الكاتب : حبيب السنافي
يعتبر النظام الرأسمالي بأيديولوجيته السياسية والاقتصادية أحد أسوأ وأخطر أنواع الأنظمة المطبقة، تستنفر الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها لترسيخ الهيمنة الرأسمالية على دول العالم تحت غطاء مبررات مغلوطة كتعميم نشر الديموقراطية وعولمة حقوق الإنسان وتحريره من قيود الجهل وبراثن الفقر ورواسب التخلف. منذ مطلع الثمانينيات ومع انطلاق تطبيق مفهوم الليبرالية الجديدة أو العولمة أو عقيدة التجارة الحرة على يدي تاتشر–ريغان، وامتدادا لبداية التسعينيات حمل شعلة الرأسمالية المتوحشة المنفلتة، المفكر والراهب، كما يطلق على نفسه «ميلتون فريدمان»، انطلقت الرأسمالية بحيوية وراديكالية عنيفة نحو دول متعددة وفي قارات مترامية لتبني إشعال حروب أهلية وفتن داخلية بمؤامرات مدسوسة من طرف المخابرات الأميركية للتلاعب خفية بزعزعة القطاعات المالية والمصرفية والاقتصادية، وليتسنى تدميرها بدعم ورعاية وإشراف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ذراعي الرأسمالية الإمبريالية، ثم يعاد بناؤها على النمط الرأسمالي المنفلت من أي ضوابط أو قيود، ممثلةً بالشركات المتعددة الجنسيات وغالبيتها أميركية وأوروبية ويابانية. أهداف ونوايا وأطماع الرأسمالية المتوحشة لا يمكن تنفيذها مع أجواء الديموقراطية الشعبية والسلمية، فنظرة عابرة وسريعة على ضحايا الرأسمالية المنفلتة من دول العالم المترامية بدءاً من دول أميركا اللاتينية محطمةً الاقتصاد التشيلي في عهد الدكتاتور «أوغستو بينوشيه» المدعوم من الإدارة الأميركية، إلى القضاء على الاقتصاد الاشتراكي في البرازيل وإلغاء ديموقراطيتها والإطاحة بحاكمها المنتخب «جواو غولار» وتنصيب حكومة عسكرية بدعم من الاستخبارات الأميركية، ليعقبها إسقاط رئيسة البرازيل «إيزابيل بيرون» ودعم انقلاب الجنرال «فيديلا» المدعوم أميركياً، وتطبيق النموذج الاقتصادي الرأسمالي رغماً عن أنف الشعب، ولتستمر الحملة المسعورة للرأسمالية نحو دول أخرى بالقارة شاملةً المكسيك والأورغواي وبوليفيا، ومع مطلع التسعينيات كانت روسيا ضحية أخرى لنظام طالما نازلته بل هددته بالحرب النووية، لتستسلم له اقتصادياً مستبيحاً مواردها بكل أريحية!! لم يكتف النظام الرأسمالي بضحاياه تلك فلوى عنقه إلى القارة الآسيوية ليطبق على «النمور الآسيوية»، تايلند وإندونيسيا والفلبين وكوريا الجنوبية، مفخخاً مؤامراته، محطماً اقتصاداتها، ناهباً مواردها، مانحاً الفرصة الذهبية للشركات المتعددة الجنسيات أن تستولي على كبرى الشركات الوطنية مثل «دايو» «وسامسونغ» و«إل جي» بأبخس الأثمان، تاركاً وراءه 24 مليون آسيوى عاطل عن العمل ومخلفاً 20 مليون آخرين يعيشون تحت خط الفقر. علينا أن نتذكر الأدوار الماكرة التي نهض بها (المحافظون الجدد) أمثال جورج شولتز ودونالد رامسفيلد وديك تشيني وجورج بوش وهنري كيسنجر وجون بولتون وجيمس بيكر، فهؤلاء وأشباههم طبقوا ما اقتبسوه من مدرسة شيكاغو من تعاليم ومبادئ الليبرالية الجديدة المدمرة والكارثية على اقتصادات الدول الاشتراكية. في حاضرنا، المدخل للسياسات الليبرالية الجديدة ولوجاً للمنطقة العربية يأتي من بوابة فلسطين المحتلة، دولة الاحتلال هي القاعدة الأميركية الأوروبية التي سيتمدد منها مفاهيم الرأسمالية المتوحشة سياسياً واقتصادياً لغزو مجتمعاتنا وصولاً لشواطئ الخليج المتخمة بالنفط والغاز، فهل سنستوعب من دروس التاريخ شيئا؟