الكاتب : فاضل حسن شريف
التعامل مع الجار من مستلزمات السياسي الناجح. جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قال الله تعالى “وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُورا” ﴿النساء 36﴾ لما أمر سبحانه بمكارم الأخلاق في أمر اليتامى، والأزواج، والعيال، عطف على ذلك بهذه الخلال المشتملة على معاني الأمور، ومحاسن الأفعال. “والجار ذي القربى والجار الجنب”قيل: معناه الجار القريب في النسب، والجار الأجنبي الذي ليس بينك وبينه قرابة، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن زيد. وقيل: المراد به الجار ذي القربى منك بالإسلام، والجار الجنب: المشرك البعيد في الدين. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الجيران ثلاثة: جار له ثلاثة حقوق: حق الجوار، وحق القرابة، وحق الإسلام. وجار له حقان: حق الجوار وحق الإسلام. وجار له حق الجوار: المشرك من أهل الكتاب). وقال الزجاج: والجار ذي القربى: الذي يقاربك وتقاربه، ويعرفك وتعرفه، والجار الجنب: البعيد. وروي أن حد الجوار إلى أربعين دارا، ويروى إلى أربعين ذراعا. قال: ولا يجوز أن يكون المراد بذي القربى من القرابة، لأنه قد سبق ذكر القرابة. والأمر بالإحسان إليهم، بقوله: “وبذي القربى”، ويمكن أن يجاب عنه بأن يقال: هذا جائز، وإن كان قد سبق ذكر القرابة، لأن الجار إذا كان قريبا فله حق القرابة والجوار، والقريب الذي ليس بجار: له حق القرابة فحسب، فحسن إفراد الجار القريب بالذكر.
تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع عرفان عن شخصية الرسول السياسية: 3_ سياسته الاقتصادية: أ_ استنباط الثروات الطبيعية: الثروة الحقيقة هي الثروة التي تشكل زيادة في الدخل العام للدولة، واستنباطُ المعادن من جوف الأرض، واستنبات الزّرع بأنواعه في الأرض من هذه الثروة الحقيقية، ولذلك تبنّى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم سياسة التشجيع على الزراعة عندما قال: “ما من مُسلم يغرسُ غرساً أو يزرعُ زرعاً فيأكلُ منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ إلاّ كان له به صدقة”. ولما أراد رسول الله أن يُجلي يهود خيبر عن أرضهم قالوا له: دعنا نكون في هذه الأرض نُصلحُها ونقوم عليها، فنحن أعلم بها منكم _ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا لأصحابه غلمانٌ يكفونهم مؤنتها _ فدفعها إليهم، على أنّ لرسول الله الشطر من كل شيء يخرج منها من ثمر أو زرع، ولهم الشطر، وعلى أن يقرهم فيها ما شاء. فنحن نرى ان رسول الله ما ترك أهل خيبر في أرضهم إلا لحرصه على تنشيط الزراعة واستغلال الأراضي الزراعية أحسن استغلال. وليس هذا فحسب، بل عمل رسول الله على أن لا يبقي في دولة الإسلام أرضاً ميتة غير مستغلة فقال: “من أحيا أرضاً ميتة فهي له” وقال: “من أحيا أرضاً قد عجزَ صاحبُها عنها وتركها بمهلكة فهي له”. ب_ عدم امتلاك ما تعلق به نفعٌ عام: المعروف أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقرَّ الملكية الفردية بشروطها المعروفة، ولكنه لم يُبح امتلاك عينٍ تعلقت بها منفعة عامة للمسلمين، كالمساجد والطرقات والمراعي والممالح ونحو ذلك، فقد وفد أبيضُ بن حمّال إلى رسول الله فاستقطعه الملح الذي بمأرب، فقطعه له، فلما أن ولّى قال رجلٌ من المجلس: أتدري ما قطعت له يا رسول الله؟ إنما قطعت له الماءَ العِدَّ، قال: فانتزعه منه، لأن الملحَ مما يتعلق به نفعٌ عام، ولا يستغني عنه أحدٌ وهو من صنع الله لا دخل لحد في صنعه. وسأل ابيضُ بن حمال رسول الله أني يعطيه شجر الأراكِ في البراري، فأعطاه ما بَعُدَ عن العمارة منه فلا تبلغه الإبلُ السّارحةُ إذا أرسلت في المرعى، لأن القريب منه يتعلق به نفع عام، حيث يحتاجه الناس لتنظيف أسنانهم. وطلب حُريث بن حسان _وافدُ بني بكر بن وائل _ حين وفد على رسول الله أن يخصص لبني بكر أرضاً لا يدخلها من بني تميم إلا مسافر أو مجاور، فقال رسول الله: اكتب له يا غلام بالدهناء، فقالت لرسول الله امرأة: يا رسول الله، إنه لم يسألك السّوية إذ سألك، إنما هذه الدهناء عندك مُقيّد الجملِ ومرعى الغنم، ونساء تميم وأبناؤها وراء ذلك، فقال رسول الله: “أمسك يا غلام، صدقتِ المسكينة، المسلمُ أخو المُسلمِ يسعهما الماءُ والشجر، ويتعاونان على الفتان” _أي الشيطان _. ج_ التوجيه نحو العمل: نظراً لأنتشار الرقيق وكثرته في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان كثير من الأحرار يأنفون من مزاولة المهن اليدويّة، بل كانت تسميتهم العمل اليدوي بالمهنة تعبيراً عن أنَفَتِهم منه. ولكن رسول الله رأى أنه لا تقومُ دولةٌ ولا يُبنى اقتصادٌ إلا بالعمل اليدوي الذي يمارسه أهل البلاد، وإن الاعتماد في الاقتصاد على أيدٍ غريبة يعرّض الاقتصاد إلى هزات عنيفة ليست في مصلحة الدولة أن تتعرض لها، ولذلك كان رسول الله يوجّه أصحابه المؤمنين نحو العملِ اليدوي ويقول: “من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له”. د_ عدالة الأسعار: وكان رسول الله يعملُ على استقرار الأسعار، ويمنعُ من التلاعب بها عن طريق التغرير بالبائعين وشراء السلع منهم قبل تعرفهم على السّعر الحقيقي لها، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن تلقي البُيوع، أو عن طريق الاحتكار، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: “من احتكرَ طعاماً أربعين يوماً يريدُ به الغلاء فقد برىء من الله وبرءَ اللهُ منه”. ه_ إعادة توزيع الثروة توزيعاً عادلاً: وقد سلكت إعادة التوزيع هذه طرقاً متعددة تهدف كلها إلى إتاحة فرصة الحصول على المال للفقراء، ففي السنوات الأولى من الهجرة كان رسولُ الله يُرسل إلى الغزو من المهاجرين أكثر مما يرسل من الأنصار، لعلهم يحصلون على شيء من الغنائم يُحسنون به وضعهم الاقتصادي، بل كان عليه الصلاة والسلام يبعثُ بُعوثاً كلها من المهاجرين كبعث عبيدة بن الحارث إلى ثنية المرة، وبعث سعد بن أبي وقاص إلى الخرار، وبعث عبد الله بن جحش إلى نخلة، وغزوة العشيرة وغيرها من السرايا والغزوات. وكانت الزكاة، وزكاة الفطر، وحظ الفقراء من خُمس الفيء، والصدقات، والكفّارات تساهمُ مساهمةً فعّالة في ردمِ الفجوة الاقتصادية بين فئتين من الناس هما: الأغنياء والفقراء، ولم يمض زمنٌ طويلٌ حتى رُدمت هذه الفجوة، وارتفع الفقراء إلى مصاف الأغنياء حتى لم يجدوا في اليمن في زمن عمر بن الخطاب من يَقبلُ الزكاة.
4- سياسته الخارجية: أ- معرفة خصائص ومزايا الشخصيات القيادية عند العدو: كان رسول الله حريصاً على معرفة خصائص ومزايا الشخصيات القيادية عند العدو، وكان هذا يساعدهُ كثيراً في اختيار التصرّف الأمثل تجاه كل شخصية من هذه الشخصيات. ففي صلح الحديبية قدم على رسول الله موفداً من العدوّ “مُكرِز بن حفص بن الأخيف” فلما رآه رسول الله مقبلاً قال: هذا رجلٌ غادر. ثم أقبل عليه “الحُليس بن عَلقمة” فلما رآه رسول الله مقبلاً قال: إن هذا من قوم يتألّهون أي يعظمون الله. ثم أقبل عليه “سهيل بن عمرو” فلما رآه الرسول مقبلاً قال: قد أراد القوم الصُّلح حين بعثوا هذا الرجل. وإذا عرف خصائص كل شخصية، ساسها بما يناسبها، وبما يدفعُ شرّها عن الدولة، فهذا الحليس لمّا عرف رسول الله بأنه رجل متدين، أمر عليه الصلاة والسلام أصحابه بأن يبعثوا الهدي في وجهه حتى يراه، ولما رأى الحُليس الهدي الأنعام المهداة لفقراء الحرم يسيلُ عليه من جوانب الوادي في أعناقه قلائدهُ، رجع إلى قريشٍ ولم يصل إلى رسول الله، إعظاماً لما رأى، وأخبرهم بالذي رآه، وأخبرهم بأن عليهم ان يخلُّوا بين محمد وبين الكعبة. ولما قال له زعماء المشركين: اجلس إنما أنت اعرابي لا علمَ لك، غضب وقال: يا معشر قُريش، والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم، أيصدُّ عن بيت الله من جاء مُعظّماً له والذي نفس الحليس بيده لتُخلُّن بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد. وهكذا استطاع رسول الله بتصرفه الحكيم حين عرف خصائص الحليس أن يشقّ عصا قريش ويوقع الخُلف بينها وبين حلفائها من الأحابيش. ب- إقناع العدو بقوة الدولة الإسلامية: إذا استطاعت الدولة أن تُقنع عدوّها بقوتها، بل بأنها أقوى منه، وأوقعت الرعب منها في قلبه، أمكنها أن تحسم كثيراً من المواقف قبل الخوض فيها، ومن هنا كان يقول عليه الصلاة والسلام: “نُصِرْتُ بالرعب” ويعمل جاهداً على إقناع عدوّه بقوته، وقد نجح رسولُ الله في ذلك ايما نجاح، حتى وصلت هذه القناعة إلى دولة الروم، فإنها لما جمعت له الجموع في تبوك، سار إليها رسول الله، وما أن وصل رسولُ الله تبوكاً حتى رأى جموع الروم قد انصرفت عنها، متحاشية الصّدام معه. وإذا كان الرعب قد دبّ في قلب الروم فما بالك بقلوب قبائل العرب، إن قلوبها ترتعد فرقاً عندما تسمعُ بقدوم جيش المسلمين، فتفر من وجهه إذا وجدت فرصة للفرار، وقد أحصينا من المواقف التي فرّ فيها العدو بمجرد سماعهِ بمقدم جيش المسلمين مايلي: غزوة السويق غزوة بني سُليم وغطفان في قرقرة الكُدر غزوة غطفان بذي أمر غزوة بني سُليم بالفرع من بحران سرية زيد بن حارثة إلى القردة من مياه نجد غزوة حمراء الأسد غزوة بدر الأخيرة غزوة دومة الجندل غزوة بني لحيان غزوة ذي قرد سرية عكاشة إلى الغمر سرية أبي عبيدة إلى ذي القصة سرية زيد بن حارثة إلى الطرف سرية علي بن أبي طالب إلى فدك سرية عمر بن الخطاب إلى تربة سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يُمن وجبار من أرض غطفان سرية عُيينة بن حُصن إلى بني تميم سرية علقمة بن محرز إلى الحبشة الذين نزلوا بجدة. ولولا نجاح رسول الله في إقناع أعدائه بقوة الدولة الإسلامية لما وصل إلى هذه النتائج المرضية، ولما وفّر على جيشه كثيراً من المعارك الحربية التي تكلّف الكثير من المال، ويضحي فيها بكثير من الرجال.
جاء عن السيد علي الميلاني حول معنى الولاية: مشترك، إما مشترك معنوي، وإما مشترك لفظي، نحن نعتقد بالدرجة الأولى أن تكون الولاية مشتركا معنويا، فمعنى الولاية إذا قيل: فلان ولي فلان، أي فلان هو القائم بأمر فلان، فلان ولي هذه الصغيرة، أي القائم بشؤون هذه الصغيرة، فلان ولي الأمر أي القائم بشؤون هذا الأمر، ولذا يقال للسلطان ولي، هذا المعنى هو واقع معنى الولاية. ونجد هذا المعنى في كل مورد ذكر موردا للولاية مثلا: الصديق ولي، الجار ولي، الحليف ولي، الأب ولي، الله ولي، ورسوله ولي، وهكذا في الموارد الأخرى من الأولياء. هذا المعنى موجود في جميع هذه الموارد، وهو القيام بالأمر، هذا هو معنى الولاية على ضوء كلمات علماء اللغة، فلو تراجعون كتب اللغة تجدون أن هذه الكلمة يذكرون لها هذا المعنى الأساسي، وهذا المعنى موجود في جميع تلك الموارد المتعددة مثلا: الجار له الولاية أي الجار له الأولوية في أن يقوم بأمور جاره.