
اسم الكاتب : سيد طنطاوي
فتحت حفلة «مشروع ليلى»، بالتجمع الخامس، والتى رُفع فيها علم قوس قزح، قضية المثليين وتاريخهم وتقبلهم فى المجتمع، وهل ما هم فيه أمر طبيعى، أم خروج عن الطبيعة والفطرة المألوفة، ومن ثم يحتاجون إلى علاج.
وبعيدًا عما يثيره الأمر من شبهات متعددة تقف وراءها منظمات غربية ولبنانية متعددة، إلا أنه من الناحية الواقعية حفل التراث الإسلامى بالعديد من الوقائع المثلية.. فدولة الخلافة عرفت تلك الظاهرة، «وربما استحسنتها، إذ كان هناك من فُتن بالغلمان وفضلهم على النساء، وتغزل فيهم بالشعر، بل وصل الأمر إلى أن جمال المرأة كان يُقاس بمدى شبهها مع الغلمان.
بعد حفل «مشروع ليلى» اختلف إسلاميون فى المثلية وانقسموا ما بين مؤيد ومُعارض، جزء يريد تطبيق حد القتل عليهم، وآخرون رفعوا شعار «أحب المثليين ولست منهم»، والليبراليون أيضًا اختلفوا، بعضهم وافق من باب الحريات، والآخرين رفضوا انتصارًا لـ«الرجولة».
الإسلام حذر من فتنة النساء، وأيضًا حذر من فتنة الرجل بالرجل، وكأنه كان هناك هوس بـ«الغلام الأمرد»، يُروى عن سفيان الثورى أنه قال: مع الجارية شيطان، ومع الغلام شيطانان، ونقل «ابن الجوزى» عن سعيد بن المسيب أنه قال: إذا رأيتم الرجل يلح بالنظر إلى الغلام «الأمرد» فاتهموه، وقال «النووى» ينبغى الحذر فى مصافحة الأمرد والحسن، فإن النظر إليه من غير حاجة حرام، وقال إبراهيم النخعى: «مجالستهم فتنة وإنما هم بمنزلة النساء» -يقصد الغلمان-، والغلام الأمرد هو الغلام الذى نبت شاربه ولا تنبت لحيته، لكنهم فى الوقت ذاته لم يرفضوا الغلام غير الأمرد أو من نبتت لحيته أو الملتحين، وقال «أبو نواس» عن هذا الخروج عن المألوف فى العصر العباسى: «قال الوشاة: بدت فى الخد لحيته/ فقلت: لا تكثروا ما ذاك عائبه/ الحسن منه على ما كنت أعهده/ والشعر حرز له ممن يطالبه».
القرآن لم يضع حدًا يُطبق على اللواط، لكنه تحدث بالذم عن فعلة قوم لوط، وهناك عقوبة وقعت فى أحاديث نبوية لمن يفعل فعلة قوم لوط، منها حديث عن ابن عباس «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول»، وحديث عن أبى هريرة، «ارجموا الأعلى والأسفل، ارجموهما جميعًا»، وحديث عن جابر بن عبد الله «من عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط، فاقتلوه»، عن على بن أبى طالب «يرجم من عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوط»، لكن كل الأحاديث الواردة فى هذا الأمر بها ضعف، لكن لم يعارض أحد هذه الأحاديث على مدار التاريخ الإسلامى.
الموثق عن المثلية أنها ظهرت بوضوح فى مرحلة ما بعد «الخلفاء الراشدين»، أو بالأحرى خرجت للعلن وتحديدًا فى العصر الأموى، لكن الوضع الذى ظهرت عليه من تفشى وجنون بها لا يقول أنها وليدة اللحظة فى المجتمعات العربية.
بعض الشعراء العرب تفننوا فى الغزل بالمرأة الجميلة ووصلوا إلى وصفها بـ«الغلمان»، وكأن أعلى مفاتن جمال المرأة حينما تصلها تكون فى منزلة الغلام.
ويقول الجاحظ فى تعليق له على الشعر المنتشر فى عصره والذى حمل كثيرًا من الملامح المثلية «إن من فضل الغلام على الجارية أن الجارية إذا وُصفت بكمال الحسن قيل: كأنَّها غلام ووصيفةٌ غلامية»
تفشت أمور المثلية فى دولة الأمراء خاصة بعد انتشار البذخ، ومن ثم انتشر التمتع بالغلمان بديلًا عن النساء، وكان أكثر من مارس هذا الأمر من خلفاء بنى أُمية «يزيد ابن معاوية وقال عنه شمس الدين الذهبى إنه اشتهر بالنساء وبعد مقتله قال أخوه سليمان عنه «لقد راودنى عن نفسى»، امتدح أبو نوّاس «اللواط» إلى حد أنه أنشد لأبى عبيدة النحوى وهو مُحب للغلمان: «صلى الله على لوط وشيعته/ أبا عبيدة قل بالله: آمينا/ لأنت عندى بلا شك زعيمهم/ منذ احتلمت ومذ جاوزت ستينا». وقال أبو هشام الخراز: «ويا غزالاً يسبى بلحظته/ مكتحلاً راح أو على مرهه/ يجعل قتل النّفوس نزهته/ يوشك يُفنى النّفوس فى نزهه». وفى شعر لمحمد بن هانئ المغربى يقول: «لا تلحنى يا عاذلى إنني/ لم تصبنى هند ولا زينب/ لكننى أصبو إلى شادن، فيه خصال ثلاثة ترغب/ لا يرهب الطمث ولا يشتكى الـ/ حمل ولا عن ناظرى يحجب». ويقول أبو الفتح البستى: «خذوا بدمى هذا الغلام فإنَّه/ رمانى بسهمَيْ مقلتيه على عمد». ويقول أبو فراس الحمدانى: «غلام فوق ما أصف/ كأن قوامه ألف». ويقول إبن الرومى: «أفسدتْ توبتى عليَّ غلام/ غصن ناعم وبدر تمام».
الخليفة الأمين تعلق قلبه بالغلمان واشتهر بحبه لغلامٍ يُدعى «كوثر»، وحينما هاجم المأمون بجيشه الأمين، وأصيب غلامه «كوثر»، فمسح الدم عن وجه غلامه وأنشد شعرًا قال فيه: «ضربوا قرة عينى ومن أجلى ضربوه/ أخذ الله لقلبى من أناس حرقوه.
ولم يكن اسم «كوثر»، غريبًا للفتيان فى هذا الوقت، فهناك غلمان سموا بأسماء «جميلة» و«فاتن»، ومنهم من تعلم الإغراء ومنهم من كان يفته أزرار قميصه ويُغنى فى مجالس الرجال.
حب الغلمان وخاصة «الأمرد» منهم لم يكن مقتصرًا على الأمراء والوزراء فقط، بل وصل الأمر إلى القاضى الجرجانى، الذى اشتهر عند الجميع بحبه للغلمان ومزاولته للواط معهم.
وصل الأمر ذروته بأن وصل حب الغلمان بأن أصبحت النساء -خاصة فى العصر العباسى- على مقاعد البدلاء لصالح الغلمان، وحينما وقف سوقهن فتشبّهن بالغلمان فى الملبس والمظهر، وأطلق عليهن لقب «غُلاميات» تشبهًا بالغلمان، فأصبح شواذ القاعدة فى هذه الفترة هو القاعدة ذاتها.
كتابا «مروج الذهب» و«تاريخ الخلفاء» أكثر ما وثق أخبار هذه الظاهرة فى المجتمع الإسلامى التى تفشت فى العصر الأموى، وكذلك نال العصر العباسى حظه من خلال إسهام الخليفة الواثق الذى كان عاشقاً للغلمان، وكان منهم غلام مصرى اسمه مهج، ملك مشاعره وملك وجدانه حتى أنشد فيه شعرًا.
أبو نواس كان واحدًا من المهووسين بالغلمان، وامتدح الشذوذ علنًا فى أبيات عديدة، فأنشد يقول مثل:
أحب الغلام إذا كرها وأبصرته أشعثًا أمرها/ وقد حذر الناسُ سكينه فكلهم يتقى شرها/ وإنى رأيت سراويله لها تكة أشتهى جرها.
أيضًا لأبى نواس واقعة شهيرة هى «واقعة «توق»، فعندما اشتهر عنه جنونه بالفتيان والغلمان واشترى غلامًا يُدعى «توق»، فأجبره الجيران على ألا ينام بجواره حتى لا يُمارس معه فعلته المذمومة، فاقتنع بكلامهم.
شيطان أبو نواس لم يرحمه فجاء بسرير بدورين، وعندما أخبر الغلمان، الجيران فحذره الجيران ونبهوا عليه أن ينام هو فى الأعلى وينام سيده أبو نواس فى الأسفل فلو حدث العكس ربما يسقط عليه من فوق ويمارس فعلته أيضًا، لكن وسط هذا وبعدما نام أبو نواس بالدور الأسفل بالسرير والغلام بالدور الأعلى، لم يرحمه ومارس معه «اللواط» أيضًا، وحينما سأل الجيران الغلام بما حدث وقال لهم إن سيده لم يرحمه أيضًا فسألوا أبو نواس فقال لهم «هزنى الشوق إلى «توق»/ فتدحرجت من تحت إلى فوق.
الأصل فى الفعل تدحرج فى اللغة أن التدحرج لا يكون إلا من أعلى إلى أسفل، لكن «أبو نواس» من أجل الغلمان وفتنته وولعه بهم، قد حرف فى ثوابت اللغة، وحملها ما لا تحتمل.
فى عصر الدولة العثمانية، توضح الكتابات الشعرية ما بين القرنين الـ16 و19 انتشار المثلية الجنسية فى ظل الخلافة العثمانية، حيث كان هناك خصيان للخلفاء العثمانيين من البيض والسود، والبيض كانوا يأتون بهم من البلاد الأوروبية وقتما كان للدولة العثمانية غزوات، وكانت مهمتهم الإقامة فى بلاط الخليفة والسهر على راحته، وكانوا فتيان ما بين 15 و25 عامًا، وكانت ممارسة اللواط معهم أمرًا عاديًا.
وهى ممارسات اتخذها محمد عبدالوهاب، «زعيم الوهابية» فى محاولات الخروج بحكم الجزيرة عن حكم الأستانة، وكان أبرز ظواهر هذا الوجود، ظاهرة «الكوك» وهم صبيان صغار يتم تدريبهم على الرقص وارتداء ملابس الإناث، ويُختارون من بين غير المسلمين عبر ما يعرف بضريبة الدم، وهى ضريبة اعتاد العثمانيون أخذها من صغار الأعداء المهزومين. وكان الكوك يعزفون على الآلات، ويرقصون للرجال، ويضعون أدوات تجميل النساء.
فى العصر المملوكى أيضًا اشتهر اللواط، لكن كان هناك من يرفضه فى الشعر بشكلٍ عام، فقال الشاعر ابن الوردى: «مَن قال بالمرد فاحذر أن تصاحبه/ فإنْ فعلت فثق بالعار والنار/ بضاعة ما اشتراها غير بائعها/ بئس البضاعة والمبتاع والشاري/ يا قوم صار اللواط اليوم مشتهرًا/ وشائعًا ذائعًا من غير إنكار».
بعض حالات اللواط التى سجلتها وسائل إعلامية عالمية فى تنظيم القاعدة لها أصل متجذر فى أفغانستان التى كان يُسمح فيها فى بعض المراحل بالشذوذ، علانية وفى وضح النهار، وفق عادة أفغانية ورثها أمراء الحرب هناك.
فحركة طالبان متورطة فى ظاهرة «باتشاى بازى»، بمعنى «الأولاد الراقصون» هذه الظاهرة تمثل غطاء مشروعًا لتجارة محرمة ومربحة جداً فى الوقت نفسه، اسمها تجارة الغلمان، الذين يكون عليهم ارتداء ملابس رقص نسائية، ووضع الماكياج أحيانًا والرقص وسط مجموعة من الرجال، الذين يبدأون فى التهافت عليه، تمهيداً لممارسة اللواط معهم، وهى أماكن سَمَحت بوجودها حركة طالبان، وسُجل فيلم وثائقى فى 2014 مع أحد قوادى الغلمان، وشرح بالتفصيل، كيف تتم العملية، من دون أن ينسى هذا القواد، وكان هذا القواد مُجاهدًا فى حركة طالبان قبل عقدين.
رغم وجود ظاهرة اللواط فى عصور حديثة بعد ظهور الإسلام ومنها العصر الأموى الذى الذى لا يبعد 3 عقود على أقصى تقدير عن وفاة الرسول، إلا أن هناك أحكامًا فى اللواط متشددة أفردها فقهاء وعلماء فى الدين لا تبدو متوافقة مع الدين ولو كانت ستطبق فكان أولى بها أن تُطبق فى عصور وُصفت بـ«العصور الإسلامية».
من الأحكام المُبالغ فيها ما أورد الفقيه «المشهور»، أنه قال فى هذه المسألة أنه لولى الأمر أن يقتله كيفما شاء وهو مخيَّرٌ بين أن يضربه بالسيف، أو يحرقه بالنار، أو يلقيه من ارتفاع شاهق مكتوف اليدين والرجلين، أو يهدم عليه جدارًا، وله أيضًا أن يجمع عليه عقوبة الحرق والقتل، أو الهدم والإلقاء من ارتفاعٍ شاهق.
حكم القتل فقهيًا ربما يعود إلى الأحاديث الواردة والتى منها الحديث المروى عن ابن عباس «من رأى منكم فعلة قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول، لكن ما يؤكد أن هناك خلل فى هذه الأحكام أن هناك نهيًا من الأساس عن التعذيب بالنار فقد قال «عُمر بن الخطاب لا يُعذب بالنار إلا رب النار»، وما الداعى للجمع بين عقوبتين إن كانت فى النهاية «موت»، وإذا كان التعامل مع الحيوانات فى الذبح «إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة»، فما بالنا بالإنسان حتى وإن أخطأ.