الكاتب : رياض سعد
لسان حال مسؤولي الحكومات العراقية والدوائر الامنية ؛ يقول : نمنع عنكم الخمر ونضيق عليكم الخناق ؛ حتى تلتحقوا بضحايا المخدرات ؛ والا بماذا تفسر الحملات الامنية المستمرة في مناطق الجنوب والوسط ضد باعة الخمر وشاربيه , اذ لم يكتفوا بمنع فتح محلات بيع الخمور , او تخصيص اماكن خاصة لاحتساء الخمر كما هو الحال في اغلب دول العالم ؛ بل راحوا يطاردون الشباب والكهول ويفتشون الدور والبيوت ؛ علهم يعثرون على قنينة خمر هنا او هناك ؟!
وبعد ان يأس شباب الجنوب والوسط من الحصول على الخمر , وبعد ارتفاع اسعار الخمور بشكل جنوني ؛ هرع الشباب لتعاطي المخدرات من باب ( مكرها اخاك لا بطل ) او من باب ( شجابرك على المر غير الامر منه ) بينما تباع ارقى اصناف الخمور في اربيل والمناطق السنية بسعر التراب ؛ في الوقت الذي تباع فيه الخمور المغشوشة والرديئة بأضعاف مضاعفة في مناطق الوسط والجنوب ؛ حتى اصبحت المخدرات ارخص سعرا من الخمر؛ و اضحى الحصول على غرام من الكرستال ايسر من شراء قنية بيرة …!!
ولم تكتف السلطات بمنع الخمر في تلك المحافظات حتى وصل الامر الى العاصمة بغداد ؛ فقد شنت الاجهزة الامنية التابعة لوزارة الداخلية حملات شعواء على الملاهي الليلية ثم البارات ثم محلات بيع الخمور , ولم يكتفوا بذلك بل شكلوا سيطرات ثابتة ومتنقلة للتفتيش عن من يحتسي الخمر , حتى نقل لي احد الاخوة انه رأى سيطرة في احدى مناطق بغداد الجديدة يقوم افرادها بشم افواه الشباب , واعتقال المخمورين منهم , والبعض اتهم بعض الجهات الحكومية بأنها اتفقت مع ادارة اربيل والسليمانية بهذا الخصوص ؛ فبعد ان كان شباب ورجال محافظات الجنوب والوسط يأتون الى بغداد وحدانا و جماعات من اجل احتساء الخمر والسهر في الملاهي والقاعات الليلية ؛ صار البغداديون والجنوبيون يسافرون الى شمال العراق من أجل ذلك ؛ حيث تصرف ملايين الدولارات هناك , بينما تحرم بغداد وباقي محافظات الاغلبية من هذه الموارد الاقتصادية والحريات الشخصية ؛ والاعجب ان الحكومة العراقية فرضت رسوم كمركية عالية على استيراد الخمور وبما ان اغلبها يأتي عن طريق كردستان فالمحصلة النهائية ان الكرد يستفيدون من الرسوم ومن بيع الخمور ومن احتكار هذه التجارة بينما يسجن ابناء الاغلبية لمجرد احتساء قنينة من البيرة ؛ فمصائب ابناء الاغلبية المستمرة فوائد لغيرهم …!!
انها مؤامرة ضد ابناء الاغلبية ؛ فالأعداء كانوا ولا زالوا يعملون على محاربة ومضايقة شباب الاغلبية وحرمانهم من ابسط حقوقهم في العيش الكريم ومصادرة حرياتهم بحجة الشرع ؛ بينما لا يفعلون الامر نفسه مع خطر المخدرات الداهم والمدمر ؛ ففي الوقت الذي يغلقون فيه كل محلات بيع الخمور , نرى المخدرات منتشرة في كل حدب وصوب , وتنتقل بين المدن الشيعية من دون عوائق وعراقيل , بينما تقل نسبة تعاطي المخدرات في المدن الكردية والتركمانية والسنية والمسيحية ؛ وذلك لتوفر الخمور هناك ومن دون مضايقات تذكر .
وهذه الاجراءات التعسفية والقرارات الارتجالية المتسرعة ؛ تكشف لنا خواء المنظومة الفكرية والرؤية الاستراتيجية للحكومات العراقية والدوائر الحكومية , وتناقض الاداء الرسمي والقوانين الحكومية وتناشزها الظاهر للعيان ؛ فقد زادت هذه الاجراءات الطين بلة , ودفعت بالشباب الى مهاوي المخدرات وحرمتهم من ابسط حقوقهم في الترفيه .
وقد إختط العراق منذ العام 2003 فلسفة للحكم مغايرة عن تلك التي عرفها قبل العام 2003 ولاسيما فيما يتعلق بمسألة أساسية ومحورية ؛ الا و هي الانتقال من مجتمع يرتكز على الاحادية – فلسفةً للحكم – إلى مجتمع يتخذُ من التعددية فلسفة وسبيلاً للحكم ؛ فقد اختار العراق النظام الديمقراطي في إدارة الدولة ، لأنه أفضل الأنظمة السياسية التي تحقق العدالة والمساواة والحرية للمجتمع ، والطمأنينة والسلام والسعادة للفرد ؛ بالإضافة الى اقرار الدستور العراقي الثابت والذي يتماهى مع النظام الديمقراطي ؛ بينما كان يعتمد دستور طوارئ سابقا , و كان القانون يمثل ( جرة قلم ) بالنسبة لرأس النظام العفن ليس الا …!!
وبما ان الدستور العراقي قد كفل الحريات الشخصية ومنع تقييدها والتي لا تتعارض مع حقوق الاخرين او تتنافى مع الآداب العامة , وبما ان احدى فقرات الدستور تنص على : (( تكفل الدولة حماية الفرد من الاكراه الفكري والسياسي والديني )) ؛ اعتبر البعض بأن منع استيراد المشروبات الكحولية, و غلق محلات بيع الخمور ومطاردة من يحتسون الخمر ؛ يتناقض مع حقوق الإنسان والحريات الشخصية ؛ لاسيما وان النظام السياسي الحالي ليس نظاما اسلاميا متعصبا ؛ ولماذا تريد الحكومة تطبيق شرع الاسلام بخصوص هذه الجزئية فقط بينما تهمل تعاليم الاسلام في سائر المجالات الحياتية الاخرى لاسيما تلك التي تدعو الى العدل والمساواة والعلم ومحاربة الفساد والظلم والجهل , ولماذا تتشدد اجهزة الامن بمنع الخمور بينما هي عاجزة طوال عقدين من الزمن عن منع المخدرات وانقاذ الشباب والمجتمع من شرها الوبيل ؛ وقد شجب كتاب القران الكريم هذه الظاهرة السلوكية النفاقية ؛ قائلا : (( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض )) .
فضلا عن ان وضع بغداد التاريخي والاجتماعي والثقافي والسياسي مختلف تماما عن بقية المحافظات ؛ فهي مأهولة من مختلف الطوائف , ويزورها الاجانب والسياح باستمرار باعتبارها عاصمة العراق , فمن غير المعقول والمقبول خلو العاصمة من محلات بيع الخمور ؛ لأنها بغداد وليست قندهار .