اسم الكاتب : عبد المنعم شعبان
باتت هموم التجديد الدينى ومراجعة الموروث واحدة من القضايا البارزة التى تقع فى مقدمة المعالجات المقترحة لمواجهة التطرف والغلو والتخلف.. ولكن تجديد الخطاب الدينى لا يزال فى مكانه بين التنظير على استحياء، وبين التردد فى مكاشفة الذات وعدم البدء بخطوات عملية لقطع الطريق أمام الأفكار الشاذة.. ومن بين تلك الأفكار المُستدعاة من المخزون التراثى للإسلام، تلك التى «تشرعن» للشذوذ الجنسى.
فى التراث الإسلامى أخبار كثيرة تدلّ على استثارة الغلمان للرجال، فعن أبى هريرة: «نهى رسول الله أن يحدّ الرجل النظر إلى الغلام الأمرد» والأمرد هو الغلام (الذى لم تنبت لحيته بعد)، وكذلك، نهى بعض الفقهاء عن مجالسة المردان، حيث قال إبراهيم النخعى: «مجالستهم فتنة وإنما هم بمنزلة النساء». ويُروى عن سفيان الثورى أنه قال: مع الجارية شيطان، ومع الغلام شيطانان، ونقل «ابن الجوزى» عن سعيد بن المسيب أنه قال: إذا رأيتم الرجل يلح بالنظر إلى الغلام «الأمرد» فاتهموه، وقال «النووى» ينبغى الحذر فى مصافحة الأمرد والحسن، فإن النظر إليه من غير حاجة حرام.
وبالتدقيق فى تراث العرب فى تلك المسألة نجد أن المثليين كانوا يفضلون، بشكل عام، الغلام الأمرد لإقامة علاقة جنسية معه، يقول ابن أبى البغل محمد بن يحيى وهو من أعيان كتاب الدواوين فى العصر العباسى: «وإلا فالصغار ألذ طعمًا، وأحلى إن أردت بهم فعالًا»، كما أنه بل إن بعض الشعراء العرب ذهب فى التغزّل بالنساء إلى تشبيههن بالغلمان. يقول الجاحظ وهو من كبار أئمة الأدب فى العصر العباسى فى تعليق له على الشعر المنتشر فى عصره «إن من فضل الغلام على الجارية أن الجارية إذا وُصفت بكمال الحسن قيل: كأنَّها غلام ووصيفةٌ غلامية».. وكان للجاحظ نفسه وجهة نظر رغم منطقيتها الشديدة، فإنها تحمل دلالة مهمة حول انتشار فكرة الشذوذ فى عصره حيث يقول: «لو لم يكن حلال ولا حرام ولا ثواب ولا عقاب لكان الذى يُحصّله المعقول ويدركه الحسّ والوجدان دالًا على أن الاستمتاع بالجارية أكثر وأطول مدة لأنه أقل ما يكون التمتّع بها أربعون عامًا وليس تجد فى الغلام معنىً إلا وجدته فى الجارية وأضعافه. فإن أردت التفخيذ فأرداف وثيرة وأعجاز بارزة لا تجدها عند الغلام. وإن أردت العناق فالثدى النواهد وذلك معدوم فى الغلام، وفى الجارية من نعمة البشرة ولدونة المفاصل ولطافة الكفين والقدمين ولين الأعطاف والتثنّى، وطيب العرق ما ليس للغلام مع خصال لا تحصى».
تراث الشذوذ
برغم الميل العام إلى تفضيل المردان (جمع أمرد)، لم يمانع بعض آخر بوطء الملتحين منهم، حيث دافع أبو نواس عن وطء الملتحى قائلًا: «قال الوشاة: بدت فى الخد لحيته/ فقلت: لا تكثروا ما ذاك عائبه/ الحسن منه على ما كنت أعهده/ والشعر حرز له ممن يطالبه». فيما ذمّ بعض الشعراء أيضًا هذه الممارسة منهم الشاعر ابن الوردى: «مَن قال بالمرد فاحذر أن تصاحبه/ فإنْ فعلت فثق بالعار والنار/ بضاعة ما اشتراها غير بائعها/ بئس البضاعة والمبتاع والشاري/ يا قوم صار اللواط اليوم مشتهرًا/ وشائعًا ذائعًا من غير إنكار». ويظهر فى أبياته أن «اللواط» كان شائعًا فى العصر المملوكى.
وتتحدث بعض الروايات عن وجود خلفاء شواذ، منهم الوليد بن يزيد بن عبدالملك، حيث وصفه السيوطى فى كتابه «تاريخ الخلفاء» بأنه «الخليفة الفاسق أبوالعباس» وقال عنه شمس الدين الذهبى فى كتابه «تاريخ الإسلام»: «اشتهر بالخمر والتلوّط». وبعد قتله، قال أخوه سليمان بن يزيد: «لقد راودنى عن نفسى».
وفى العصر العبّاسى، صارت ظاهرة ممارسة الخلفاء «للواط» منتشرة. يروى الطبرى فى تاريخه أن الخليفة الأمين «طلب الخصيان وابتاعهم وغالى بهم وصيّرهم لخلوته فى ليله ونهاره. ورفض النساء الحرائر والإماء». ويُروى أن والدته حاولت ثنيه عن عادته هذه فأتت له بفتيات يتشبّهن الغلمان دون أن تنجح فى مسعاها. ويحكى أن الأمين كان متيّمًا بأحد الغلمان ويدعى كوثر وأنشد فيه شعرًا يقول: «كـوثـر دينى ودنياى وسقمى وطبيبي/ أعجز الناس الذى يلحى محبًا فى حبيب». ولم يكن اسم «كوثر»، غريبًا للفتيان فى هذا الوقت، فهناك غلمان سموا بأسماء «جميلة» و«فاتن»، ومنهم من تعلم الإغراء ومنهم من كان يفتح أزرار قميصه ويُغنى فى مجالس الرجال.
كما اشتهر أبونواس وهو من أشهر شعراء الدولة العباسية بحبه للغلمان، وعندما قيل له «زوّجك الله الحور العين» أجاب بأنه ليس بصاحب نساء بل الولدان المخلدين فى إشارة إلى الآيات القرآنية التى تتحدث عن ولدان مخلدين يخدمون المؤمنين فى الجنّة. كما حدثت واقعة شهيرة لأبونواس هى «واقعة «توق»، فعندما اشتهر عنه جنونه بالفتيان والغلمان واشترى غلامًا يُدعى «توق»، فأخبره الجيران على ألا ينام بجواره حتى لا يُمارس معه فعلته المذمومة، فاقتنع بكلامهم، وطلب من أبى نواس أن يأتى بسرير بدورين، وبالفعل جاء به، فحذر الجيران الغلام ونبهوا عليه أن ينام هو فى الأعلى وينام سيده أبونواس فى الأسفل فلو حدث العكس ربما يسقط عليه من فوق ويمارس فعلته أيضًا، لكن وسط هذا وبعدما نام أبونواس بالدور الأسفل بالسرير والغلام بالدور الأعلى، لم يرحمه ومارس معه «اللواط» أيضًا، وحينما سأل الجيران الغلام بما حدث وقال لهم إن سيده لم يرحمه أيضًا فسألوا أبو نواس فقال لهم «هزنى الشوق إلى «توق»/ فتدحرجت من تحت إلى فوق. والأصل فى الفعل تدحرج فى اللغة أن التدحرج لا يكون إلا من أعلى إلى أسفل، لكن «أبو نواس» من أجل الغلمان وفتنته وولعه بهم، قد حرف فى ثوابت اللغة.
أسواق اللواط!
وتشير بعض الروايات إلى أنه وصل الأمر فى العصر العبّاسى لأن يصبح «للّواط» أسواق. بل ووصل الأمر ذروته فى ذلك العصر بأن أصبحت النساء على مقاعد البدلاء لصالح الغلمان، وحينما وقف سوقهن فتشبّهن بالغلمان فى الملبس والمظهر، وأطلق عليهن لقب «غُلاميات» تشبهًا بالغلمان.
وفى عصر الدولة العثمانية، توضح الكتابات الشعرية ما بين القرنين الـ16 و19 انتشار المثلية الجنسية فى ظل الخلافة العثمانية، حيث كان هناك خصيان للخلفاء العثمانيين من البيض والسود، والبيض كانوا يأتون بهم من البلاد الأوروبية وقتما كان للدولة العثمانية غزوات، وكانت مهمتهم الإقامة فى بلاط الخليفة والسهر على راحته، وكانوا فتيانًا ما بين 15 و25 عامًا، وكانت ممارسة اللواط معهم أمرًا عاديًا.
كما أن بعض حالات اللواط التى سجلتها وسائل إعلامية عالمية فى تنظيم القاعدة لها أصل متجذر فى أفغانستان التى كان يُسمح فيها فى بعض المراحل بالشذوذ، علانية وفى وضح النهار، وفق عادة أفغانية ورثها أمراء الحرب هناك. فحركة طالبان متورطة فى ظاهرة «باتشاى بازى»، بمعنى «الأولاد الراقصون» هذه الظاهرة تمثل غطاءً مشروعًا لتجارة مربحة اسمها تجارة الغلمان، الذين يكون عليهم ارتداء ملابس رقص نسائية، ووضع الماكياج أحيانًا والرقص وسط مجموعة من الرجال، الذين يبدأون فى التهافت عليهم، تمهيدًا لممارسة اللواط معهم.
كما يعتبر كتابا «مروج الذهب» و«تاريخ الخلفاء» أهم الكتب التى وثقت أخبار هذه الظاهرة فى المجتمع الإسلامى ويقول د.رمسيس عوض فى كتابه «الشذوذ والإبداع»، إن تاريخ أول سجل أدبى لظاهرة الشذوذ يرجع إلى أكثر من 4.5 آلاف عام حين تناولته إحدى البرديات المصرية القديمة. كما أن كتاب «نزهة الألباب فيما لا يوجد فى كتاب» أفرد فصولًا كاملة فى تأريخ ظواهر الجنس فى دولة الخلافة منذ عصر ما قبل الإسلام، وأكد أن المأمون كان له مئتا جارية، ثم مال إلى الغلمان، أما الأمين فقد رغب عن النساء ومال إلى الغلمان، وكان يفتى بأن الغلام إذا كان ملك اليمين حل التمتع به. وانطبق الشيء نفسه على المعتصم الذى مال إلى الغلمان الأتراك.
المثير في الأمر أن الحكم الشرعي حول المسألة قد شهد بعض الخلافات، حيث لم يضع القرآن حدًا واضحًا على من يمارس المثلية واكتفى بالتطرّق إليها بشكل سلبى وبالذمّ بقوم لوط الذين مارسوها، وهذا الغياب سبّب أزمة بين الفقهاء حول الحدّ المفروض على من يمارسه. وتذكر كتب الحديث حديثًا ضعيفًا عن ابن عبّاس عن النبي يقول: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به». وتشير الروايات المنقولة عن الصحابة إلى تعاملهم الشديد مع ممارسها. منهم من دعا إلى رجمه بالحجارة حتى الموت، ومنهم من قال: «يُحرق»، ومنهم من قال: «يرمى به من أعلى شاهق».