اسم الكاتب : رفعت الزبيدي
الآن وبعد أن ودع العراق شخصية وطنية مهمة (الدكتور أحمد الجلبي) رئيس المؤتمر الوطني العراقي، أصبح لزاما تأبينه بكلمة ووجهة نظر من عمل في إحدى مؤسسات المؤتمر الوطني من خلال هيئة الارسال العراقية عام 1992 في مصيف صلاح الدين من اقليم كردستان العراق. صحيح ان الفترة الزمنية كانت لاتتجاوز الأربع سنوات لكنها كافية في رأيي الشخصي لتكوين رؤية مهنية حول شخصية الدكتور الجلبي رحمه الله. حيث اثيرت حوله الكثير من علامات الاستفهام والملاحظات سواء من مؤسسات اعلامية او سياسية واستطيع أن أقسم تلك المواقف الى أهمها:
أولا/ جهات مرتبطة بالنظام السابق في مرحلة المعارضة العراقية وهذا امر طبيعي للصراع بين المعارضة والسلطة الحاكمة ومن أهم ملفاتها هو بنك البتراء الأردني وقد أشار ولي العهد الأردني السابق الحسن بن طلال شقيق العاهل الاردني السابق الحسين بن طلال، أشار في حديث تلفزيوني له عن خلفيات موضوع بنك البتراء وكيف أنه شخصيا قام بمساعدته على الخروج من الاردن لوجود مكيدة مشتركة بين المخابرات الاردنية ومخابرات نظام صدام حسين آنذاك، ويبدو أن الأمير الحسن بن طلال أراد أن يقابل الجلبي بصنيع حسن عندما منحه بنك البتراء قرضا لتمويل مشاريع تربوية في الاردن وكجزء من العرفان للجلبي قام بتسهيل عملية الهروب من الاردن. نستطيع ان نقول أن احتمالية المكيدة السياسية وتلفيق تهمة كهذه امر محتمل في الصراع بين النظام الحاكم والمعارضة.
ثانيا/ جهات قومية وطائفية خسرت امتيازات نظام صدام حسين بعد سقوطه عام 2003 وهؤلاء كانت مواقفهم العدوانية ضد الدكتور أحمد الجلبي واضحة في وسائل الاعلام التابعة لهم.
ثالثا/ جهات سياسية تمثل صراع الاجندة الحزبية والتكتلات بعد العام 2003، من الطبيعي تبني ملفات وان كانت مثار شكوك فقط لإثارة الراي العام وهو جزء من صراعاتها القديمة كذلك، على سبيل المثال كان التنافس واضحا بين الدكتور احمد الجلبي (رئيس اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني العراقي الموحد) والدكتور أياد علاوي (رئيس حركة الوفاق الوطني) في مرحلة المعارضة ضد نظام صدام حسين بعد العام 1992. من عمل في مؤسسات المؤتمر الوطني يتذكر جيدا كيف أن حركة الوفاق الوطني كانت تقدم مبلغ مايقارب 300 دولار امريكي لكل من يترك مؤسسات المؤتمر الوطني ويلتحق بحركة الوفاق الوطني.
رابعا/ عصابات المافيا، تمثل هذه العصبة تهديدا خطيرا للعراق وهي متنفذة في هيكلية مؤسسات الدولة العراقية حتى أن الدكتور احمد الجلبي عبر عن ذلك بعبارة خطيرة جدا في اخر لقاء تلفزيوني معه أجرته قناة الحرة قال نصا “الدولة العراقية مبنية على أساس حماية الفاسدين”. هذه النقطة في رايي الشخصي أخطر المواقف ضد الدكتور احمد الجلبي خصوصا وان الرجل قام بفتح ملفاتها بشكل مهني واصبحت الرؤوس الكبيرة والمتورطة في ملفات الفساد ضمن القوائم المطلوبة بعد ان تم عزل أحد القضاة الفاسدين في العاصمة بغداد. وأعتقد أن الشبهات التي تحوم حول اسباب وفاة الدكتور الجلبي لها مايدعمها اذا ماتتبعنا تصريحات الجلبي في الشهرين الأخيرين وتهديده بكشف الحقائق الى الراي العام ان لم تتحرك الحكومة والبنك المركزي العراقي واعطى مهلة زمنية لاتتجاوز الشهر.
خامسا/ جهات اقليمية ودولية قد يكون من مصلحتها الان انهاء ملف الدكتور احمد الجلبي مستغلين في ذلك الصراع مع عصابات المافيا في ملفات الفساد، العراق أرض خصبة وحاضنة للتصفية اما عن طريق الاغتيال المباشر أو غير مباشر وهذا مايحتاج الى تشريح للجثة للوقوف على حقيقة اسباب الوفاة، خصوصا اذا ما علمنا ان شخصية كالجلبي الذي عاش خارج العراق فترة زمنية خصوصا في الولايات المتحدة الامريكية حيث الاهتمام بالكشف الصحي الدوري للإنسان فيما يتعلق بأمراض كثيرة منها القاتلة والمرتبطة بالقلب او الدماغ مثلا، لااعتقد ان الدكتور احمد الجلبي مهمل في هذا الأمر.
في الجانب الاخر فان تأبيني لشخصية مهمة كالدكتور احمد الجلبي هو جزء من الوفاء له فهو من له الفضل في تمرير مشروع تحرير العراق واسقاط نظام صدام حسين وقد كتبت في مقالات سابقة أن أغلب ماتحقق في العراق بعد العام 2003 كسقوط النظام الدكتاتوري واقامة عراق برلماني تعددي يحترم حقوق الانسان قد تحققت ولكن عصابات المافيا السياسية شوهت تلك الشعارات والاهداف التي ناضلنا في مرحلة المعارضة العراقية لتحقيقها على أرض الواقع.
لو أن هناك انصافا وعقلاء يديرون العملية السياسية في العراق لأفسحوا المجال الى الدكتور احمد الجلبي صاحب الفضل الكبير عليهم أن يكون له موقع مهم في اعادة بناء الدولة العراقية ولكن أحزابا وشخصيات نكرة في المشهد السياسي العراقي هي التي تتحكم في مفصلية القيادة وهي قيادة وهمية وكاذبة بل أسميهم بلقطاء العملية السياسية.
هناك مراحل مهمة من تاريخ العراق يجب ان تكون علما للدكتور احمد الجلبي رحمه الله ونرفع قبعاتنا احتراما له. ففي الجانب الاعلامي برزت القضية العراقية في المحافل الدولية بشكل اوسع من خلال النشاط الاعلامي للمعارضة العراقية ومن خلال هيئة الارسال العراقية حيث كانت أشبه بوكالة أنباء معترف بها تزود وسائل الاعلام بكثير من الاخبار والتقارير عن الوضع الداخلي في العراق من حيث جرائم نظام صدام حسين وانتهاكات حقوق الانسان وتوثيقها في المنظمات الدولية ولجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية بالاضافة الى الوفود الاوربية وهي تزور اقليم كردستان العراق للاطلاع على اوضاع الاقليم وعمل مؤسسات المؤتمر الوطني.
أذكر انه وخلال زيارات وفد المؤتمر الوطني الى اوربا والولايات المتحدة الامريكية عام 1993 قدم مشروع اقامة منطقة حظر الطيران جنوب العراق على غرار شماله ولكن المملكة العربية السعودية بمكرها وضغطها حال دون ذلك بالاضافة الى عوامل اقليمية مرتبطة بالشأن العراقي.
ان من اهم منجزات عمل الدكتور احمد الجلبي تقديم لائحة تجريم صدام حسين وعددا من رموز نظامه وقد تم تبني تلك اللائحة. أما في اقليم كردستان العراق وخلال الاقتتال الاخوي بين الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني عام 1994 كان الدكتور الجلبي محورا مهما واساسيا في انهاء الصراع بين الفصيلين الكرديين وتثبيت كثير من بنود اتفاق السلام بينهما.
كذلك كان له الدور المهم في ادارة عمل مؤسسات المؤتمر الوطني العراق ضد نظام صدام حسين في المحافل الدولية حيث انفتاح الدول الكبرى ودول الاتحاد الاوربي على المعارضة العراقية رغم الصراع الخفي بين أطراف المعارضة.
ان من يستحق التأبين هو العراق بفقده شخصية مهمة كالدكتور احمد الجلبي. ولو أن منصفا من الوطنيين العراقيين يقرأ مقالتي التأبينية هذه ويراجع تاريخ الدكتور احمد الجلبي بعيدا عن الشبهات المثارة ودوافعها فانه سينصف الرجل ويدعوا الى فتح تحقيق حول ملابسات وفاته. لكنني أشعر بالخيبة ممن يعملون معه فهذه واحدة من المؤاخذات على شخصية الجلبي رحمه الله، من يعملون معه بعد العام 2003 لايملكون الكفاءة او قسم منهم أصبح عبئا عليه وعلى المشروع الوطني المهم الذي يحمله الدكتور أحمد الجلبي، ربما اكون مخطئا او مصيبا في بعض مما أشرت. رحمك الله أبا هاشم وأعطاك من الفضل لمن أنقذ العراق من محنته الطويلة مع صدام حسين وحزب البعث، فقد كنت أصدق وأشجع ممن عرفهم تاريخ العراق الحديث مع العالم الفقيد الشهيد محمد باقر الصدر.