اسم الكاتب : رياض سعد
تناولت العديد من الامثال العربية والعراقية الشعبية احوال الاقرع وشؤون القرعة ؛ ومما جاء في احدى الأمثال الشعبية العراقية : (( الكرعه تتباهى بشعر بنت عمها )) ومنطوق هذا المثل ؛ يدل على ان القرعة – و هي المرأة أو الفتاة التي لا تمتلك شعر؛ أي تساقط كل شعرها أو جزء كبير منه فأصبحت رأسها ظاهرة بدون شعر … – تتباهى وتفتخر بالشعر الكثيف الذي يغطي رأس بنت عمها ؛ اما مضمونه فيدل على الشخص الذي يتباهى بما ليس لديه , و يتفاخر بما يملكه غيره أو يميّزه، اي أن المفتخر يفتخر بما لا يملك وما هو موجود عند غيره .
ففي داخل البعض رغبة عارمة لا تقاوَم في التباهي والافتخار ؛ حتى وان افتخر بالأجانب والغرباء بل والاعداء احيانا ؛ وتباهى بالأمور والاشياء والقضايا القشرية والتافهة و التي لا تستحق الاهتمام فضلا عن الافتخار ؛ فهؤلاء يفتخرون بإنجازات الاخرين ومنجزات البعيدين عنهم كل البعد ؛ وكأنها انجازات شخصية تخصهم او وطنية تمس واقعهم …؟!
فالمقصود من هذا المثل الشعبي ؛ أن الشخص سواء كان رجلا أو امرأة ، من الذين لا يمتلكون شيئا يفخرون به ، أو لا يفعلون شيئا جيدا في حياتهم يدعو للفخر والتباهي … ؛ يختارون شخصيات ناجحة وعناوين اجتماعية بارزة من عوائلهم او اقاربهم ؛ ويتفاخرون بها وكأنهم هم أصحاب الانجازات والشهادات والكفاءات والمهارات والمقامات ؛ فقد تجد شخص ما يقول : ( انا ابن عمي دكتور او مهندس او تاجر او ضابط … الخ ) في حين أنه لم يجتهد في التعليم والدراسة , ولم يحصل على مؤهل جيد ولم يبذل جهدا في التجارة او الاعمال الحرة … ؛ وفلانة تقول : ( بنت عمي دكتورة او مدرسة او كاتبة او اعلامية مشهورة ) في حين انها لم تطور من نفسها ولم تجتهد لتصل لشيء يدعو للفخر والاعتزاز .
وهل عندما تتباهى ( الكرعه) بشعر بنت عمها الجميل والطويل ؛ تزداد جمالا ويرجع شعرها الى سابق عهده , او يغير الناس نظرتهم اليها ؟! ؛ قطعا : لا ؛ اذن لماذا تبذل ( الكرعه) قصارى جهدها في الافتخار والتباهي امام الاخرين بشعر بنت عمها ؟! ؛ اما كان الاولى بها الاهتمام بشؤونها والعناية ب( كرعتها) من خلال اجراء عمليات زرع الشعر او لبس الباروكة او الحجاب ؛ او تحسين قدراتها ومواهبها وتقوية عناصر قوتها الاخرى للتغطية على عيبها ( الكرعه ) وماذا ينفع ( الكرعه ) لو انها افتخرت بجمال بنات العشيرة او القرية و تباهت بشعرهن كلهن ؛ وهل يضيف جمالهن شعرة واحدة الى رأس ( الكرعه ) …؟!
والعجيب ان ( الكرعه ) قد تتبرع بما تبقى عندها من شعرات الى بنت عمها , لتزداد جمالا بينما تزداد هي قبحا ؛ والاعجب ان بنت عمها لا تبادلها نفس المشاعر احيانا ان لم نقل دائما ؛ لان الجميلة بطبيعتها تكره القبيحة ؛ كما ان الشريفة تحتقر المومس ؛ والامر من ذلك كله ؛ ان ( الكرعه ) اصبحت لا تطلب من بنت عمها الانصاف او رد الجميل ؛ سوى الرضا عنها , او الاشادة بها امام رفيقاتها الاخريات ؛ ولو من باب ( شيم العربي واخذ عباته او شيم المعيدي واخذ عباته ) …!!
ينظر البعض الى هذه الجهة الخارجية او تلك ؛ كمثل أعلى، ونموذج رائع بسبب نهضتها و نجاحها في ادارة هذا الملف الخطير او انجاز ذلك المشروع الحيوي الكبير ؛ بل صار يتابع اخبارها بإعجاب ؛ بل جمح خيال البعض كثيرا ؛ اذ راح ينسب لتلك الجهة انجازات طوباوية وانتصارات وهمية , وينسج حول هذه الشخصية الخارجية او تلك الغريبة هالة محفوفة بالادعاءات والمبالغات ؛ اذ قد يمتزج البعد التاريخي او العقائدي او السياسي او الثقافي او العرقي او القومي او الديني ؛ بهذه النظرة الساذجة والتي تنعكس سلبا على واقع اوطان واحوال هؤلاء المطبلين والمداحين ؛ و قد يمتزج الواقع بالخيال ويختلط الحلم بالوهم فيما يخص هذه الجهة او تلك الشخصية الخارجية ؛ بسبب السذاجة وانعدام الحكمة والرؤية الاستراتيجية والتفكير المنطقي لهؤلاء الذين لا يحسنون شيئا سوى الهتافات وترديد الشعارات , وقد ينسبون انتصارات لجهات هي اصلا مهزومة و واقعة تحت النفوذ او التأثير الاستعماري والاستكباري ؛ ولعل نظام صدام كان انموذجا صارخا و واضحا عن ما نتحدث فيه ومع ذلك كان الجميع – من شراذم الدول العربية – يطبل له ؛ وهكذا تضيع اوقات هؤلاء ؛ وتملئ اوقات الموظفين والطلاب والكسبة بهذه الاحاديث والنقاشات التي تدور حول تمجيد هذه الجهة الاجنبية او تلك الاخرى الغريبة والبعيدة عنهم كل البعد , بينما تهمل الشؤون الداخلية والاوضاع والاحوال والقضايا الحساسة الوطنية , والعجيب ان بعض الجهات والشخصيات الخارجية تنفي وبشدة ما يتم تداوله بين اوساط المداحين والمتملقين والمؤدلجين ؛ الا انهم مع ذلك يصرون على تلك الادعاءات ويصدقون الاكاذيب والمسرحيات ويرددن المقولات والتصريحات كالببغاوات من دون تريث او تعقل او تمحيص .
وبعض الاجانب والغرباء الذين يتعصب لهم هؤلاء المداحون والطبالون ؛ قد لا ينتسبون لهم دينيا او ثقافيا او عرقيا او سياسيا … الخ ، والبعض منهم تكمن مصلحته في بقاء هؤلاء المداحين و اوطانهم في مربع الذيلية والتبعية بين الشعوب و الأمم… ؛ ومع كل هذه الحقائق يصر البعض على استحضار امجاد الجهات الاجنبية والشخصيات الخارجية والاشادة بها ؛ الا انهم في الوقت نفسه ؛ ينبذون كل ما يمت للوطن بصلة ولأهلهم بوشيجة …!!
وتمر الايام والسنون ؛ وهؤلاء لا زالوا متشبثين بآرائهم العفنة وعقلياتهم البليدة ؛ واحوالهم واحوال بلادهم تزداد سوءا وبؤسا وخرابا , يوما بعد يوم ؛ فالاهم لديهم تطور البلدان الاخرى وازهار الجهات الخارجية وتحسين ظروف عيش الاجانب والغرباء …؛ فأولئك يتطورون ويتقدمون نحو الافضل ؛ و هؤلاء المداحون ومن على شاكلتهم من الحمقى والدونية يتفرجون ؛ دون أن يحلموا بأن يكون لهم دورا مؤثرا ومكانا مرموقا بين بني البشر ؛ لا هم يشغل بالهم سوى التبعية الذليلة لهذا وذاك … !!
وأن فكرة تطوير بلادهم او تحسين ظروفهم او تنمية شخصياتهم ؛ لا تخطر على بال تلك الجهات والشخصيات الخارجية قط ؛ فهم مشغولون بأنفسهم واوطانهم ؛ فهذه العناوين و الجهات تبحث عن مصالحها ومكاسبها وامتيازاتها ؛ ولا تفكر إلا بتقوية نفوذها فقط ، بل ان بعضهم يستغربون ويصابون بالدهشة عندما يشاهدون هكذا شخصيات وامعات ؛ تطلب منهم ان يحققوا لهم انجازات بسيطة مقابل هذا الولاء الذي هو اشبه بالخيانة ؛ او يرضون عنهم فقط … ؛ وكأن لسان حالهم يتساءل : هل نهوضنا سيحل لكم أزماتكم حتى تتفاخرون بنا و بهذه الطريقة المرضية … ؟!
والبعض يفعل هذا الامر عن قصد ؛ فهو يهدف من خلال هذه الظاهرة ؛ الى تسطيح وعي الجماهير والضحك على الذقون والهروب من معالجة المشاكل الداخلية ومواجهة الازمات والتحديات السياسية والقفز على هموم الواقع … ؛ ولتسويغ فشلهم وفسادهم ؛ يتحدثون عن “منجزات” الاخرين , وعندما يطالبهم الشعب بالمنجزات والحقوق يعلو صراخهم وترتفع شعاراتهم المطالبة بتحرير قارة افريقيا من الامبريالية العالمية والدعوة لإنصاف سكان الاسكيمو من الرأسمالية الغربية ؛ فلا تسمع الجماهير منهم سوى العنتريات السياسية والتصريحات الفارغة والوعود الكاذبة او استعراض المنجزات الوهمية , والمشاريع الفضائية , و شبهات الصفقات الفاسدة , و الخطب الرنانة والكلمات المجوفة و الخالية من المضمون العلمي والحقيقي والهادف … ؛ والتي تعبر عن خوائهم الفكري التام وافلاسهم السياسي ؛ وفي احدى المقابلات المصورة ومن احدى الفضائيات ؛ التقى مسؤولان , يختلف احدهم عن الاخر الى حد اللعنة ؛ احدهما من (س ) والاخر من ( ش) ؛ فأستعرض المسؤول (س) انجازاته ومشاريعه واعماله ؛ و وضح للمشاهدين خطواته العملية في تقديم افضل الحقوق والخدمات لموظفي دائرته ؛ وعندما جاء الدور للمسؤول الفاشل (ش) قال : سوف أعمل كما عمل اخي المسؤول (س) في قابل الايام , ان شاء الله تعالى ؛ واستغرب الاعلامي من جواب هذا المسؤول التافه , والذي اضحى اضحوكة لموظفي دائرته ؛ و قد احيل الى التقاعد فيما بعد , ولم ينفذ ما وعد به …!!
هؤلاء الامعات والشخصيات تنطبق عليهم شخصية الحمار الذي ورد ذكره في احدى قصص الحيوانات القديمة ؛ واليكم مضمونها باختصار : مر حصان وحمار وديك وبقرة من عرين الاسد ؛ فخرج الاسد مسرعا , للانقضاض على تلك الحيوانات وافتراسها ؛ الا ان الديك قال للأسد : يا سيد الغابة , لماذا تفتك بنا جميعا , وفي احدنا كفاية لك ؟
فقال له الاسد : نعم انا جائع واي حيوان فيكم يشبعني واكتفي به ؛ فمن منكم يقدم نفسه لي , اقبل به ؟
فقال الديك : يا سيد الغابة ؛ الخيار لك , وان كنت ارى ان تسألنا جميعا عن فائدة ومنفعة كل حيوان فينا , ومن ثم انت تقرر من يستحق الحياة ومن يستحق الموت ؛ فأقتنع الاسد بكلام الديك ؛ وبدأ يسأل الحيوانات , وابتدأ بالديك , فعدد الديك فوائده للناس , وكذلك فعلت البقرة , وعندما جاء الدور للحصان , قال : بواسطتي تعرف الفرسان والشجعان , وتقطع الفيافي و السهول , و تقرب المسافات … الخ ؛ وبعد ان أكمل الحصان كلامه ؛ توجه الاسد الى الحمار وسأله : ما فائدتك انت ؟
فأجاب الحمار : انا ابن خالة الحصان ؛ فأنقض عليه الاسد وافترسه … .
الا يخجل هؤلاء الاقزام من التباهي بأفعال الرجال الاخرين ؛ والافتخار بإنجازات الجهات الخارجية ؛ في الوقت الذي لا تسجل في صفحاتهم السوداء سوى المثالب والشبهات والموبقات الفشل والعار والفساد والذيلية والتبعية والعمالة والخيانة …؟!
فالمرء الشريف والمواطن الصالح من يفتخر بمهاراته وكفاءاته وانجازات بني قومه ومقدرات بلده ؛ وان يأخذ بيد العاجز والجاهل والفاشل والكسول ؛ ويدفع بني جلدته نحو المجد والمعالي ويصون بلاده من الاخطار والاطماع الخارجية ؛ ولم يقبل شاعرنا المتنبي من اهل زمانه – وقتذاك – بالتباهي بالأهل والاباء ؛ فما بالك بمن يتباهى الان بالأجانب والغرباء ؟! اذ قال :
كُنِ ابْنَ مَنْ شِئْتَ وَاكْتَسِبْ أَدَبًا *** يُـغْـنِـيـكَ مَـحْـمُودُهُ عَنِ النَّسَبِ
فَـلَـيْـسَ يُـغْنِي الْحَسِيبَ نِسْبَتُهُ*** بِـــــلَا لِـــــسَــــانٍ لَــــهُ وَلَا أَدَبِ
إِنَّ الْـفَـتَـى مَـنْ يَـقُـولُ هَا أَنَا ذَا*** لَـيْـسَ الْفَتَى مَنْ يَقُولُ كَانَ أَبِي
هل التبعية قدرنا والعبودية مصيرنا ؟
البعض يعشق التبعية ويهوى الدنية ؛ واقصى ما يفكر فيه ويطمح اليه ؛ تغيير السيد الاجنبي وتبديل الجهة الخارجية ؛ ولا يخطر بباله ابدا ؛ الاعتزاز بالهوية الوطنية و المطالبة بالاستقلال والسيادة والحرية ؛ والسعي نحو الاقتدار والازدهار الوطني .
أعوام مضت ؛ و سنوات تنصرم من أعمارنا ؛ ولا زال البعض يحلم بهيمنة هذه الجهة او تلك على مقدرات وطننا ؛ او التفوق على حسابنا ؛ او يسعى الى حشر انوفنا في سجالات وصراعات الجهات الخارجية ؛ بما لا يجلب لنا سوى المزيد من الدمار والخراب والتعطيل والاستنزاف والتأخر ؛ بل ويغرق هذا البعض في التحليلات والاستنتاجات والتوقعات المبنية على صراع وتنافس تلك الجهات الخارجية ، بالتوازي مع الدعوة الى قمع التطلعات الشعبية وخنق الاصوات الحرة , و السخرية والاستهزاء من الشخصيات والقامات والمنجزات الوطنية , وتشويه احلام وطموحات وامال المواطنين الاصلاء بأن يكونوا اندادا للأجانب والغرباء , واجهاض اية فكرة وطنية تدعو لإنشاء كيان وطني مستقل يحسب له حساب بين الكيانات والدول والشعوب والامم … ؛ اذ يصر هؤلاء المداحون والرداحون والحمقى المنكوسون على ان تبقى أمتهم وجماعتهم في اسواق النخاسة الدولية ودهاليز المؤامرات والتجاذبات والصراعات الخارجية ؛ ولا يرى لنفسه واهله وقومه مكانة إلا بين العبيد الاخساء والاتباع الاذلاء ...!!
احسنت النشر .. ميدع كالعادة