ديسمبر 6, 2024
461322433_945408840956519_4485693649055893975_n

اسم الكاتب : طه العاني

في صبيحة الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، توفي السياسي العراقي أحمد الجلبي بسكتة قلبية حادة وسط منزله في العاصمة بغداد، حسب التصريحات الرسمية.

الموت المفاجئ لرئيس اللجنة المالية في البرلمان العراقي آنذاك، أثار الكثير من التكهنات حول ملابسات وفاته الغامضة وتزامنها مع تصريحاته بشأن ملف شبكات الفساد في العراق الذي كان بصدد نشره.

عن الجلبي يقول النائب السابق أحمد المساري “كنا ننظر إليه بأنه عرّاب احتلال العراق، وأنه هو الذي وضع بذرة الطائفية في البلاد، إلا أنه لم يكن طائفيا في مجال عمله”.

وأشار إلى أنه لمس ذلك خلال عمله معه وساعده في الدفاع عن حقوق المحافظات العراقية.

كفاءة كبيرة

ويضيف المساري للجزيرة نت، كان الجلبي رجل اقتصاد متميزا ولديه كفاءة كبيرة في المجال الاقتصادي، “حينما عملت نائبا له عندما كان رئيس اللجنة المالية مثابرا للبحث عن مصادر التزوير والفساد في العراق، ويبحث عن الجهات التي كانت تفسد في المال العراقي”.

وكانت أبرز محطات الجلبي السياسية عندما كان في المعارضة، بحسب المحلل السياسي إبراهيم الصميدعي، حيث كان الجلبي يرى أن بقاء النظام السابق لفترة أطول يعني بقاء العراق تحت عقوبات أكثر وتحت ضياع أي فرصة في استعادة الدولة.

وينقل للجزيرة نت عن الجلبي قوله “حاولنا أن نعيد الدولة وأن نؤسس لديمقراطية في العراق، لكن في النتيجة أسسنا لنظام فاسد وفاشل، ونظام حتى نظام صدام حسين تحت الحصار كان أفضل منه”.

ويضيف الصميدعي “مرحلة رئاسة اللجنة المالية كانت فاصلة ومهمة في عمل الجلبي، ولم يتغيب عن أي يوم في العمل في البرلمان، أعطى البرلمان حقه”.

من خلال اللجنة المالية تعقب الجلبي كل عقود الدولة والأموال والإنفاق العام في الدولة، ووجد كوارث، بحسب الصميدعي .

تصريحاته حول الفساد

كانت الأشهر الستة الأخيرة من حياة الجلبي حافلة بمقابلات تاريخية تكشف حجم الفساد في العراق، وفق الصميدعي، الذي يعتقد أنه يجب إعادة دراستها في كشف ملفات الفساد.

ويضيف المحلل السياسي “لدي لحد الآن مدونات عندما كنت أجلس معه وأسجل، لكن حينما ظهر هو سببّ صدمة في الرأي العام، لحجم الإنفاق، وحجم الفساد في كل التعاقدات الحكومية، وتتبع مزاد العملة، ومزاد البنك المركزي بالفلس الواحد، ووجد النهايات السائبة فيه”.

ويعتقد الصميدعي أن الجلبي “لو بقي على قيد الحياة لأحرج الجهات القضائية والنزاهة أمام الرأي العام، رغم تعرضه لحملة شعواء عندما تقرب من ملفات الفساد، حيث تحركت ضده مؤسسات إعلامية وأموال ضخمة وتشهير فظيع”.

ويشير إلى أن الجلبي ترك ملفات فساد كبيرة سلمت إلى مرجعيات دينية وسياسية، وإلى البنك الدولي والبنك الفدرالي الأميركي، وهي موجودة وإذا فتحت ستكون كافية لمحاسبة النظام السياسي بشكل كامل منذ عام 2003، بحسب الصميدعي .

من جانبه، يوضح انتفاض قنبر السياسي المقرب من الجلبي، أن الأخير كان أحد خبراء المال والمصارف على المستوى الدولي، لذلك كان يعلم ما يحصل داخل العراق من فساد، إضافة إلى عمله في مناصب عدة في الحكومة العراقية.

وعن أسباب تأخر الجلبي في الكشف عن ملفات الفساد وإظهارها إلى العلن، يقول قنبر، الجلبي كان يحاول حل هذه الملفات بطريقة هادئة مع بعض الأطراف السياسية، لكن ذلك لم يكن ممكنا.

وفي رأي آخر، ذكر مصدر حكومي خاص -طلب عدم الكشف عن اسمه- أن الجلبي شخصية سياسية تشوبها الكثير من علامات الاستفهام، ومن المستحيل أن يحارب الفساد، لأن أحد أبرز مساعدي الجلبي كان من حيتان الفساد وجمدت أمواله في قضية غسل أموال، وفق المصدر.

وأبدى المصدر نفسه للجزيرة نت، استغرابه الشديد مما يشاع مؤخرا حول محاربة الجلبي للفساد، مؤكدا أن الجلبي كان لديه مشروع خاص ظاهره مكافحة الفساد ولكن له أهداف أخرى، على حد تعبيره.

مزاد العملة

ملف فساد العملة وبيعها في البنك المركزي كانت أبرز المواضيع التي تابعها الجلبي، بحسب المساري، مؤكدا امتلاك الجلبي ملفات مهمة وخطيرة جدا في هذا الموضوع.

ويضيف المساري أن الجلبي كان يحذر دائما من انهيار الاقتصاد العراقي إذا ما استمرت الحكومة في سياستها، لافتا بالقول “نجد العراق اليوم يعيش ما كان يحذر منه الجلبي”.

ويؤكد عضو اللجنة المالية النيابية أحمد حمة رشيد أن للجلبي دورا في كشف فساد مزاد العملة وما يخسره العراق من هذا المزاد، وعدم ارتباط مزاد العملة بالضريبة والإدخال الجمركي.

من جانبه، يكشف رئيس مؤسسة النهرين لدعم الشفافية محمد رحيم، الكثير من شبهات الفساد، في مزاد العملة الذي بات مصدر تمويل للكثير من الأحزاب.

وينوّه للجزيرة نت إلى ازدياد شركات الصيرفة بشكل كبير، ففي عام 2011 كانت 300 شركة صيرفة، وبعد ظهور تنظيم الدولة 2014 تصاعدت إلى 2000 شركة، واليوم هي 2500 شركة، بحسب رحيم.

ويبيّن أن هذه الشركات تقطع من البنك المركزي قطوعات أسبوعية بقيمة 100 ألف دولار، وهذه مبالغ ضخمة على عدد شركات الصيرفة، ويجري تهريبها إلى الخارج، ولا توجد لها أي أثر، مجرد فواتير وهمية، ولا تخضع للضرائب.

إفلاس العراق

“سترون خلال 10 أعوام أن الدولة تفلس ولا تستطيع دفع الرواتب”، تحذيرات دأب الجلبي على إطلاقها في كل مناسبة يهاجم فيها اعتماد الحكومة على النفط، كما يقول رشيد.

ويؤكد الصميدعي أن العراق انزلق فعلا إلى الإفلاس، فأسعار النفط لا يمكن أن تغطي رواتب موظفي الدولة.

ويتابع المحلل السياسي “العراق الآن وصل قمة الإفلاس وهو بحاجة إلى سياسات شد بطون وتخفيض إنفاق الحكومة”.

ويشكك الصميدعي في قدرة النظام الحالي على اقتراح حلول حقيقية لإنقاذ الدولة، عن طريق علاقات متوازنة مع الجميع، وترحيب بالاستثمار، بلا عداء مع أحد ولا سلاح ولا أيديولوجية ولا قومية أو طائفية أو عشائرية.

ملابسات وفاته

ملاحقة الجلبي لملف فساد مزاد العملة وتحذيره من انهيار الاقتصاد العراقي، وتركيزه على ملفات الفساد، قد تكون السبب في طريقة وفاته الغامضة، كما يرى المساري.

مبديا شكوكه في أن أحمد الجلبي قد تمت تصفيته باستخدام السم، لأنه كان يبحث في ملفات خطيرة جدا، لافتا إلى أن هذا الأمر لم يثبت حتى الآن.

في حين شدد رشيد على أن الجلبي كان يتمتع بصحة جيدة، وكان دائما يمارس الرياضة وكان يهتم بأموره الصحية، ولم يشتك يوما، كان من ملامح وجهه وهندامه، يظهر بصحة تامة، منوها إلى أن وفاة الجلبي أصبحت لغزا، ولحد الآن لم تستطع الأجهزة العراقية ولا المخابرات حل هذه اللغز.

أما قنبر فيرى أن ملابسات وفاة الجلبي حولها الكثير من الشكوك، ويعتقد أنه تم اغتياله، خاصة أنه تلقى تهديدات وتلميحات كثيرة من بعض الشخصيات السياسية.

ويشير قنبر إلى أن الجلبي كان غير مقتنع ببعض أداء الكتل السياسية، وكان يفكر بالانفصال عنها وتشكيل تحالف جديد، لافتا إلى أن ذلك يعد إثباتات غير مباشرة عن اغتياله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *