نوفمبر 12, 2024
34

اسم الكاتب : عبد الرحيم احميداني

فوكو وحب الغلمان في تاريخ الجنسانية .

لم تكن مسألة حب الغلمان بدعة تاريخنا المعاصر ، بل إن لها جذورا تاريخية تعود إلى بعض الحضارات القديمة ، إذ نجد من بينها الحضارتين الرومانية واليونانية ، حيث أولى الرومان حيزا قانونيا لمارسة الجنس المثلي وذلك من خلال اعترافهم به في القانون الذي كان يسمى”scantinia” الذي أعطى الحق لممارسة اللواطة ، في حين نجد أن هذا الموضوع أخذ لنفسه مكانة في فن الخطابة و المحاورات اليونانية ، التي ناقشت الجنس المثلي كموضوع يستحق التأمل ، لذلك خلق موضوع اللواط جدلا بين الفلاسفة اليونانيين بين مؤيد ومعارض .

إن محاورة ” بلوتارك” حاولت ايجاد معنى للحب كقيمة انسانية تتراوح بين المتعة في الزواج بمعناه الأفروديسي ، والحب بين نفس الجنس بمعناه الإيروسي .

جرت هذه المحاورة بين بروتوجين (protogène) وبيسياس(pisias) من جهة ، وأنتيميون anthémion ودافني daphnèe من جهة ثانية ، حيث دافع بروتوجين عن سمو وعفة حب الغلمان ، لإبتعاده عما تخلفه الأفروديسية من متع مبتذلة بين الأنثى والذكر ونظرا لما تكتسيه هذه العلاقة من طبيعة حيوانية شبيهة برغبة الكلب في أنثاه ورغبة الذباب بالحليب والنحل للعسل …كما أن هذه الرغبة الرخيصة -على حد تعبير بروتوجين – بين المرأة والرجل إنما هي امتثال لقانون فزيقي فرضته الطبيعة من أجل الحفاظ على النوع بغية الإنجاب ليس إلا ، وبهذا يُبخس مناصروا حب الغلمان تلك العلاقة بين المرأة والرجل التي يتخللها التصنع وعدم الصفاء ، حيث إن الحلي والعطور ومساحيق التجميل ليست إلا شاهدا على هذا التصنع ، ناهيك عن المصلحة التي كانت تلوث أي علاقة بين المرأة والرجل في اليونان ، نظرا لكونها كانت تتم بدافع الاسترزاق المادي أو التسلق الإجتماعي اللذين كانا سببا في كثير من تلك العلاقات الزيجية , وهي كلها أمور يأتي بها كل من بروتوجين وبيسياس لرسم صورة عن العلاقة الأفروديسية المنحطة بين الرجل والمرأة في علاقة يسميانها بعلاقة حب ، في حين أن حب الغلمان بين نفس الجنس يكون خاليا تماما من تلك الشوائب ، بل على العكس من ذلك تكون تلك العلاقة هي تعبير عن مدى الصداقة والأنس والحب الخالي من كل منفعة.

وهكذا فالإنجذاب نحو النساء لايمكنه أن يتحرر من المتعة الزائفة وعلى العكس من ذلك فحب الغلمان لا يمكنه أن يكون مطابقا لماهيته إلا إذا تحرر من تلك المتع .

يدافع بروتوجين وبيسياس عن هذه الأطروحة وفق تصور رواقي وذلك بالقول ” أن العلاقات بالنساء أعدتها الطبيعة سلفا من أجل الحفاظ على النوع … فالشهية والغريزة اللتان تدفعاننا إليه، مستعدتين دوما لأن تصيرا عنيفتين دون جماح، وحينئذ فإنهما تتحولان الى رغبات . وهكذا فنحن ميالون بطريقتين[الشهية والغريزة] نحو الموضوع الطبيعي الذي تشكله المرأة بالشهية ، وهي حركة طبيعية تستهدف غاية معقولة تتمثل في بقاء الأجيال”

وعلى هذا الأساس ليس هناك حب أكثر عفة وصدقا من حب الغلمان ، لأن المتعة التي تشوب علاقة المرأة بالرجل مغيبة فيه ، ولأن حب الغلمان يتضمن بالضرورة علاقة صداقة لا تنفصل عن الفضيلة ، رغم أن دافني واجه تصور مناصري حب الغلمان واصفا إياه بالنفاق الجنس مثلي الذي يشوه إرادة الطبيعة التي جعلت الإنجذاب بين المرأة والرجل في علاقة أفروديسية متناغمة تضمن المتعة وبقاء الجنس البشري .

الجنس المثلي في الحضارة الإسلامية .

لم تكن الحضارة الاسلامية لتسلم من ظهور الجنس المثلي في مجتمعاتها القديمة أو المعاصرة ، رغم رفضها الشرائعي لهذا النوع من الجنس الذي عملت النصوص الدينية على احتقاره ونبذه والاعتراف به في موقع أخرى سنأتي على ذكرها فيما يلي .

إن التاريخ الإسلامي لم يخلوا من هذه الممارسة التي أرخ لها القرآن من خلال قصة النبي لوط الذي أرسله الله لقومه من أجل حثهم على الابتعاد عن اللواطة والاقبال على النساء، حيث تروي القصة أن اللواط شاع بين قوم سدوم والقرى المجاورة لها ، وأن ابليس تمثل بصورة غلام جميل ثم بدأ يتمايل عندهم ويرقص حتى أغرى بعضهم لفعل الفاحشة فيه ، فأخبر رجل ممن قاموا بالفاحشة أصحابه بما فعل مع الغلام، ثم انتظروه في الغد، فجاء إليهم وطلبوا منه أن يفعلوا به كما فعل به صاحبهم البارحة فوافق لطلبهم … ثم تركهم فترة حتى وقع بعضهم على بعض فانتشر بينهم اللواط ، وأرسل الله لهم نبيا من أنفسهم اسمه ( لوط ) فدعاهم الى الزواج من الفتيات وترك فعل الفاحشة بالرجال فهي انتكاسة للخليقة ، لكن قومه طردوه وأرادوا إخراجه من قريتهم فأرسل الله لهم ملائكة بصورة أناس جاءوا إليه وهو في مزرعته فسألوه عن قومه فأخبرهم أنهم قوم فاسقين وأنهم لم يطيعوه وأرادوا طرده من البلد ة ، فأدخلهم في بيته ورأتهم زوجته الكافرة فأخبرت القوم بأن عند لوط رجال لم ترى أجمل منهم .. فجاءوا إليه فدافع عن ضيوفه بما يستطيع ثم أخبره الضيوف بأنهم ملائكة وأمروه أن يخرج من البلدة لأن العذاب سوف يحل بهم أول النهار ، فحمل جبريل القرى الخمس بطرف جناحه الى السماء حتى سمعت ملائكة السماء الدنيا صياح الديكة ونباح الكلاب ثم قلبها عليهم واتبعوا بحجارة من سجيل .

وهكذا يتضح من خلال هذه القصة أن النص الديني حاول نقل امتعاظ بل في تحريمه وتجريمه للجنس المثلي ، لكنه في نفس الآن يعترف بوجود هذا النوع من الممارسة الجنسية عند الحضارات القديمة بل يعترف بوجوده في الجنة، ولا يمكن نسبها بسوء نية للحضارة الغربية الحديثة والمعاصرة بدعوى الإنحلال الأخلاقي الغربي الذي يتسلل لثقافتنا المحافظة واللامعة.

ليس القرآن وحده يعكس حضور الممارسة المثلية في الاسلام ، بل إن تاريخ الحضارة الإسلامية يبوح بتغللها بين أهم الشخصيات الإسلامية ، حيث تتناقل كثير من الرويات أن الخليفة عمر كان من بين الذين مارسوا اللواط نظرا لمعاناته من مرض في دبره كان لا يهدأ إلا بممارسة اللواط ، حيث جاء في حديث ينسب للبخاري أنه قال: “كان عمر مأبوناً يتداوى بماء الرجال” على اعتبار أن الإعتقاد السائد حين ذاك، أن مني الرجال كان يشفي الحكة التي تصيب دبر الانسان ، فكان الأبن( أي الوطأ) علاجا لذلك المرض ، كما روى ابن سعد الزهري في كتابه “الطبقات الكبرى، باب الأبنة ص289 أن عمرا قال : “ما بقي فيّ شيء من أمر الجاهلية إلا أني لست أبالي إلى أي الناس نُكحتُ وإلى أيهم نكحت” .

لم يكن الخليفة عمر هو الحالة الوحيدة في التاريخ الاسلامي الذي مارس الحنس المثلي ، لكن الكثير من الرويات أكدت أن العصر العباسي بالخصوص كان عصرا للمثلية بامتياز، حيث شاعت المثلية حتى بين الأمراء والخلفاء ، إذ يروي الطبري في تاريخه أن الخليفة الأمين ابن هارون الرشيد “طلب الخصيان وابتاعهم وغالى بهم وصيّرهم لخلوته في ليله ونهاره ، ورفض النساء الحرائر والإماء”. ويُروى أن والدته حاولت ثنيه عن عادته هذه فأتت له بفتيات يتشبّهن الغلمان دون أن تنجح في مسعاها. ويحكى أن الأمين كان متيّماً بأحد الغلمان ويدعى كوثر وأنشد فيه شعراً يقول:

“كـوثـر ديني ودنياي وسقمي وطبيبي*** أعجز الناس الذي يلحي محباً في حبيب”.

كما روي أن الخلفية المأمون قد فتن بغلام حتى أنشد فيه شعرا بعدما سأله المأمون عن اسمه وأجابه الغلام أنه لا يدري، حيث قال المأمون:

تسمّيت لا أدري لأنك لا تدريّ*** بما فعل الحبّ المبرّح في صدري”.

بالإضافة الى هؤلاء يحكى أن القاضي يحيى ابن أكثم والخليفة المتوكل قد مارسوا اللواط مع الغلمان بل وفظلوهم عن الجواري إذ يقول أبو نواس ممتدحا أبي عبيدة النحوي وهو محب آخر للغلمان:

صلى الله على لوط وشيعته*** أبا عبيدة قل بالله: آمينا

لأنت عندي بلا شك زعيمهم***منذ احتلمت ومذ جاوزت ستينا

لقد كان العصر العباسي عصرا للجنس المثلي الذي تحرمه التشريعات الدينية بدعوى الفاحشة ومخالفة الطبيعة . علما أن النص الديني نفسه يَعِدُ الذكور في الجنة ليس بالحور العين فقط وإنما كذلك بالغلمان الذين سمتهم الآية بالولادان المخلدون : ” يطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا مكنون”سورة الإنسان الآية 19

هذه الروح المرحة التي توجد بالحضارة الإسلامية ممارسة ونصا، تتناقض و النزعات المُغالية والعدائية التي تجعل من المثليين أنجاسا تدنس المجتمع، كما لو أن التاريخ الإسلامي هو من الصفاء والطهارة ينبع ! وكما لو أن النبي محمد لم يعد المسلمين بالغلمان في الجنة .

الأصولية هذه بلغت مداها في العصر الحالي كما لو أن التاريخ في مجتمعاتنا يجري بشكل إرتكاسي ، وذلك عندما يحاصر المثليون بأعراف وتقاليد بالية تجعل من المثليين فئة شادة وغير مرحب بوجودها في المجتمع ، ولنا في الواقعة التي اهتزت لها مدينة فاس خير دليل ، إذ اعتدت مجموعة من العامة على مثلي كان يستقل سيارة أجرة وطرحته أرضا بوابل من الضرب والشتم واللكم تحت صيحات التكبير والكلام النابي ، الأمر الذي استهجنه العديد من الناس عبر مواقع التواصل الإجتماعي في مرحل تعرف فيها دول شمال أفريقيا ودول الشرق الأوسط والخليج تراجعا كبيرا على مستوى الحريات الفردية المعلولة أصلا نظرا لما تعرفه هذه المجتمعات من تنامي موجة التطرف والأصولية .

الشدود والمثلية في علم النفس

لاينظر علم النفس الى المثلين كشواد أود كمرضى يستلزم علاجهم ، بل إنه ينظر إليهم كغيرهم من الفئات السوية التي تعيش حياة اجتماعية ونفسة وعاطفية كبقية البشر ، حياة بها من الأحاسيس والرغبات والميولات ما لأي شخص آخر من ميولات ورغبات سواء كان مختلفا أو مشابها عن المثليين ، حيث إن جاك لاكان يؤكد أن فئة المثليين تمارس وفقا لطبيعتها البيولوجية ووفقا لتركيبتها الجنية وميولاتها النفسية وما تجمّع بها من رواسب تشكلت بفعل اعتداء ما في الطفولة ، لذلك ليست المثلية الجنسية شدودا أو خروجا عن الطبيعة ، بل هي نفسها جزء من طبيعة الإنسان التي شكلت الطبيعة البعض منا على تلك الشاكلة ، لهذا ينظر علم النفس ومعه المنظمات الحقوقية الى الشخص المثلي كشخص سوي يمارس تبعا لميولاته الطبيعية وكل إلزام بالعدول عن تلك الميولات يعتبر إجبارا على الشدود أي إجبارا على ممارسة ما يخالف طبيعة الانسان المثلي ، ومن ثمة يفصل علم النفس بين الشدود والمثلية ؛ إذ يشير الأول الى الانحراف والثانية تشير الى شخصية سوية تختلف على مستوى الميولات الجنسية كما يختلف عنها من له ميولات جنسية نحو الجنس المغاير دون أن ينظر له المثليون وبقية الناس كشاد .

وهكذا يمكن القول : أن المثلي يصير شادا فعلا اللحظة التي نجبره على عدم ممارسة ميولاته وإلزامه القيام بممارسة لا تتناسب مع طبيعته ورغباته . ولعل هذا ماجعل بعض الدول تصوت لصالح حق المثليين في الزواج والاعتراف بهم كفئة مجتمعية مثلها مثل باقي أفراد الشعب في الحقوق والواجبات ، واحترام ميولاتهم ورغباتهم التي لايُلزمون بها أحدا ، حيث قام الشعبين الفلندي والأمريكي مأخرا بالتصويت لحق المثلين في الزواج من بعضهم البعض أو ممارسة الجنس مع بعضهم البعض كخطوة إنسانية نبيلة لطال ما ناضل من أجلها الكثير من المثليين والمثليات ومعهم المنظمات الحقوقية التي تنظر الى الجنس المثلي كحق يقع في مجال الحريات الفردية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *