهم دعاة ومليشيات، وهكذا فأن أهلنا (الشراقوه) عانوا يوما من الزيتوني والجيش الشعبي واليوم من عمائم (صناعة الجمهورية الإسلامية).
لقد سمعناها بملئ فاه أهل البصرة والناصرية بأن ايام الزيتوني (المزبن) أنقضت وبقيت (تكضن يأيام) العمائم،فقد يشعر حتى الغافل سطوة المليشيات المرتبطة بإيران في تلك المدن،وهم يمارسوا عنجهية بعثية مقيته، وكأننا أبدلنا الرمضاء بالنار، ونصيبنا أن نمكث مقيدي العيش ومحسوري اليد ومحدودي الفكر والأفق والتصرف،وكأن شئ لم يكن وعادت (حليمه) الى مصايبها القديمة.
وأورد لكم هنا رأي مستغيث وردني من الأخ ماجد الشنون مسمي نفسه (من الضائعين من ابناء العراق) في رسالة أسردها (دون مبضع رقيب) قائلا فيها: ) الأخ الطيب أناصر رأيك عن النفس الإيراني القذر في جنوب العراق لاني احترق كل لحظة وانا ارى الوطن يجزء ويقسم ويباع ويسرق كانه ارث الغير او املاك صبحه,ان اختلاط الاوراق يزيدنا ذهولا بين وكلاء ايران والباكين عن الرخاء الذي كان لهم والسفله المتخلفن و المنخوبين والتكارته الجدد من همج الشمال هل هذا جزاء وامل الذي ضاع. اني ابكي من قلبي لان الوطن يزنى فيه). كل ذلك يدعوني مخلصا أن أطلق صرخة ملئ فائي ورئتي و قدر حنجرتي معترضا على قضم إيراني ممنهج لأغني وأرقى مناطق وطني،مستغلين جذوة السأم من العروبيين والبعث وهيمنة أهل شمال (خط البرغل) والغربية ،ومتسللين في حلكة الأوضاع الفوضوية التي تكتنف البلاد،والأهم مستغلين ضعاف النفوس ممن يبيع بالقطاعي أو التجزئة من عراقيينا .
ربما يصنفني بعض الأخوة الكرام بأني (دخيل) على الشرقاوه، كوني متبغدد وأعيش في أوربا،وحصلت على نصيبي من التعليم، الذي لم يكن للبعثيين ولا أصحاب شمال (خط البرغل) رغبة فيه. كل ذلك يوحي لي بأننا أعدنا سيرة البعث حينما صنفنا (نحن أهل الضد)لا عراقيين وبأننا (نعتاش على فتات الأجنبي) وصادر منا عراقيتنا. وإذ أنبه الجميع بأن مصادرة العراقية والإنتماء لوجدان العراق حضارة وثقافة وعقلية،هي من أخطر ما يردده ببغاواتنا،فالعراق لأهله جميعا،دون فرز أو تحجيم لدور أحد، إلا لمن تسلل في ليل تخلفنا وتصيد في عكر مائنا وأستغلنا وأبتزنا بأسم الوطنية والقومية والدين،ثم باعنا للأجنبي برخص. مصلحتنا يجب أن تكون فوق أي مصلحة،ولا تطلع لما وراء الحدود ،ولاذيلية وتبعية لأحد في موسكو أو دمشق أو الرياض أو طهران. (فمرقتنا على زياكنا)،ونحن من يعرف ماذا يريد الوطن ويحدد مصلحته،وليس الآخرين الذين يستغلوا سجية السذج وروح الدعة والمسالمة الموروثة فينا من أيام التصنيفات التركية والعروبية.
إن الدعوة للفدرالية (الشرقاويه)، لم تأخذ نصابها لا النفسي ولا العقلي، حيث لم أطلع على رأيا صريحا محدد المعالم ممن رد على رأيي ،وإذ أتسائل هل مطلبكم الإستقلال عن العراق وتأسيس دولة (الشرقاوه) أم المكوث جزء منه، راض على مضض تلك التبعية له(مثلما القوميين الأكراد)، أو ربما حيلة وإبليسية يراد منها ممارسة ضغوط من أجل الحصول على الحد الأعلى من الإمتيازات من السلطة المركزية (محاكاة مع ما فعله القوميين الأكراد)، أو أمر آخر،كل ذلك تتضارب فيه الأقاويل،بحيث لم نجد رأي صريح شاف نناقشه.ومن الجدير بالذكر أن ثمة دعم خفي وعلني من القيادات القومية الكردية لفدرالية الجنوب،على مبدأ(يالله عالواهس)،وقد عين طلباني شخص بعثي سابق من الجنوب كمستشار له لشؤون “الفدراليات”،وخصص برزاني مبلغ من المال دعما لمشروع فدرالية(الشراقوه)، بما يوحي بأن ثمة محبة وغزل جديد لم نعهده من قبل حينما كانوا هؤلاء منبوذين، ولاسيما حينما عربوا (كركوك).
قرأت تعليقات وردود تقارن العراق مع بريطانيا وإسبانيا وألمانيا الفدرالية،وكلها بلدان مستقرة،ولها رصيد ومستوى حضاري مسترسل،وكلها وصلت إلى الواقعية بعدما أوصلها التهور القومي والتضليل الإنفصالي الى الهاوية(مثلنا). لكن شتان بين تلك المجتمعات وبين العراق الذي يقبع 55% من أهله في الأمية ،و 35% يرزحون في الأمية الثقافية،ولا جدوى للمقارنة.ولناخذ مثال الجيك والسلوفاك الذين ندموا على طلاقهم ، بالرغم من أن هذه الدول وتلك، كانت بالأساس جمهوريات أوممالك أو دوقيات أو دول أو إقطاعيات منفصلة،على عكس العراق الذي كان موحدا دائما ومنذ 4375 عام،والتي تعتبر أقدم وحدة وطنية وترابية في تاريخ الأمم والبلدان.
و أذهلني أحدهم حينما تسائل: مادخلنا بالسومريين والأكديين والبابليين، وما الفائدة منهم ،وتجرد من ثراء الأصول الذي يتمناه الجميع في العالم،ودليلي بالأنكليز الذين يفخرون بالصخور المعلقه( hang stone) بالرغم من عدم معرفتهم بتاريخها وبانيها. و لا لوم عليه فقد قبع الرجل في عزلة ومكث في حفرة أرادها البعث له،بحيث لايتطلع الى ما على سطح الأرض،لذا وصل إلى قناعة أن وجود تلك الآثار لديه،هي محض(زايد خير)، المهم هو وغيره يريدون النفط الذي سوف يجعلهم يركبون سيارات فارهة مثل الكويتيين والإماراتيين . وإذ أتسائل (ولست زاهدا) هل نفعت عدي سياراته التي أبتزها من الجميع،ثم أحرقها بيده. وأذكر بأن الخليجيين أعطاهم الله نفطا وسيارات أمريكية،لكن لم يعطهم سومرا وأكدا ،فطفقوا يبحثون في الرمال عن أثر لذلك دون طائل أو أمل.
والأمر الآخر الذي يسوقه لي أحد الأخوة الكرام مفصلا لي حدود العراق بالتحديد، مستندا مرجعيا ودستوريا الى أحجية (سايكس بيكو)،ومذكرا لي (انا العبد الساذج) بأن العراق يبدأ بكركوك بإتجاه الجنوب،وأن الموصل ألحقت عنوة بعدما أنسحب الروس وهي ليست عراقية،وأن جبال شهرزور كانت حصة الروس..الخ من الخزعبلات. و بحسب رأيه أنه لم يكن ثمة بلد أسمه (عراق) قبل السير سايكس ولا مسيو بيكو أصلا،وأن (ميزوبوتاميا) هي محض كذبة غربية ،ولا وجود لأور وبابل حتى لو وردتا في (العهد القديم)،والحفريات محض إفتراء. وأن العراق الحالي هو نتاج صدفة تاريخية وتخريجه إقتسامية وتوليفة لقوى خارجية تقسّم الحدود على هواها.
أما بصدد روسيا فهي كانت طامعة في الموصل والشمال العراقي عموما،وأرادت ربطه مع شمال فارس ،وربما جنوبه،لتلحقها بممتلكاتها الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاس، لذا فقد أخترقت القوات الروسية الحدود العثمانية للعراق وعاثت بقراه الشمالية فسادا،وأغتصبت نسائه في القرى والقصبات،حتى أطلق العراقيون على الإنسان الأهوج المجرد من الأخلاق أسم (موسكوفي)، والتي أنقرضت في أمثالنا وأعرافنا اليوم،بما يدلل أن لا وجود لحصة وخطة روسية في شهرزور والجبال العراقية تحديدا.
وهنا أستنتج وأقول: مسكين ياعراق حينما كان قدره من أهله هكذا،فلماذا نعتب على الغازي الأجنبي.لقد عانى هذا البلد من إدغام الأتراك ومحاولة مسح تاريخه الذي توجه العروبيون حينما جعلوه قطرا تابعا لدولة خيالية تمتد حتى موريتانيا والصومال .وأذكر حينما كان عتاة القوميين الأكراد يرفضون فكرة وجود بلد أسمه(العراق) من الأساس،أصدقهم وأتخيل مدى (إخلاصهم) له، لكني لم أصدق حتى اليوم نزعة بعض المغفلين من أهله (ممن يدعوا العلم) و يروجوا لـ (فدرالية الشراقوه) .وأتسع شوط سذاجتهم بما جعلهم يصدقوا ويستندوا على الحدود الإدارية للألوية أو المحافظات التي رسمتها السلطات وبدلتها بحسب الأهواء والمآرب والأشخاص ،وأعتبروها حقيقة واقعة لدولتهم الهلامية.
هل تعلمون ياكرام بأن عربستان والجزيرة الفراتية (جنوب تركيا وشرق سوريا) هي جزء مكمل للعراق الجغرافي في كل الحقب التاريخية والمدونات ،وإذ نتحاشى هنا أن نطرح أحجية (الأصل والفرع) الصدامية،كي لانثير المواجع،لكن ذكر تلك الحقائق واجب. فوجود حران (أورفه التركية اليوم) وجنديسابور(بيت العابات الآرامي) في إيران خارج حدوده لايعني أنها لم تكن يوما المنفذين الأساسيين أو قل (جام خانه) لتصدير النتاج الفكري العراقي بإتجاهي الشرق والغرب. وما أسم (جزيرة بوتان) الواقعة شمال الموصل إلا مكوث من إصطلاح (ميزو- بوتاميا) اليوناني، فـ(بوتام) التي أمست (بوتان) تعني النهر ،بما يعني بلد النهر الذي لم يكنى بها إلا العراق(بيث نهرايا الأرامي) أي بلد النهر .وفي تلك الشجون نذكر بأن أسم أوربا إلا محرف من(غروبا) الآشوري أي الغروب، الذي أطلقوه على آسيا الصغرى واليونان كنية عراقية لقارة وحضارة.
وهكذا فان العراق الجغرافي كان أوسع من سايكس بيكو الإنكماشي يا مروجي (الفدرالية)، و الموصل عراقية منذ الأزل، ومن لم يصدق ذلك فليسأل الحجر والنهر ويبحث في كل الكتب من هيرودوس حتى أبو الثناء الألوسي وأنستاس الكرملي،وأسمها أكدي حرفه العرب وكان أصله (موس-أيل) في سلسلة الأسماء التي يضاف لها أسم إيل الأكدي (الله العربي) مثل (باب-أيل) أي بابل. كل ذلك نقوله معتزين بالرغم مما فعله الساسة المصلاوه الحاكمين في بغداد مثل (أرشد العمري) حينما (فرهد) العراق،أو تذكرا لما تركه الضباط المصلاوه من ندب الكراهيه في قلوب الجنود الشراقوه (أولاد الخايبه) إبان تسلطهم الأهوج على رقابهم. كل ذلك لايدحض بأن تلك الأصقاع عراقية بحته،ولا دخل لسايكس أو بيكو فيها . وإذ اهيب بالأخوة مراجعة مقال الدكتور رشيد الخيون عن مفهوم وأسم وحدود العراق بالتاريخ الإسلامي،بما ورثه من نصاب سرمدي ذكرت في هذه العجالة نتف منه.
لم تكن مسألة الفدرالية للجنوب قد أطلقت إلا أن بدأ الإرهاب يضرب رقاب الناس من الوريد الى الوريد ويشيع الدمار،وطفق عزرائيل البعثي يهدد أرواحهم،ولم نسمع بهذه النغمة قبل سقوط البعث ولا بعيده،بما يدلل أنها نزعة تطفح من غرائز مفعمة بالأنانية ، وشعور غبي بكيل التهم للسنة وأصحاب مثلث القتل والدمار بعد أن شرعوا هؤلاء بلعبة قذرة لم تنجلي معالمها للعيان ،ولكن أفعالها تدلل بأنها محركة من سوريا والأعراب في مصر والسعودية لتفتيت العراق الذي يتحذرون من نهوضه الذي سوف يضرهم بالصميم،ويسحب البساط من تحت تبجحهم بالرقي. والنزعة الغريزية هذه تذكرتني بتجربة بافلوف العالم النفسي الروسي على الغرائز حينما جلب مجموعة فئران ووضعها على صفيح وطفق يسخنه.وبعدما أستشعرت الفئران ألم الحرارة القادم من الصفيح، طفقت تنهش الواحد بلحم الأخرى ضنا منها أنها ترد من أقرانها وليس من الصفيح.وهذا ما يحدث لمن يتبع غرائزه وينأى عن سطوة العقل.فقد أستشعر دعاة(الفدرالية) أن القتل الذي يأتيتهم من المثلث الأغبر،جعلهم يشككون في وجود بلد أسمه العراق،وأمة عراقية لم تضمحل جذوتها إلا خلال قرون الهبوط الحضاري الأخيرة،بالرغم من أننا لمسناها حتى لدى أهلنا البسطاء الأميين،حينما ماتوا دونها، وما وقوفهم وتأسيهم على الزعيم الشهيد عبدالكريم قاسم إلا تاسي على (العراقوية) التي وأدها البعث والعروبيين بمؤازرة خارجية.
من يبحث عن الحل في أن يحصل الجنوب على حصته من موارده،وأن يتبوأ الجنوبي منصبا وترتقي منزلته،متوفرة من خلال تأسيس منظومة قيم قسطاسية تكرس حلول إدارية ومالية،و آليات تعود للنفع العام. وهي ماتطبق في السويد،بما يدعى نظام (الكومونات). بحيث أن كل محافظة تأخذ نصيبها من مواردها، من خلال منظومة دقيقة لضبط تلك الآلية مع المركز وأجزاء البلاد الأخرى،بما يجعل الجميع يشعرون بإنتمائهم لبلدهم ويفخرون بالعافية التي يرفلون بها. ولا بأس أن ننقل منظومة (الكومونات) السويدية وتطبيقها على الحالة العراقية مع حذلقة بالخصوصية البيئية والإجتماعية .وإذ نضمن له النجاح بما يتوفر له من سند مادي أساسه ثراء إسطوري يرفل به العراق،و الذي لا يوجد في السويد أو إيران أو بلدان العرب. ونظام (الكومونات) هذا أبسط من النظام الفدرالي المعقد، الذي يوحي للجميع بمقدمات الإنفصال ،ولاسيما أن وراءه خطة ملتوية إيرانية نلمسها ونستلهمها من التاريخ، الذي لم يغير آلياته بما ندعوه (الغريزة التاريخية للشعوب). فإيران مثل العرب يبقون طامعين بنا إلى ما شاء الله ،والأجدر بنا أن نجد حلا لدرء وقطع دابر تلك الأطماع، من خلال إيجاد حلول عراقية ناشرة تكرس الوحدة العراقية ،وليس توحي لهؤلاء وتغريهم فيه مثلما يجري في أمر(فدرالية الشراقوه).
أهيب بالأخوة أن لا يصادروا من أحد عراقيته وإسلاميته وقل حتى تشيعيه أو تسننه،ويصفوه بأنه في أوربا ويحسبوه بعيدا عن هواجس وطنه محتكرين بسذاجة الفقه بمصلحة الوطن،ثم التنظير لها،حتى لو تطلب لي أعناق الحقائق كما في إحجية (سايكس بيكو) الساذجة . فلا للمزايدات وإلغاءات وإحتكار ومصادرة للصوت العراقي ولنسعى لنقاش بعيد عن التشنج والحساسية والرفض للآخر ،يمكن للمتحابين في الوطن أن يطأوا فيه الحل الأمثل للعقد الإجتماعي والسياسي والإقتصادي العراقي،وهو سهل المنال في وجود معطيات إنسانية وإقتصادية مشجعة،وحسبي أننا أحسن حال من ألمانيا بعد الحرب،وهاهي أعادت بناء ذاتها المهلهلة بهدوء،ولم تفكر بالعودة الى ماقبل وحدة (بسمارك) والبحث عن (خط البرغل)،بل سعوا الى الوحدة الوطنية وصبروا حتى نالوها بعد نصف قرن من التفتيت والمحاصصة .
أتمنى الارتقاء بالحوار بين الوطنيين ومن يدعون الوطنية إلى مايؤسس تيارا و يكرس الوحدة العراقية بلدا وأمة، وأهيب بالجميع أن يطلعوا أكثر على تاريخ العراق،واذكرهم بأن( من لا يؤمن بالماضي لا يؤتمن على المستقبل). وأخبرهم متحديا ومستعدا للحوار،بأن العراق كان موجودا قبل العرب و(السواد) ورمي(الجرش) بين العشائر،و أتسائل ما الفائدة التي نجنيها وماذا نفعل في بلد 95% منه شيعه، ولاسيما شيعة من صنف النكرات وأرباب الدجل: محمد سعيد الصحاف وسعدون حمادي وفؤاد الركابي وليس من صنف السيستاني والجعفري الرفيع ،ممن نجلهم جميعا.وخشيتي من إيران يمليها على هاجس تاريخي أتمنى أن يطلع على شجونه ويستقرؤه الجميع بتأمل، والذي مازال يمكث في العقلية الإيرانية ،وسيبقى إلى يوم الدين.