اسم الكاتب : سمير عادل
محمد شياع السوداني رئيس الوزراء العراقي، يحاول توجيه ضربة وقائية، لمنع انزلاقه نحو الهاوية مثل سلفه عادل عبد المهدي، الذي أسقطته انتفاضة أكتوبر عام ٢٠١٩.
إن تفعيل مذكرات الاعتقال الصادرة منذ عام ٢٠١٩ هذه الأيام بحق عشرات المتظاهرين والمشاركين في الانتفاضة، يقف خلفها، الاستعداد لتداعيات الحرب الاسرائيلية المسعورة على سكان غزة وجماهير لبنان وعموم المنطقة. وبعكس ما يروج له عدد من المراقبين والمحللين السياسيين بأن سبب صدور مذكرات اعتقال بحق أكثر من ٢٥٠٠ شخص – لا يتجاوز عدد الناشطين والفعالين في انتفاضة أكتوبر اكثر من ٥٠ شخص، وهو من أجل التمويه وذر الرماد في العيون في محافظة ذي قار ومركزها مدينة الناصرية-، لان السوداني لا يفهم بالسياسة او نعته بصفات تنم عن قلة الخبرة.
صحيح أن الطبقة الحاكمة في العراق والتي تمثلها سلطة ميليشياته غارقة بالفساد وملطخة اياديها بدماء المئات من المتظاهرين استطاعت احتواء انتفاضة أكتوبر والالتفاف عليها، الا ان الصحيح أيضا وهذا ما يعرفه السوداني ومن عينوه في منصب رئيس الوزراء، أنها أي الطبقة الحاكمة لم تستطع من إطفاء جمرتها المشتعلة تحت الرماد. فحكومة السوداني مثل حكومة الكاظمي وصلت الى نهاية عهدها؛ وهي عدم قدرتها على تحقيق وعودها مثل محاكمة قتلة المتظاهرين وتوفير فرص العمل وتخفيض قيمة الدولار والرد على مشكلة الفقر وتوفير الكهرباء وغيرها من الخدمات وحل المليشيات وتوفير الأمان. وجميع التظاهرات التي اندلعت بعد تشكيل حكومة السوداني من أجل توفير فرص العمل مثل تظاهرات خريجي المهن الصحية والمحاضرين والمهندسين. الخ، باستثناء تظاهرات عمال النفط، قمعت بيد من حديد.
كانت النزعة السائدة في انتفاضة أكتوبر-تشرين الأول ٢٠١٩، هي النزعة المعادية ضد الجمهورية الاسلامية في ايران، وهذه هي كعب أخيل حكومة السوداني ومن يقف خلفها. أي بشكل آخر نصفها، هناك غضب عارم في صدور الغالبية العظمى من جماهير العراق ضد النفوذ السياسي والأمني عن طريق المليشيات وتمدده في العراق. وأكثر من ذلك ان جماهير العراق التي كان من لها الحظ المشاركة في انتفاضة أكتوبر، توجه أصابع الاتهام الى نظام طهران والمليشيات التابعة له في قتل أكثر من ٨٠٠ متظاهر، وهذا الرقم معلن بشكل رسمي من قبل حكومة الكاظمي والسوداني والمؤسسات الحقوقية والمنظمات الدولية مثل بعثة الأمم المتحدة في العراق والاتحاد الأوربي، في حين ان الرقم الحقيقي هو أكبر من ذلك فضلا على المغيبين وجرح ما يقارب عشرون الف متظاهر.
وصبت مساعي حكومة السوداني والاطار التنسيقي- وهم لفيف من الأحزاب والقوى الإسلامية والمليشيات المذكورة – والجهاز القضائي العراقي منذ احتواء انتفاضة أكتوبر، ترسيخ سلطتها وتصفية كل من يفكر بالتغيير وإنهاء الفساد والمليشيات في العراق وفك الارتباط مع النظام في طهران الذي له حصة من عمليات السرقة والنهب المهولة لثروات الجماهير على قدم وساق
وقد اشرنا في مناسبات سابقة، أن جميع القرارات والقوانين التي قدمت طوال سنتين من قبل الاطار التنسيقي الى البرلمان او خارجه مثل؛ دعاوى محاكمة مروجي الفيديو الهابط وقانون عيد الغدير وقانون مكافحة البغاء والمثلية وقانون منع التطبيع مع اسرائيل ومسودات قوانين تعديل قانون الأحوال الشخصية والحريات النقابية وحرية التعبير، هي رزمة متكاملة لحسم مصير الدولة وهويتها السياسية والقضاء على التشرذم السياسي داخل الطبقة الحاكمة وخارجها عبر ضرب عنق كل من يطالب بالحرية والرفاه والمساواة و بهوية للدولة تعرف البشر في العراق على أساس الهوية الإنسانية. وعلى صعيد آخر أن ما يذهب اليه السوداني ممثل الإطار التنسيقي هو إحباط أية محاولة في نسف العملية السياسية او تقويضها التي تعني انهاء سلطة المليشيات ومحاكمة الفاسدين والملطخة اياديهم بدماء جماهير العراق.
وهكذا اعلن السوداني بشن حملته على جماهير الناصرية تحت شعار محاربة “الصهيونية”، وهو الأسطوانة القديمة المشروخة، والتي استخدمها من قبل نظام صدام حسين وكل الأنظمة القومية المستبدة، وبنفس النبرة واللحن دون أي تغيير. بيد ان الحق يقال، فإن شعاره يكشف عن جانب من الحقيقة، وهي الشعور بالخطر من مجريات الأحداث في غزة ولبنان. وتؤكد تلك المشاعر الحقيقية ما قاله الرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن حربه ستستمر وفي جميع الجبهات السبعة-غزة والضفة الغربية ولبنان وسورية والعراق واليمن وايران- من اجل صياغة شرق أوسط جديد.
السوداني ليس هو الوحيد مرعوب من سيناريو سلفه وهو سقوط حكومة عادل عبد المهدي تحت ضربات الانتفاضة، بل ومعه كل الاطار التنسيقي يضع يديه على قبعته خوفا من العاصفة التي تتحرك نحو المنطقة.
ويعيش السوداني وحكومته احلك ايامها، وهذا الخوف والذهاب الى التصعيد ضد أهالي مدينة الناصرية في هذا التوقيت يكمن بعدم قدرة السوداني لا على نزع ثياب الاطار التنسيقي والانسلاخ والانفصال عن من نصبوه، ولا هو أي السوداني قادر على إحداث تغييرات اقتصادية وسياسية واجتماعية لصالح جماهير العراق كي تسعفه في أيام القحط القادمة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وعليه ذهب السوداني ليقول لنا انه يخوض “حربا ضد الصهيونية” لاعتقال متظاهري أكتوبر، وبدءً من مدينة الناصرية التي يرعبه جرائم سلفه في جسر الزيتون.
واخيرا يعتقد السوداني عبر شن حملة اعتقالات، بامكانه توجيه ضربة وقائية لحماية منصبه ومكانة الإطار التنسيقي في الأوضاع السياسية في العراق. وما نسيتها حكومة السوداني، هي أن الإجراءات التي تقوم بها بالإمكان فقط تأجيل سيناريو حدوث انتفاضة أخرى، لكن لا يمكنه إطفاء تلك الجمرة المشتعلة تحت رماد الانتفاضة. لأن المعضلة السياسية تكمن في بنية السلطة الموجودة او في بنية الطبقة الحاكمة في العراق الغارقة بالجرائم والفساد والعمالة السافرة، والتي لا يمكن لها الحكم دون دعم نظام قروسطي مثلما هو موجود في طهران، ودون السياسات الامريكية الرجعية التي تضفي الشرعية عليها.
ان العاصفة قادمة، كي تلهب تلك الجمرة وتشعل انتفاضة أخرى. ولكن هي ليست عاصفة الحرب الاسرائيلية الفاشية في المنطقة، بل هي عاصفة أخرى ضد الطغيان والظلم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لهذه الجماعات التي نصبت بحراب الغزو واحتلال العراق.