الكاتب : فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قوله جل جلاله “وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ” ﴿المائدة 48﴾ وأنزلنا إليك -أيها الرسول- القرآن، وكل ما فيه حقّ يشهد على صدق الكتب قبله، وأنها من عند الله، مصدقًا لما فيها من صحة، ومبيِّنًا لما فيها من تحريف، ناسخًا لبعض شرائعها، فاحكم بين المحتكمين إليك من اليهود بما أنزل الله إليك في هذا القرآن، ولا تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهوائهم وما اعتادوه، فقد جعلنا لكل أمة شريعة، وطريقة واضحة يعملون بها. ولو شاء الله لجعل شرائعكم واحدة، ولكنه تعالى خالف بينها ليختبركم، فيظهر المطيع من العاصي، فسارعوا إلى ما هو خير لكم في الدارين بالعمل بما في القرآن، فإن مصيركم إلى الله، فيخبركم بما كنتم فيه تختلفون، ويجزي كلا بعمله.
وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله جل جلاله “وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ” ﴿المائدة 48﴾ لما بين تعالى نبوة موسى وعيسى، عقب ذلك ببيان نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم احتجاجا على اليهود والنصارى، بأن طريقته كطريقتهم في الوحي والمعجز، فقال: “وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ” يا محمد “الْكِتَابَ” يعني: القرآن “بِالْحَقِّ” أي: بالعدل “مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ”: يعني التوراة والإنجيل، وما فيهما من توحيد الله، وعدله، والدلالة على نبوته، والحكم بالرجم والقود على ما تقدم ذكره. وقيل: المراد بالكتاب الكتب المنزلة على الأنبياء، ومعنى الكتاب: المكتوب، كقولهم هذه الدراهم ضرب الأمير أي: مضروبه، عن أبي مسلم. “وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ”: معناه وأمينا عليه، شاهدا بأنه الحق، عن ابن عباس، والحسن، وقتادة، ومجاهد. وقيل: مؤتمنا عن سعيد بن جبير، وأبي عبيدة، وابن جريج، وهو قريب من الأول. قال ابن جريج: أمانة القرآن أن ما أخبر به الكتب إن كان موافقا للقرآن يجب التصديق به، وإلا فلا. وقيل: معناه وحافظا ورقيبا عليه، عن الحسن، وأبي عبيدة، قالوا: وفيه دلالة على أن ما حكى الله أنه كتبه عليهم في التوراة، يلزمنا العمل به لأنه جعل القرآن مصدقا لذلك، وشاهدا به “فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ” يعني بين اليهود بالقرآن في الرجم على الزانين، عن ابن عباس، قال: إذا ترافع أهل الكتاب إلى الحكام، يجب أن يحكموا بينهم بحكم القرآن، وشريعة الإسلام، لأنه أمر من الله بالحكم بينهم، والأمر يقتضي الإيجاب، وبه قال الحسن، ومسروق، وقال الجبائي: وهذا ناسخ للتخيير في الحكم بين أهل الكتاب، أو الأعراض عنهم والترك. “وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ” يريد: فيما حرفوا وبدلوا من أمر الرجم، عن ابن عباس “عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ” ويجوز أن يكون عن من صلة معنى لا تتبع أهواءهم، لان معناه لا تزغ، فكأنه قال لا تزغ عما جاءك باتباع أهوائهم.
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله جل جلاله “وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ” ﴿المائدة 48﴾ “وأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ ومُهَيْمِناً عَلَيْهِ” المراد بالكتاب الأول القرآن، لأن الخطاب موجه لمحمد صلى الله عليه وآله، والمراد بالكتاب الثاني جنس الكتاب الشامل لجميع الكتب السماوية، ومنها التوراة والإنجيل. بعد أن ذكر سبحانه التوراة والإنجيل وموسى وعيسى عليه السلام عقب بذكر القرآن ومحمد صلى الله عليه وآله، ووصف القرآن بوصفين: الأول: انه يصدّق كل كتاب نزل على نبي من الأنبياء. الثاني: انه مهيمن على ما سبقه من الكتب السماوية، ومعنى هيمنة القرآن على التوراة والإنجيل انه يشهد لهما بالحق والصدق، ويخبر عن الأصول والأحكام المحرفة فيهما ليميز الناس الأصيل من الدخيل الذي نسبه رؤساء الأديان إلى اللَّه كذبا وافتراء. “فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ” – أي بين اليهود – ” بِما أَنْزَلَ اللَّهُ ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ “. وبديهة أن النبي صلى الله عليه وآله لا يحكم إلا بالحق، ولا يتساهل فيه كبيرا كان أو صغيرا، ومحال أن يتبع هوى مخلوق.. كيف وأقواله وأفعاله الميزان الذي يقاس به الحق والعدل؟. ولو افترض أن مخادعا حاول أن يخدع الرسول بمظهره وريائه، وأوشك الرسول أن يخدع به باعتباره بشرا فإن اللَّه سبحانه يرعاه بعنايته، ويعلمه بالواقع قبل أن تبدر منه أية بادرة يريدها منه المخادع المحتال: “ولَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا” (الإسراء 74). وتسأل: إذا كان الأمر كذلك، فلما ذا اختصت الشريعة الإسلامية بالدوام والاستمرار من بين الشرائع؟ ولن يعرف الجواب عن هذا السؤال إلا من درس الشريعة الإسلامية، حيث يرى أنها تقوم على قواعد ثابتة محال أن تتغير بتغير الأزمان والأحوال، لأنها تلائم الإنسان، من حيث هو إنسان، لا من حيث انه قديم أو حديث، من ذلك على سبيل المثال: لا يكلف اللَّه نفسا إلا وسعها.. كل إنسان بريء، حتى تثبت إدانته.. الصلح خير.. إقرار العقلاء على أنفسهم جائز. الناس عند شروطهم. الحدود تدرأ بالشبهات. لا ضرر ولا ضرار. الضرورات تبيح المحظورات.. اليقين لا ينقضه إلا يقين مثله. درأ المفسدة أولى من جلب المصلحة. الضرر لا يزال بضرر مثله. الغائب على حجته حتى يحضر، وما إلى ذلك مما أفرد له الفقهاء المجلدات. إن هذه المبادئ محال أن تتغير إلا إذا تغيرت طبيعة الإنسان.
عن موقع الولاية (نهضة الأمة في القرآن الكريم والأمة الرشيدة) للدكتور خليل خلف بشير: النهضة هي انتقال فرد أو شعب أو أمة من حال الى حال أفضل منه فضلاً عن أنها الارتفاع الفكري في حياة الناس، وهي ليست ارتفاعاً اقتصادياً ولا روحياً ولا اخلاقياً، وإنما هي ارتقاء بالفكر ليس غير، ولا يمكن أن تتحقق النهضة إلا بمبدأ يقوم على عقيدة ينبثق منها نظام يبيّن الأساس الفكري في حياة الناس، والعقائد في عالمنا المعاصر ثلاثة هي: 1-العقيدة الإشتراكية: وهي عقيدة باطلة، لأنها لا تقنع العقل، ولا توافق الفطرة، لذلك انهار مبدأ لبطلانه، ومن ثمّ كل النظم الإشتراكية من سياسية، واجتماعية، واقتصادية فاسدة لأنها منبثقة عن أساس باطل فأصحاب المبدأ الإشتراكي أرادوا النهوض والارتفاع على أساس مبدئهم ونهضوا لكن نهضتهم غير صحيحة، لأن مبدأهم غير صحيح لقيامه على أسس غير صحيحة، وقد انهار المبدأ ودولته لا لسوء تطبيق المبدأ فحسب وإنما كلما ازدادوا تطبيقاً له كانت نهايتهم تقترب، لأنه مبدأ يخالف الواقع. 2- العقيدة الرأسمالية أو العلمانية: وهي فصل الدين عن الحياة فهي عقيدة باطلة أيضاً، لأنها أيضاً غير صحيحة لا تقنع العقل ولا توافق الفطرة، وهذا المبدأ في طريقه للإنهيار والاندثار إن شاء الله تعالى. 3- العقيدة الإسلامية: وهي العقيدة القائمة على المبدأ الإسلامي على أساس (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وقد أعطت فكراً كلياً أساسياً شاملاً عن كل الأشياء المدركة المحسوسة، وتتمثل في الكون والإنسان والحياة في كونها محدودة ومحتاجة أي إنها مخلوقة لخالق خلقها جميعاً، وهو الله سبحانه وتعالى، وإنه وراء الكون والإنسان والحياة، وإن الحياة الدنيا مخلوقة، وأن بعدها الموت والحساب على اتباع هدي الخالق أو مخالفته، وحمل رسالة الإسلام العظيم، وإن الله سبحانه أرسل الرسل بهذا الهدي، وأن سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله قد أرسله الله خاتماً للرسل والأنبياء برسالة الإسلام هادياً وداعياً الى الله وسراجاً ومبشراً ونذيراً للعالمين، وإن الله تعالى يحاسب على أساس هذه الرسالة العظيمة.