نوفمبر 22, 2024
EIwOSB_WwAA7XhF

اسم الكاتب : وليد يوسف عطو

المقال منقول وبتصرف من كتاب : ( الملك سرجون الاكدي )- تاليف د . عبد الكريم العلوجي – ط1 – 2010 – الناشر دار الكتاب العربي
اخذ العبرانيون قصة ميلاد سرجون الاكدي الاسطورية ونسبوها الى موسى ّّّ .
هناك نسختان من قصة سرجون الاولى تعود الى العصر الاشوري الحديث في حدود 750( ق . م) فضلا عن كسرة تحتوي على جزء من النص تعود الى العصر البابلي الحديث ( 600 ق . م ) .
مما لاشك فيه ان هذه النسخ مستنسخة من الواح اقدم كانت تتضمن النص الكامل لقصة مولده الاسطوري .
انا سرجون الملك العظيم
ملك بلاد اكد , كانت امي كاهنة عظمى ,
وانا لااعرف ابي .
كان شقيق ابي يحب التلال
ومدينتي ازوبيرانو
التي تقع على ضفاف الفرات .
لقد حملتني امي وولدتني سرا
ووضعتني في سلة من البردي ختمت غطاءها بالقير
ومن ثم رمتني في النهر الذي لايغمرني .
فحملني النهر واخذني الى الغراف اكي ,
فاخذني الغراف اكي ابنا له .
وجعلني الغراف اكي بستانيا عنده.
( الغراف اكي akki هو متولي شؤون الري . استخدم اكي سرجون الاكدي في عمل الارض والري بعيدا عن المجتمع ) ..
وعندما كنت بستانيا منحتني عشتار حبها ,
فاضطلعت بمهمة الملوكية اربعا وخمسين سنة .( انتهى الاقتباس ) ..
لقد كان القصب يشير الى الالوهة ,كذلك هو النهر الذي لايغمر سرجون ,يشير الى طهارة سرجون كمعمودية يوحنا ويسوع .ودليل على عدم وجود ذنوب لديه . يقول العلامة جيمس فريزر انه كانت من عادات الشعوب القديمة , ان تطرح الطفل في الماء بقصد اختبار بنوته الشرعية لابيه , فقد كان الاطفال يطرحون في الماء حيث يتركون لمصيرهم فاما ان يطفوا او يستقروا في قاع الماء . والطفل الذي يطفو يعد طفلا شرعيا , اما الطفل الذي يستقر في الماء فان المجتمع يرفضه بوصفه ابنا غير شرعي .
لقد كانت تعيش الالهة في منابع الانهار . والميثولوجيا تجعل من سمة الملوكية راعيا للماشية .فالمسيح بوصفه المسيح الملك ولد في مذود للحيوانات . وتحدث عن الراعي الصالح . ومن سمات الملوك والملوكية تصويرهم على شكل بستاني ,اي ارتباطهم بالارض . دليل المجتمع الزراعي عكس اليهود الذين كانوا بدو ولم يحبوا الزراعة .
وباعلان سرجون نفسه الها يكون قد جمع بين الملوكية والالوهية .وبما ان الارض في العراق القديم كانت ملكا للاله ,لذا يحق لسرجون التصرف بالارض باعتباره الها .
لقد استطاع سرجون ان يوحد ارض العراق القديم ( بين النهرين ) وان يجمع بين سومر واكد .
وقد تدرج في عمله الوطيفي الى مرتبة( ساقي القصر ) الملكي بكيش .
ويبدو انه تزعم ثورة اجتماعية واعطى الحرية الى شعب كيش.
اتخذ سرجون عاصمة جديدة قريبة من كيش عرفهاالتاريخ باسم ( اكد )لم يتم العثورعليها الى الان . وعمل على تجديدها باعتبارها من المراكز الرئيسية لعبادة الالهة عشتار . ونقل اليها بلاطه ليتميز عهده عن عهود من سبقوه شكلا ومضمونا .ولقب نفسه بلقب ملك (ارض ) سومر واكد .وخلع على نفسه لقب ( ملك الجهات الاربع )وهو لقب يطلق على الالهة حصرا .لقد استطاع سرجون ان يوحد ارض العراق ( بين النهرين )في دولة مركزية عصرية واحدة . وتوفرت لدولته الموحدة امكانيات بشرية وموارد مائية ضخمة لم تتهيا لدويلات المدن القديمة . كما توفرت له السيطرة على شرايين التجارة في معظم البلاد.
ويذكر سرجون انه ملك العدل الذي ينطق بالحق . يرى عالم الاثار الامريكي ( جيمس هنري بريستد ) ان هناك قولا يقول بانه ارسل سفنا لاخضاع قبرص .واضافت نصوص سرجون ان سلطانه امتد حتى غابة الارز . وانه خاض اربعا وثلاثين معركة وانتصر فيها .وامتد نفوذه حتى البحرين (دلمون ).
ابرزانجازات سرجون الاكدي
1 – الغى جميع محاكم الهيكل الدينية ووانشا محاكم مدنية , يؤمن العدالة قضاة ملكيون مركزيون .واتخذ لنفسه لقب ( الملك او السيد العادل ), حيث اخذ اليهود لقب السيد واطلقوه على الههم ( يهوه ). وجعل جميع القضاة تحت مراقبة الحكومة المركزية .
يقول هنري فرانكفورت : ان سرجون قام بمحاولة لاكتساب ولاء الناس . وهذا يظهر في نص اليمين اي القسم . فقد اصبح الان بالامكان ذكر اسم الملك الى جانب الالهة . وهذا معناه عميق . فاذا جرى حنث لاتفاقية بين طرفين , كان للملك شان في ذلك .اذ اصبح لزاما عليه ان يؤيد حق الطرف المتضرر . فالنص الجديد جعل الملك في وضع اصبح فيه الشفيع لجميع الذين اقسموا باسمه . انه في الواقع مرجع استئناف لجميع البلاد بغض النظرعن المدن . وهذه خطوة ذات اهمية عظمى في تطور القانون والمجتمع في بلاد مابين النهرين .
2 – رفع ايدي الكهنة عن الملكية العامة للهياكل من حقوق ومشاغل ومصارف بعد ان كانوا وضعوا الايدي عليها وصاروا يتوارثون ملكيتها .
وحرر الفلاحين من التزاماتهم وكذلك العمال والصناع العاملين في مشاغل الهياكل الصناعية .وانشا ادارات خاصة للاراضي والمشاغل الدينية تشرف عليها الدولة مباشرة .كما انشا دائرة تعطي للكهنة مرتبات تدفعها لهم الدولة . ويكون بذلك سرجون اول من طبق شعار علمانية الدولة في التاريخ .
3 – حرر الفلاحين من استعباد الامراء الاقطاعيين في المدن .فالغى النظام الاقطاعي الاميري لملكية الارض ,ووزعها على الفلاحين في ملكيات صغيرة خاصة .وانشا لذلك دائرة خاصة للتسجيل العقاري . ولم يبقى على الفلاح اي التزامات الا للمراجع الملكية المركزيةمباشرة . فيكون بذلك قد طبق اول برنامج للاصلاح الزراعي في التاريخ وذلك قبل 4500 عام .
5 – الغى سرجون الوكلاء الاقطاعيين الذين كانوا في السابق ينشاون الجيوش في المدن ويقدمونها للملك حسب اهوائهم .واعتمد في نظام جيشه على الاوساط الشعبية مباشرة , ولاول مرة في التاريخ .
لقد شل ايدي لذلك ايدي الامراء الاقطاعيين والدينيين الذين كانوا ينظمون لانفسهم العصابات المقاتلة الخاصة .
6 – توحيد البلاد بتوحيد التقاويم المختلفة للمدن في تقويم مركزي واحد .
لقد كان وجود ملك يدعو نفسه ( ملك انحاءالعالم الاربعة )يذكر الناس دوما بوحدة الارض والشعب والدولة . هذا مايؤكده الباحث والعالم والمؤرخ هنري فرانكفورت في كتابه (فخر الحضارة في الشرق الادنى )عند حديثه عن سرجون العظيم الذي ادهش المؤرخين بمنجزاته الفريدة التي تستحق ان تنتسب الى قرننا الحادي والعشرين . ويضيف هنري فرانكفورت … ومنذ عهد سرجون الاكدي ادرك الملوك ضرورة الاحتفاظ بدولة موحدة مركزية . ان في الغاء سرجون للمحاكم الدينية الهيكلية المستبدة , وتعميم المحاكم الملكية المدنية التي تعتمد على قضاة اكفاء متخصصين وعلى ( مجالس احرار الشعب الديمقراطية )وليس على (مجالس الشيوخ ) للكبار منعت تعسف الحكام الدينيين وعبثهم بمصائر الفقراء . مما جعل الشعب يتمسك بهذه المحاكم حتى بعد سقوط اكد واجتياحها على ايدي الغوتيين فيما بعد .وهذا يؤكد ( والكلام للكاتب وليد يوسف عطو ) عمق جذور العلمانية في بلاد ما بين النهرين ( العراق القديم ).
ان في ذلك وحده اعظم رد على مؤرخ غربي مثل ارنولد توينبي الذي يقول في كتابه ( تاريخ البشرية ) حول الاكديين : ( وقد كان الاكديون متطفلين شبه برابرة . وكان سرجون واحفاده مثل سلفه لوجال زاغيزي رجل حرب ) .
اننا نفهم جميعا لماذا يصر مؤرخ مثل توينبي على جعل الاكديين ( متطفلين شبه برابرة ) . انها النغمة ذاتها التي يرددها كثير من مؤرخي التاريخ من الغربيين ومن اصحاب مدرسة الاستشراق بحق شعوبنا ليلصقوا بنا صفة الهمجية ويلقوا لانفسهم صفة التمدن , بعد ان اصرواوبصورة تدعو الى الرثاء والعجب على اعتبار السومريين ليسوا ساميين وليسوا عراقيين من بلاد مابين النهرين .
لقد قوض سرجون دعائم نظام المدينة الدولة الاقطاعي – الديني الذي اقتبسه اليونان فيما بعد , وظلت رهن اساره طيلة العصور اللاحقة . واقام على انقاضه نظام الدولة الحديثة المتحرر من سلبيات الاقطاع الديني وتحجره واستبداده وانعزاليته .
يقول المؤرخ موسكاتي : ( وسع سرجون امبراطوريته فشملت بابل واشور وسوريا وقسم من اسيا الصغرى . وامتدت تجارته الى قبرص .
وكان لدولة اكد في عهده ادارة منظمة ومركزية اصبحت فيما بعد مثال للانظمة اللاحقة . ومنذ ذلك العصر ظهرت بوضوح نزعة الى الملكية الشاملة طبعت كل تاريخ اسيا ( نمط الانتاج الاسيوي ) .
لقد كانت الكتابة السومرية الرمزية لاتعني لغة شعبية محكية , وانما هي شيفرة خاصة باوساط معينة دينية وسلطوية تسربت منها كلمات او رموز كثيرة . ولاسيما ماكان منها متعلقا باسماء الالهة والمناطق والمعابد وغيرها كثير …
وحينما يقول توينبي ان اكثر الالهة الاكدية كانت سومرية تخفيها غلالة رقيقة من الاسماء السامية , فانه كان احرى به لو يقول العكس تماما . اذ ان الالهة السومرية هي جميعها الهة سامية اكدية مغلفة بغلالة رقيقة من الرموز السومرية الدينية .وبالنتيجة فان الالهة السومرية هي نفسها الهة الاكديين وكذلك الامر نفسه فيما يتعلق باللغة .
مجتمع الدولة الاكدية شبه الشيوعي (الاشتراكي )
كانت المجموعة التي تنتمي الى معبد ما تشغل جزء من اراضي الهيكل لصالح المجموع. وهذا الجزء لايتجاوز الربع من المساحة , ويدعى البستان او الارض المشاع او المشتركة ni – ganna( ني جنة ) لان هذه الارض كانت تحرث من قبل المجموعة كلها, وكان المشغل فيها يسمى
Marabi( المرابع )وهنالك قسم اخر هو الارض المقطعة الى قرى او مزارع والموزعة على اعضاء المجموعة لسد حاجاتهم وتدعى كور
وقد حافظت على وجودها في اللغة حتى اليوم . وهنالك قسم ثالث يدعى (ارض الغلال ) (ارعو جلال ) ar gilal تؤجر للمستاجرين باجر يتراوح ما بين ثلث المحصول وسدسه . ويخزن هذا في المعبد في مستودعات الغلال حتى تحين الحاجة , ويمكن دفع القسم الاكبر من الاجر , حبوبا . لكنه ينبغي دفع قسم صغير منها بالفضة .
كان الهيكل او المعبد , يقدم حبوب البذار والحيوانات والادوات لحراثة الارض المشتركة .وكان الناس من الطبقات العليا والكادحة يعملون كل سنة في الحقول التي تخص( السيد الرب ) .
نلاحظ هنا حقيقة لامثيل لها في العالم القديم , وهي ان جميع اعضاء المجموعة كانوا من حيث المبدا متساوين . كان كل واحد منهم يتناول حصة وقطعة ارض لتامين حاجاته . وكان الجميع يعملون في الارض المشتركة وفي الاقنية والسدود . ولم يكن هنالك وجود لطبقة عاطلة عن العمل . وكذلك لم يكن هنالك وجود لاقنان محليين . كان بعض الاغراب او بعض اسرى الحروب يقتنون كعبيد ( عمال ) لكن الافراد قلما كانوا يملكونهم . كان العبيد يعملون في المعبد الى جانب الاحرار كحمالين وكعمال زراعيين في البستنة . اما سبايا الحروب من البنات فكن يوجدن باعداد كبيرة كحائكات دون ان يمتلكهن احد وكن يساعدن في المطابخ وفي مصانع الجعة ( البيرة ) .وقد ورد ذكر النساء ايضا كمالكات لقطع الاراضي . وهذا يدل على انهن كن يخدمن المجموعة بشكل ما .
لقد كان العمل في الحقول موسمي في الغالب , ولم يكن الفلاحين طبقة منبوذة او منفصلة . فكل مواطن ,سواء اكان الكاهن ام التاجر ام المهني , كان في الواقع فلاحا يعمل في قطعته لتامين قوته وقوت المتوجب عليه اعالتهم . وقد اشار( م . دافيد في مجلة ( تاريخ الحقوق ) ج 14 ص 3 – 6 ) في مقال له الى ان اشتراكية الدولة في بلاد مابين النهرين لم تستبدل تماما باقتصاد حر الا تحت ظل السلالة البابلية الاولى حوالي 1800 ق . م وفي ظل السلالة الثالثة في اور امكن للملكية الخاصة ان تتالف من منازل وحدائق تابعة لها لا من الحقول الصالحة للزراعة التي كانت تخص المعبد او الملك .
لقد نجح الاكديون لاول مرة في تاريخ البشرية في اقامة اول مجتمع شبه شيوعي (,اشتراكي ) من نوعه يتحلى نظامه بمرونة منقطعة النظير .
كما وضعوا الاسس الحقيقية لتضامن جهد الفرد وجهد المجموع , كما وضعوا في صلب مفهوم العبادة الدينية وعيا اجتماعيا حياتيا متقدما ,جعل المعبد والمؤسسة الاجتماعية يندمجان في كل واحد لاتكاد تميز فيه حدود الواحد عن الاخر . كما ان الوظيفة الدينية اندمجت بالوظيفة الاجتماعية – الاقتصادية ولم يعد ثمة حاجز بين الوظيفتين , وقد يبدو مثل هذا الامر وبعد ستة الاف عام غريبا علينا نحن الذين كنا نتصور بدائية تلك الشعوب
بعد كل ذلك كيف يصح ان نتعامل مع تلك الشعوب على اساس عشائري وقبلي ,ونقبل بتعميم مدونات التوراة التي لم تتجاوز حدود العشيرة البدوية (اولاد يعقوب ) في بقعة جد ضيقة لاتتعدى حدود مجموعة قرى ومضارب خيام بين عدة بلدات مجهولة في التاريخ !!!
على المودة نلتقيكم ……

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *