الكاتب : سلمان رشيد الهلالي
فوبيا الحسد عند العراقيين (هل الحسد موجود حقيقية ؟؟)
عندما شرعت في بناء بيتي الاخير , كان بعض الجيران والعمال يسألون باستغراب عن سبب عدم وجود عبارات او رموز تعلق في البيت عادة تمنع الحسد من الناس والجيران مثل (خضرمه ام سبع عيون زرقاء) او عبارة (كهيعص) زرقاء ايضا او عبارة (اللهم اعطهم مايتمنون لنا) وغيرها من اجل ابعاد عين الحساد .. وعندما اجيبهم بعدم اعتقادي بوجود الحسد او بعدم وجوده اصلا , وكيف لعين انسان تستطيع اخراج قوة خارقة او اشعة تعمل على احداث ضرر او حادث او مصيبة او عطل , كانوا يتعجبون ويقولون : اليس الحسد مذكور بالقران ؟؟ فاجيبهم بان الحسد الموجود بالقران هو (حسد العيشة) او (حسد النعمة) , وان اجماع المفسرين للاية القرانية (من شر حاسد اذا حسد) هو (تمني زوال النعمة من الغير) سواء اكانت النعمة وظيفة او منصب او شهادة او اموال او مكانة وغيرها … واما حسد العين – او الاصابة بالعين – فلاوجود له بالقران عقلا او واقعا او منطقيا … وهكذا ندخل بجدل عقيم ونقاش لانهاية له , لانهم في الاخير يأخذون بذكر العشرات من القصص والاساطير عن اناس عندهم القدرة على الحسد , واصابة الاخرين بمختلف السهام من قبيل المرض او عطل الاجهزة الكهربائية والسيارات او الحرق او الرسوب والفشل الدراسي وغيرها, وبالتالي فلا احد يستطيع ازاحة تلك المفاهيم والافكار التي تربوا عليها طوال عقود في بيئتهم الاجتماعية البدائية .
في الواقع ان اكثر من 90% من العراقيين يؤمنون بوجود الحسد , وربما اكثر من 80% يعتقدون ان كل مصيبة او مرض او خسارة او فشل او عطل هو بسبب الحسد , وبالطبع يقصد حسد الجيران والاقارب والاصدقاء , وخاصة النساء العجائز وكبار السن منهم .. وقد يكون المجتمع العراقي الاول بهذا الايمان , حتى يصل الى درجة (الفوبيا) او (رهاب العين والحسد) لاسباب اجتماعية ونفسية تتعلق بخوف العراقي من المجهول (فالعراقي جبان امام القدر) كما يقول علي الوردي , بالتالي فان افق توقع المصائب والمشاكل عنده كبيرا جدا .. وساحاول في هذا المقال اعطي مقاربات عامة عن موضوع الحسد والاصابة من العين , واذكر الادلة العقلية والموضوعية والدينية التي تنفي وجوده من اجل تحرير ارادة الناس من المجهول اولا , واتهام الناس الابرياء من الاقارب والجيران ظلما ثانيا وهى :
1 – من الناحية الدينية التي يستند عليها العراقيون حول وجود الحسد هو ذكره بالقران والايات الخاصة بهذا الصدد وهى (من شر حاسد اذا حسد) و (ام يحسدون الناس على ما اتاهم الله من فضله) , فسبق وان بينا ان الحسد المقصود هنا ليس حسد العين او الاصابة بالعين , وانما هو تمني زوال النعمة من الناس , او كراهية حصول النعمة للاخرين , كالرزق الوفير او المنصب الرفيع او المكانة الاجتماعية , ومن ثم النيل منهم وتشويه سمعتهم والتحريض عليهم , والدليل هو ان الاية قالت (من شر حاسد) وليس الحاسد مباشرة , اي التركيز على الشر والخشية من ان تترجم افكار ومشاعر ذلك الحاسد الى عمل غادر كالحرق والتدمير والتشويه والتسقيط وحتى القتل , وهذا النمط من الشر هو اسوء من الاصابة بالعين , لانه يزرع البغضاء والكراهية والغل والحقد في المجتمع . فبالتالي لاتوجد اية صريحة واحدة بالقران تؤكد وجود حسد الاصابة بالعين , عدا تأويلات غير مؤكدة , كما في سورة يوسف وطلب يعقوب من ابنائه دخول مصر من ابواب متفرقة , وهى تخالف المبادىء الاسلامية العامة حول مبدا التوكل وحسن الظن بالله . وقد روي حديث للرسول في صحيح مسلم (العين حق) , الا نها تبقى في الاخير رواية نقلها ابو هريرة وتخالف نص القران (قل لن يصيبنا الا ماكتب الله لنا) او (واما بنعمة ربك فحدث) وغيرها .
2 – يستند العراقيون في وجود حسد الاصابة بالعين من التجربة والقصص التي يذكرونها , او الاصابات التي تعرضوا لها شخصيا من اقاربهم او جيرانهم وخاصة من النساء العجايز !!! وبالطبع لانستطيع اعتبار ذلك دليل قاطع ومؤكد , فربما كان السبب للمصيبة او العطل او الخسارة او الرسوب او الفشل هو التقصير او الخطأ بالتصرف من قبلك , او الاسباب المجهولة التي تحال للقضاء والقدر ..وكما قيل عند الامريكيين (الحوادث تحصل) وهى تحصل في جميع دول العالم , وحتى الان لا نعرف كيف تميز الناس بين حسد العين وبين القضاء والقدر , اليس المفروض من المسلم الايمان بالقضاء والقدر ..
3 – اذا فرضنا ان الحسد اي حسد العين موجود ومؤكد , فلماذا لايصيب الاغنياء في العراقيين واهل المليارات واصحاب الربا , ممن يمتلكون القصور الكبيرة والسيارات الحديثة والرواتب العالية والصحة الموفورة والمناصب العالية ؟؟ فاين الحاسدون واصحاب الاعين القاتلة عنهم ؟؟ ولماذا يمرون عليهم مر الكرام !!!! فيما يستهدف الحسد من جانب اخر الصعاليك من اصحاب الطبقات الدنيا والفقيرة الساكنين في الاحياء البدائية . اذن الحسد ينتشر بين الاوساط المتخلفة والفقيرة والبيئات التقليدية , ولايتواجد عند المجتمعات الثرية والمتحضرة ..
4 – ان ترويج حسد الاصابة بالعين هو ترويج للظلم الاجتماعي . ونعني به اتهام الجيران او الاقارب او الاصدقاء او الزملاء ظلما بانهم حاسدين , دون دليل عقلي او منطقي , الا اللهم سوى المصادفة وحظهم العاثر الذي زامن وجودهم مع الحدث السيء .. وهذا الامر قد يشملنا كلنا في يوم من الايام , فعندما ندخل دارا او نركب سيارة وتحصل مصيبة معينة او حادث معين ..فيقولوا (ان فلان يحسد) .
5 – اذا كان الحسد موجود .. فلماذا لايوجد عند الاوربيين والغرب ؟؟ فالاوربيين – كما هو معروف – اكتشفوا كل شيء في الحياة وعرفوا كل شيء في الكون, فغير المعقول ان الحسد والاصابة من العين لم يكتشفوه حتى الان , فيما نحن المجتمعات العربية المتخلفة في اسفل السلم الحضاري والعلمي , اكتشفنا ان للعين قدرة على الاصابة والمرض , بل وربما العطل للاجهزة الكهربائية والسيارات الحديثة !! وتستطيع تأكيد ومعرفة ذلك من خلال الافلام الاجنبية والروايات والقصص الغربية التي لاتشير الى هذه الحالة , لان الحسد كاعتقاد موجود في منطقة الشرق الاوسط والدول العربية والاسلامية فقط , ويقال انه كان موجود عند اليونان والرومان , وانه انتقل للعراقيين ابان حملة الاسكندر المقدوني واحتلاله العراق , ولانعرف صحة ذلك , وهل ان الحسد موجود بالعراق القديم ام لا ؟؟ ولكن مايهمنا ان الحضارة الغربية الحالية لايوجد عندها مفهوم الحسد والاصابة بالعين ..
6 – ان نظرة علي الوردي للحسد فيها تناقض , فهو بالوقت الذي اكد في كتابه (خوارق اللاشعور) (ان العين في الحقيقة لاتصيب احدا , وانما النفس وراء العين هى التي تبث الامواج الكهربائية على الناس , وهذه الامواج الفتاكة لاتؤثر في جميع الافراد على حد سواء . وان العين لاتصيب الا من يعتقد بها , وهذا الاعتقاد يجعل الامواج الصادرة من صاحب العين ذات اثر متسلسل في اعصاب الضحية) الا انه استدرك قائلا (ان حوادث اصابة العين لاتقع الا في المجتمعات الجاهلية التي يسهل انتشار الخرافات فيها , فما ان يسمع الناس عن شخص له (عين فتاكة) حتى تراهم قد هربوا من وجهه , وهذا الجو النفسي المخيف يؤدي الى سقوط كثير من الضحايا بطريق الايحاء) . اي ان الوردي يعتقد ان الحسد لايصيب الانسان الا اذا كان معتقدا به .. واما من ليس معتقدا به فلا يصيبه ..