الكاتب : علي المؤمن
هناك من يتساءل باستغراب عن معاييري في خطاب التجديد والإصلاح، ويفترض وجود نوع من التعارض في مواقفي الفكرية؛ لأنني أدافع مرة عن المجددين والمصلحين ومناهجهم ومواقفهم الفكرية والفقهية؛ كمحمد رضا المظفر والخميني ومحمد باقر الصدر وفضل الله والخامنئي، ومرة أخرى أعارض مجددين ومصلحين آخرين، أمثال شريعتي وسروش وكمال الحيدري، وهم الذين عانوا ــ كما يرى المتسائلون ــ من المؤسسة الدينية التقليدية نفس ما عاناه المظفر والخميني والصدر، ومرة ثالثة يجدوننيأقاتل دفاعاً عن المؤسسة الدينية التقليدية المحافظة ورموزها ــ كما يعبِّرون ــ ، كالسيد الخوئي والسيد السيستاني. وبالتالي؛ فهم يستغربون كيف يمكن الجمع بين هذه المواقف!!
بعيداً عن الأسماء والتوصيفات؛ أقول: إن منهجي الفكري هو منهج شمولي نهضوي، يتعامل مع الواقع بكل تفاصيله. أي أنه منهج يعمل على استنهاض الشيعة استنهاضاً شاملاً، ومترابطاً في عناصره وقواعده ومنطلقاته وأهدافه، في حين أن تفكيك موضوعات التنظير التجديدي عن عناصر النهوض والواقع؛ يؤدي الى كوارث وأزمات على كل المستويات.
وأعتقد أن منهج التجديد والإصلاح الفكري والكلامي والفقهي والتفسيري والحديثي والاجتماعي؛ إذا نتجت عنه أزمات في منظومة النهوض الشيعي الشامل، من شأنها كبح جماح النهضة، عبر تمزيق الواقع الشيعي فكرياً وعقدياً وسياسياً واجتماعياً؛ فإنه سيكون منهجاً تجديدياً وإصلاحياً سلبياً، ومتعارضاً مع مقاصد الدين ومصالح أبنائه، هذا فيما لو كان داعية التجديد والإصلاح يحمل نوايا موضوعية صادقة، وسلامة فكرية ومنهجية؛ فما بالك لو كان هذا التجديد والإصلاح ينطويان على سوء نوايا، وأجندات شخصية وفئوية، ومنهجيات تتعارض مع الدين أساساً، ومخرجات انحرافية فكرياً وعقدياً وفقهياً.
وأرى أن التجديد الفكري والكلامي والفقهي وتنقية الموروث الديني، ليس عملاً ترفياً أو علمياً محضاً أو استعراضاً دعائياً أو فردياً؛ إنما هو لصيق بالواقع الاجتماعي والسياسي الشيعي ومتطلباته، وبالمحيط الإقليمي والدولي، ولا ينفصل عن معيار درء المفاسد وجلب المصالح؛ فإذا تسبب التجديد والإصلاح المزعومين في إعاقة النهوض الشيعي وتمزيق الواقع الشيعي اجتماعياً وسياسياً، وتعريضه للمخاطر الداخلية والخارجية؛ فهما تجديد وإصلاح مرفوضين بالجملة. أما إذا كان خطاب التجديد والإصلاح يساهم في استنهاض الواقع الشيعي استنهاضاً شمولياً، ومترابطاً في عناصره النظرية والواقعية، ويأخذ بالاعتبار معايير المفاسد والمصالح العامة ومتطلباتها؛ فإنه خطاب مطلوب وضروري، بل مصيري، وهو ما أتبناه جملةً وتفصيلاً.
وهنا ألفت الأنظار إلى قضية أساسية تتعلق بقرار التجديد والإصلاح، وتشخيص مصلحة الواقع الشيعي؛ فذلك القرار وهذه المصلحة، ليستا مهمتين فرديتين لمفكر وفقيه وباحث، أو لجماعة حركية أو مؤسسة دينية؛ إنما هما مهمتان جماعيتان يقعان على عاتق حكماء الشيعة أو أغلبيتهم، من المراجع والفقهاء والمفكرين والمنظّرين، وخاصة المتصدّين للشأن العام.
وبالتالي؛ فإن الأعمال الفردية غير المنضبطة ذات العناوين التجديدية والإصلاحية، والتي لها تأثيرات عامة، سياسية واجتماعية واقتصادية، حتى لو قام بها فقيه محقق ومفكر متبحر؛ فإنها ستعود بالضرر العميق على الواقع الشيعي، فيما لو لم تخضع لمعايير المفاسد والمصالح العامة، والتي يقع تشخيصها على عاتق حكماء الشيعة أو أغلبهم كما ذكرنا، وهو ما يمكن التعبير عنه فقهياً بالعناوين الثانوية.
وأرى كذلك بأن المؤسسة الدينية التقليدية ومرجعيتها، التي تجمع بين المنهجين المحافظ والإصلاحي، هي خيار الشيعة الصحيح الوحيد، وإن دعوت دائماً الى إصلاح هياكلها وإعادة مأسستها وتحديث مناهجها، لتواكب متطلبات العصر وتحديات المستقبل، لكنها تبقى في كل الأحوال الضمانة الحقيقية للحفاظ على العقيدة الإسلامية لمدرسة آل البيت وعلى الهوية الشيعية المذهبية، في مواجهة تيارين متناقضين متطرفين: تيار التجديد المنفلت وتيار الغلو المنغلق.
وفي الوقت نفسه؛ لا أرى أي تعارض داخل الحوزة العلمية بين تياراتها الأصيلة الثلاثة: النهضوية (محمد باقر الصدر والخميني والخامنئي) والإصلاحية (المظفر ومحسن الحكيم والسيستاني) والمحافِظة (البروجردي والخوئي والوحيد)؛ فهي تكمل بعضها، وإن اختلفت منهجياتها الفقهية والفكرية والعملية، وهي جميعاً تمثل الخط العام للمرجعية الدينية.
أما الخطوط الخاصة في الحوزة العلمية وفي الواقع الشيعي، سواء التي تدعي التجديد والإصلاح أو المغالية الخرافية؛ فهي تتسبب غالباً في أزمات وفتن، وهذه الخطوط هي التي تواجههاالحوزة العلمية ومرجعياتها بالنقد والرفض.
ولذلك؛ ليس كل من يتعرض الى النقد والمقاطعة من الحوزة العلمية التقليدية هو مظلوم وعلى حق عادةً، باستثناء بعض الحالات التي حدثت نتيجة التباسات معقدة وتحريض من أصحاب المصالح. وبالتالي؛ لا يمكن قياس ما يقوم به بعض مدّعي التجديد والإصلاح على هذه الحالات الاستثنائية الملتبسة.