الكاتب : مصطفى منيغ
في المملكة المغربية (من يؤيدون الصهاينة) لا يتجرَّؤون على الظهور ، وإن فعلوا فالخوف راكب فوق رؤوسهم مقلدين ركوض الثور ، صوب أمكنة لا تفارقها حراسة رجال الأمن بكيفية لا مثيل لها عبر المعمور ، إذ من الصعب مراقبة حركة الكراهية المطلقة في عقول لها موقف خفي لمثل الأمور ، ومنها فقدان الثقة في مثل الذين ابتلي المغرب بهم منذ سالف العصور ، فما كان البعض منهم أن يناصروا صهاينة إسرائيل وينسوا الذي احتضنهم الواقف شعبه ضد تصرُّف أي حيوان مسعور ، لم يجد مَن يلجمه حتى انتقل إلى لبنان ليواصل نهش عظمها بعد لحمها لأجَلٍ غير منظور ، غير حافلٍ بوخز ضمير ولا ملاحقة عَدلٍ بحبل مشنقة على عنقه يدور ، لترتاح منطقة الشرق الأوسط من عبثه بأشلاء المدنيين الأبرياء المشتتة بين طرقات غزة والضاحية الجنوبية اللبنانية وأطراف من سوريا وغداً قد يشهد العراق نفس الهمجية مِن بَغْدادِهِ مجرور ، فاقداً ما كان عليه مِن تاريخ يضفي على متصفحه الشعور بالسرور، مستقبِلاً سواد تبعية قد تمحي مجده من قاموس البلاد المشرقة بالتطور المحترم والنماء الوقور ، ليتم الحاقه بمن شأنها كوجودها في خانة النسيان مغمور . في المملكة المغربية لامناص من بروز مَن يتخذ مثل الوطن المستقر الآمن مجرد مطية يركبها لتحمله صوب تل أبيب محملاً بما يزيد الغاصبين على الهيجان بدل الفتور ، إذ ما يحصل الآن في فلسطين يجعل الحجر يلين أنيناً بدل أن يشتد صلابة وقسوة كقلوب صهاينة منها الحق مهجور ، والباطل المزهو بالنفاق والحقد الدفين في الأعماق والجرم المعزز بالفجور ، ساكن داخلها مهما استقر بهم المقام تحت مظلة المسكنة مَن تعلوها ما لا تتحمله كوصف بضع سطور ، إن عمدنا الحديث المقارب للحدث وليس بدبلوماسية التعبير محصور ، إذ من يحمل الجنسية المغربية حتى من اليهود هم لنا ومنَّا أن ظلوا على هُدَى موقف المغاربة المؤيد بلا قيد أو شرط أشقاءهم الفلسطينيين على أرض كل فلسطين ، أما إن كان هؤلاء اليهود جسدهم بموجب هذه الجنسية مع مغاربة المغرب وعقولهم كقلوبهم مع صهاينة إسرائيل فمصيرهم بمثل ما وصفناهم به على جبينهم ما عمَّروا وسط هذا البلد الشريف محفور .
… عكس ما ظن البعض لا نكره اليهود المغاربة هم مواطنون يقاسموننا الحقوق والواجبات في هذا الوطن الذي نفتخر بالانتساب اليه وعليتا احترام مبادئ وقيم وإرادة شعبه العظيم حفظه الله ونصره ، وفي هذه المسألة بالذات كان وسيكون مع الحق الفلسطيني وتحرير الأرض الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي الغاشم وانتهى الأمر ، فلا التطبيع مع ذاك الكيان الدخيل يعنيه ولا للمتحمسين له يرتاح ، الدليل في كوني لا أكره يهود بلدي أتواجد الآن في مدينة سبتة ملبياً طلب يهودية أحبها ، امرأة قضت جل حياتها مساندة المقاومين الفلسطينيين ، مؤيدة بقوة حقهم في تأسيس دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس ، مضحية بنفسها والمنصب السامي الذي كانت تشغله في إسرائيل انطلاقاً من إقامتها في بروكسيل .
إحساسٌ عجيبُ يجتاحُني كلما طرقَت الذكرى وولجت ذهني دون استئذان ، تعيدني لنفس الحدث وكأنني أجسِّم نفس الدور في رواية مرحلة محددة من حياتي ، احتفظَ بها الزمن ليسترجعها حيالي صوتاً وصورة بنفس الدقة للأصل دون إضافة أو نقصان ، (كأنها مُعاشة للتو على بساطِ الواقعِ وليست منزوعة من عُمقِ الخيال ، بعد التغلُّب على إزاحة ضباب نسيان مُلتصق بالفعل عن قصد ، بعامل التقدُّم في العمر المُقَدَّر) عَليَّ كلما زرتُ هذا المكان الكائن في مدينة “سبتة” التي استحوذت من أيام الصبا على لب ما في الاهتمام من اهتمام ، متَى تعلَّق الأمر بالخطوات الأولى فوق طريق طموحاتي العاطفية صراحة ، “سبتة” التُّحفة الإستراتيجية المذلَّلة بين صفحات التاريخ الوطني المغربي الإسباني ، صابِرة على وضعيتها المتذبذبة بين عاملي التملُّك الأصلي الأصيل ، والملزم عن موقف مسؤولَين اثنين ، أحدهما منتصر استحوذ بنفوذه السلطوي عن قوة وعلى نفس النمط لتواجده داخل مساحتها حتى اللحظة استثمر ، وآخر منهزم يظلّ صامتاً لقرون يرَى جزءاً من كيانه مُلحقاً بالغير ولا حولَ له حتى لإعدادِ أي عُدَّة كفيلة باسترجاعه ، عن أسباب جد معروفة ، لا مجال لذكرها هنا جملة أو اختصارا ، ساحة أفريقيا اسم المكان الدائري الشكل المتوسِّط قلبها النابض حيوية ، مَجْمَع قصر الحكم الذاتي ، وكنيسة سيدة إفريقيا ، ومقر القيادة العامة للجيش الاسباني ، وفندق شهير ، حيث في نواة ذات الدائرة أقام المهندس العسكري “خُوسِيهْ مَدْرِيدْ رْوِيسْ” نصبا تذكاريا لمجسم قتلى حرب 1859/1860 التي طالت البقعة ، و تمَّ افتتاحه الرسمي سنة 1895 بعدما أضاف اليه النحَّات اَنْطُونِيُو سُوسِيلُو نقوشاً تضفي عليه هالة من إعجاب الزوار . هنا الموعد المضروب مُسبقاً مع القادمة من “بروكسيل” للقاءٍ بعد فُرْقَةِ بضع سنين أملَتْها علينا معاً ظروف لا يد لنا فيها بتاتاً ، بل للبِعاد وتباين قرارِ الاستقلال بحياة كل منا الشَّخصية بعد التحام وانسجام لأعوام سالفة اعتبرتُها الأحلَى والأسعد كما عَرَّفَ بها ملف إقامتي في الديار البلجيكية ، شمعة مضافة لأخريات ثلاث استضاءَت دياجير عواطفي وقتها ، بدت بوجهها الصبوح المزين بسعة جفنين ووجنتين محتفظتين لنفس اشراقة شباب أنثى لا يُقارَن جمالها مهما كان الطرف المُقارن به آية في الجمال ، تتباهى بمشيتها المحسوبة الخطوات ، المحسومة بدقة الاتجاه ، المتسارعة غالِباً لمعانقة مَن تهوَى مُذ عشرات السنين ، ولا تزال مخلصة لمعاشرته في الحلال كظل الظل أينما حل باعِثه وارتحل ، في الحقيقة أو الخيال ، لقوَّة تفوق حب الحُبّ ، المتمكِّن لدى ثنائي تعاهدا على الإخلاص ما بقي في عمرهما من آخر ثواني أو أقل ، حب لا يعترف بنضج أو كهولة وصال ، ولا بالمباشر أو غيره في وَحدةٍ جامعة بينهما داخل أي مكان ، مهما كان الزمان ، اليوم أو من خمسة عقود لا فرق ، فالبوصلة لا زال مؤشِّرها ثَابِت على نفس المتصاعد منهما إقبالاً للحنان بلا كلَل أو ملل ، مع كل استنشاق لهواء متعة الحياة عندهما كامرأة موقَّرة مُحترمة ورجل لجذور الأصالة الأصيلة في أقواله كأفعاله واصِل، براحة ضمير ، وتصرُّفٍ بالطبيعي يُنير وللحق في الحق لاهتمام الرقباء يُثير .
أحاسيس منعشة للتفكير بما في الأهمية من أهمية المعنى ، حيث تتجلَّى الذِّكرى شريطاً مَرْئِياً ببصيرة يقِظة عن حق ، ولو مستأذناً الخيال عدم التدخُّل بضبابيةٍ حليفةِ النِّسيان ، المرافقة مرات تاريخ إنسان لم يذق صراحة طعم الحب إلاَّ ثلاث مراث ، وحتى لا يتيه جَمَعَ صاحباته المشاركات مباشرة في حدوثه كاستمراره على نفس المستوى ، واحدة منهن ما انتظرها في نفس المكان الذي تعودنا اللقاء فيه داخل مدينة “سبتة” التي لها وقع خاص في نفسيتي منذ أيام الصبا والشباب وحرية مرحلة تتبعهما مقيَّدة بمسؤولية التصرف وفق قناعاتي المستمدة من مبادئ اتخذتها دستور إقامتي أينما حللتُ عبر العالم ، متضمناً سلسلة قوانين خاصة تلائم انتسابي لوطني المغرب أولاً ، ثم لِما أقوم به خدمة لنفسي ولصالح الإنسانية دون اعتبار لجنسٍ أو لونٍ أو عقيدة ، مُحترماً أراء الآخرين لأحترم قبلهم أرائي ، وأناضل عنها بالتي هي أقوم ، مهما كانت الظروف وكيفما واجهتني من عوامل ، إذ الدفاع عن حقوق الناس وإن انتسبوا لدولٍ جد متقدمة وعلى صعيد القارات ، ليس بالأمر المتروك للصدفة ، بل التزام وإن حَصَلَ في إطار التطوّع عن طيب خاطر ، يبقَى متبوعاً بالعديد من الشروط ، منها الوفاء وعدم الانحياز ، وأخذ الأمور المُعالَجة إتباعاً لواقع الموقع المعني ، وليس تعميماُ للتشابه أو الاختزال مادام الحلّ يقتضى الدراسة المعمَّقة لكل قضية مطروحة على حدة ، والشراكة المتواصلة مع أعضاء الفريق المكلف عن جدارة واستحقاق لمسايرة البحث والتقصي قبل إصدار أي تقرير يستقر بين أيادي واضعي القرار حيث التعاون الدولي في إحلال الأمن من أجل السلام بين جميع البشر ، حقيقة تُلمَس بما طرأَ على العالم مِن تحسُّن انطلاقاً من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى الآن ، الإشارة الواضحة لبعض التجاوزات والخطيرة أحياناً الملتصقة بالموضوع ، بمقدار جزء لا يُستهان به من السلبيات بسبب بعض الدول وفي مقدمتها إسرائيل الموصوفة بالسبق في نقش اسمها المغضوب عليه ، وليس كتابته في صفحة من صفحات التاريخ الإنساني العام فقط ، وما هي إلا لحظات وجيرة حتى أقبلت عليَّ تلك المرأة الرائعة التي ما زادتها السنون على الأعوام الفائتة غير هيبة جمال يُبهج الخاطر محلقاً به في علياء السعادة السعيدة حقا ، وليست المصطنعة عن تأثير ظرف معيَّن ، إنها “البهلولية” اليهودية المغربية البلجيكية الجنسية رفيقة دربي خلال مسيرتي الأوربية انطلاقا من العاصمة بروكسيل إلى ما شاءت لحظة الفراق على أمل تجدد اللقاء حينما قررت العودة لبلدي المغرب لأمارس مهنة المتاعب عن قواعد علمية متكاملة الأركان قانوناً واحترافاً ، طلبت لقائي هنا لأمر لا ينفع النقاش فيه بوسائل وتقنيات الاتصال عن بعد ، التي بقدر ما تطورت لَحِقَ بها السطو والتصنت على الأسرار من طرف من جعلتهم المخابرات رقباء بلا رحمة على من يتوسمون فيهم فكراً حراً لا ينبطحون عن خيانة أو بيع ضمائرهم دون خجل من فقدانهم السيادة على نفسهم ليصبحوا ورقة هشة تتقاذفها رياح مصالح معينة تسعى لامتلاك كل حقوق الغير ، لتكون إسرائيل وحدها في طليعة الهيمنة دون مضايقة أحد أكان من الأشخاص بما فيهم الذكور والإناث أو الدول السائرة في طريق النمو كالمتقدمة لا فرق ، نعني الموساد الإسرائيلي المطوِّق أعناق اليهود قبل غيرهم ليكونوا جنوداً في خدمة الصهيونية العالمية التي اتخذت ارض فلسطين مقراً لها بالمعروف من الطرق .(يتبع)
مصطفى منيغ
مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدنس – أستراليا
سفير السلام العالمي