اسم الكاتب : عماد الزهيري
من اهم الاسباب التي تلحق افدح الاضرار بالوطن والمواطن , وتطيح بالدول والحكومات والانظمة السياسية ؛ الافكار السامة فهي كالفايروس الخبيث الذي يفتك بالجسد رويدا رويدا , وكالسرطان الذي سرعان ما ينتشر في جميع مفاصل الدولة ؛ ثم يجهز عليها فجأة وبسرعة ؛ فضلا عن انها تساهم في اجهاض عمليات الاصلاح , وتقتل الروح الانسانية في المجتمع ؛ وقد اشار العالمان شيب هيث ودان هيث – وهما استاذان في علم السلوكيات الادارية في جامعة ستانفورد – الى قيمة وتأثير الافكار التي وجدت لتبقى بنوعيها الايجابي والسلبي ؛ فعليها يتوقف صلاح الوطن والمواطن وكذلك خرابه ودماره .
فالدولة قد تتآكل داخليا وتسقط بنيويا ؛ اذ كان رجالاتها واصحاب القرار فيها , منتجين للأفكار السامة والرؤى الظلامية ومؤمنين بها ؛ فكلما تكاثر هؤلاء فيها كلما اسرعت الدولة نحو السقوط والهاوية ؛ بل وانتجت مجتمعا مريضا متشرذما ومنقسما , يعاني ابناءه من شتى الامراض والعقد الطائفية والعنصرية والمناطقية , والعنف وضياع الهوية الوطنية ؛ ومن اوضح الشواهد على ذلك ؛ التجربة السياسية الفاشلة في العراق , فقد قام الانكليز في بدايات القرن العشرين بإنشاء حكومات محلية قائمة على التمييز الطائفي والعنصري والعرقي والمناطقي ومرتبطة بالاستعمار وتعمل بالضد من مصالح الشعب والوطن , وقد استمر تأثير هذه الافكار السامة والأيدولوجيات السياسية الهدامة على حياة العراقيين لعقود طويلة من الزمن ؛ اذ لا زلنا نكتوي بنيران تلك الافكار الشيطانية ؛ فقد ازهرت اشجار الصبير اشواكا طائفية وعنصرية مؤلمة واثمرت ثمارا مليئة بالحقد والكراهية والتناشز الاجتماعي والصراع النفسي ؛ وتجلت صور تلك الظواهر وبصورة واضحة بعد سقوط نظام البعث عام 2003 وبانت تداعياتها الخطيرة في المجتمع .
ومما زاد في الطنبور نغمة , الانفتاح الكبير واجواء الديمقراطية والحريات العامة بعد عام 2003 ؛ والانفلات الامني ؛ فقد ساهمت تلك الامور بانتشار الافكار السامة والسلوكيات الهابطة و الاشاعات المغرضة والظواهر السلبية والتي اضرت بالمنظومة الاخلاقية والتماسك والقيم الاجتماعية وعرضت المجتمع للخطر ومفاصل الدولة للاختراق من قبل البعض , حتى وصل الامر باتهام رجال الامن والقانون والشخصيات السياسية من قبل البلوكرات و الفاشينيستات وكل من هب ودب مما اضعف هيبة المؤسسة العسكرية والامنية والسياسية , وعرضها للنقد والشجب والاستنكار من قبل المواطنين والرأي العام المحلي والعالمي ؛ وهذه الظاهرة السلبية تعتبر نتيجة طبيعية من نتائج شيوع الافكار المسمومة في مجتمعنا ودولتنا ؛ فضلا عن باقي وسائل الحرب الناعمة والغزو الثقافي الذي جعل الكثير من المواطنين بل والمسؤولين يشعرون بالاستياء وعدم الرضا من تفشي هذه الظواهر الخطيرة والتي تهدد امن وامان المجتمع والدولة .
ولتدارك تداعيات هذه الافة الخطيرة ؛ يجب علينا جميعا حكومة وشعبا من تشمير ساعد الجد للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة , ورصد تواجدها في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية ومفاصل الدولة العامة ودوائر الحكومة ؛ كخطوة أولى تتبعها عدة اجراءات وقرارات عملية ؛ كإنشاء لجنة وطنية عليا ومن مختلف التخصصات النفسية والاجتماعية والسياسية والامنية والاعلامية والدينية وغيرها ؛ لإعداد رؤية وطنية موحدة واستراتيجية واضحة المعالم والاهداف ؛ قادرة على احتواء هذه الافة ووقف حالة الانهيار والانحدار الاخلاقي وتنفيذ خطة علمية وعملية تبدء برياض الاطفال والمدارس الابتدائية صعودا الى المعاهد و الجامعات , بالإضافة على مراقبة وسائل الاعلام العامة وتوجيهها بما ينسجم والخطط والمقررات الوطنية ؛ وتنظيف دوائر الحكومة من المندسين والمخربين والمغرضين , وتطهير مفاصل الدولة من العناصر المشبوهة والمرتبطة بالدوائر الخارجية ؛ وبناء كوادر وظيفية وامنية تؤمن بالقيم والمثل الوطنية والانسانية وتعمل على صيانة الدولة والمجتمع وحماية الحكومة من كافة الاخطار المحدقة بها .