ديسمبر 7, 2024

الكاتب : ليث شبر

لطالما عُرف العراق بتنوعه الثقافي والحضاري، إلا أن هذا التنوع تحول في العقود الأخيرة إلى ساحة صراع وتنافس على السلطة والموارد.
تمثل هذا في نظام المحاصصة المكوناتية، الذي فرض نفسه على المشهد السياسي العراقي بعد عام 2003، وكان له الأثر البالغ في تقويض أركان الدولة وتأجيج النعرات الطائفية.
هذا النظام، الذي كان يُنظر إليه في البداية كحل مؤقت لمعالجة التنوع العراقي، تحول إلى عقبة كأداء أمام بناء دولة المؤسسات والقانون، وأدى إلى تفاقم الأزمات التي يعاني منها العراق.

لم ينشأ نظام المحاصصة الذي يعتمد تقسيم المكونات الاجتماعية في العراق من فراغ، بل هو نتاج مجموعة من العوامل التاريخية والسياسية والاجتماعية المتداخلة. فبعد سقوط نظام صدام حسين، وجدت القوى السياسية العراقية نفسها أمام فراغ سياسي كبير، مما شجع على التنافس الشديد على السلطة والموارد. وفي ظل غياب مؤسسات الدولة القوية، اتجهت هذه القوى إلى تقسيم السلطة والمناصب على أساس طائفي ومذهبي وقومي ، بهدف ضمان تمثيل كل مكون من المكونات الرئيسية في المجتمع العراقي.
وقد لعب الاحتلال الأمريكي دوراً حاسماً في ترسيخ نظام المحاصصة في العراق. فبعد الإطاحة بالنظام السابق، سعت الولايات المتحدة إلى بناء نظام سياسي جديد في العراق، اعتمدت فيه على القوى السياسية العراقية الموجودة.
وفي ظل غياب رؤية واضحة للمستقبل، فضلت الولايات المتحدة اللجوء إلى تقسيم السلطة بين المكونات الرئيسية في المجتمع العراقي، كضمانة لاستقرار سياسي هش. وقد أسهم هذا النهج في تعزيز الهويات الطائفية والعرقية، وتحويلها إلى أساس للتنافس السياسي المشؤوم.

لقد أحدث نظام المحاصصة آثاراً سلبية عميقة على مختلف جوانب الحياة في العراق، منها:
_السياسية: ضعف المؤسسات، تعميق الانقسامات، عرقلة الإصلاح، وتدني مستوى الأداء الحكومي.
_ الاقتصادية: الفساد المستشري، تدهور مستوى المعيشة، هروب الاستثمارات.
_الاجتماعية: تدهور الخدمات العامة، زيادة معدلات العنف، هجرة الكفاءات.
_الأمنية: انتشار السلاح، ظهور الميليشيات.
_ الثقافية: تشويه المفاهيم، تغييب الحقائق. انحدار ثقافي عام..
كل هذه وغيرها من الآثار السلبية غيبت الهوية الوطنية وخلقت مجتمعا مشتتا ودولة ضعيفة سائبة مخترقة السيادة ولاتمتلك قرارا وطنيا..

ولتجاوز هذه المرحلة، يجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات الجذرية، أولها تغيير النظام الانتخابي ومنظومته كليا ليكون قادرا على إنتاج برلمان يعزز الهوية الوطنية والذي من خلاله يمكن البدء ب :
أولا.. بناء دولة المؤسسات: العمل على بناء دولة مؤسسات قوية، حيث يسود القانون والعدالة، وتكون جميع المواطنين متساوين أمام القانون.
ثانيا.. تعزيز مفهوم المواطنة: العمل على تعزيز مفهوم المواطنة، وتقوية الهوية الوطنية العراقية، والحد من الهويات الفرعية.
ثالثا.. الإصلاح السياسي: إجراء إصلاحات سياسية شاملة، تشمل تعديل الدستور وتطوير القوانين ، بما يضمن العدالة الاجتماعية .
رابعا.. مكافحة الفساد: مكافحة الفساد المستشري في جميع مؤسسات الدولة، واتخاذ إجراءات حاسمة ضد المفسدين.
خامسا.. بناء اقتصاد قوي: العمل على بناء اقتصاد متنوع وقوي، يعتمد على القطاع الخاص، ويخلق فرص عمل للشباب.
سادسا.. تعزيز دور المجتمع المدني: دعم دور المجتمع المدني والأحزاب السياسية التي تؤمن بالديمقراطية والمواطنة.
سابعا.. الحوار الوطني: تشجيع الحوار الوطني الشامل بين جميع القوى السياسية والمجتمعية، للوصول إلى توافق حول مستقبل العراق.
خاتمة:
إن نظام المحاصصة المكوناتية كان تجربة فاشلة مريرة، أثبتت عدم قدرتها على تحقيق الاستقرار والتنمية في العراق. ولقد أدى هذا النظام إلى تعميق الانقسامات الطائفية والعرقية، وفشل في بناء دولة المؤسسات والقانون.
أما الحلول المقترحة فهي تتطلب جهداً مضاعفاً من جميع الأطراف، وتحتاج إلى وقت طويل لتحقيق نتائج ملموسة. ولكن البديل عن هذه الحلول هو المزيد من الفساد والعنف والانهيار.
إن العراق بلد عريق، يتمتع بثروات طبيعية وبشرية هائلة. ويمكن لهذا البلد أن يستعيد مكانته بين الأمم، وأن يكون نموذجاً للتعايش السلمي والتسامح. ولكن هذا يتطلب تغييراً جذرياً في النظام السياسي، والابتعاد عن المحاصصة المكوناتية، والعمل من أجل بناء دولة علمانية ليبرالية مدنية ديمقراطية.
إن بناء الأوطان لا يكون بالكلمات، بل بالأفعال. دعونا جميعاً نعمل معاً من أجل بناء عراق جديد، عراقنا جميعاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *