الكاتب : فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قوله عز وجل “قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” ﴿يونس 49﴾ قل لهم أيها الرسول: لا أستطيع أن أدفع عن نفسي ضرًا، ولا أجلب لها نفعًا، إلا ما شاء الله أن يدفع عني مِن ضرٍّ أو يجلب لي من نفع. لكل قوم وقت لانقضاء مدتهم وأجلهم، إذا جاء وقت انقضاء أجلهم وفناء أعمارهم، فلا يستأخرون عنه ساعة فيُمْهلون، ولا يتقدم أجلهم عن الوقت المعلوم.
وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز وجل “قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” ﴿يونس 49﴾ لما كان قولهم:”متى هذا الوعد إن كنتم صادقين” في معنى قولنا: أي وقت يفي ربك بما وعدك أويأتي بما أوعدنا به أنه يقضي بيننا وبينك فيهلكنا وينجيك والمؤمنين بك فيصفولكم الجوويكون لكم الأرض وتخلصون من شرنا؟ فهلا عجل لكم ذلك وذلك – أن كلامهم مسوق سوق الاستعجال تعجيزا واستهزاء كما تدل على استعجالهم الآيات التالية وهذا نظير قولهم: “لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين” (الحجر 7). لقن سبحانه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبدأهم في الجواب ببيان أنه لا يملك لنفسه ضرا حتى يدفعه عنها ولا نفعا حتى يجلبه إليها ويستعجل ذلك إلا ما شاء الله أن يملكه من ضر ونفع فالأمر إلى الله سبحانه جميعا، واقتراحهم عليه بأن يعجل لهم القضاء والعذاب من الجهل. ثم يجيب عن سؤالهم عن أصل تعيين الوقت جوابا إجماليا بالإعراض عن تعيين الوقت والإقبال على ذكر ضرورة الوقوع، أما الأول فإنه من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وأمره الذي لا يتسلط عليه إلا هو، وقد تقدم قوله في آيات السورة: “ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين” الآية 20 من السورة. وأما الثاني أعني ذكر ضرورة الوقوع فقد بين ذلك بالإشارة إلى حقيقة هي من النواميس العامة الجارية في الكون تنحل بها العقدة وتندفع بها الشبهة، وهي أن لكل أمة أجلا لا يتخطاهم ولا يتخطونه فهوآتيهم لا محالة، وإذا أتاهم لم يخبط في وقوعه موقعه ولا ساعة، وهو قوله تعالى:”لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون” أي وأنتم أمة من الأمم فلا محالة لكم أيضا أجل كمثلهم إذا جاءكم لا تستأخرون ساعة ولا تستقدمون.
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قال الله تعالى عن أمة “وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” ﴿الأعراف 34﴾ “ولِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ”. المراد بالأمة هنا الجماعة، كما في الآية 23 من القصص: “ولَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ”.. بعد أن ذكر سبحانه في الآية السابقة 28 ان المشركين يفعلون الفواحش، ويقولون: اللَّه أمرنا بها وذكر في الآية 31 ما أحل اللَّه، وفي الآية 33 ما حرم، بعد هذا قال: ولكل أمة أجل. أي لكل جماعة، ومنهم المشركون الذين افتروا على اللَّه الكذب – أجل معين في هذه الحياة، ثم يردون إلى اللَّه، فينبئهم بما كانوا يعملون. وفي هذا تهديد ووعيد للمشركين ومرتكبي الفواحش ولأهل البغي والإثم، ولكل من قال على اللَّه بغير علم. “فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً ولا يَسْتَقْدِمُونَ” تقدم تفسيره في الآية 145 من آل عمران، فقرة الأجل محتوم ج 2 ص 171.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قال الله تعالى عن أمة “وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” ﴿الأعراف 34﴾ لكلّ أمّة أجل: في هذه الآية يشير الله تعالى إلى واحدة من سنن الكون والحياة، يعني فناء الأمم وزوالها، ويلقي ضوءا أكثر على الأبحاث التي تتعلق بحياة أبناء البشر على وجه الأرض ومصير العصاة، التي سبق الحديث عنها في الآيات السابقة. فيقول أوّلا: “وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ”. ثمّ يشير إلى أنّ هذا الأجل لا يتقدم ولا يتأخر إن جاء “فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ”. أي أنّ الأمم والشعوب مثل الأفراد، لها موت وحياة، وأنّ الأمم تندثر وينمحي أثرها من على وجه الأرض، وتحل مكانها أمم أخرى، وإنّ سنّة الموت وقانون الفناء لا يختصان بأفراد الإنسان، بل تشمل الجماعات والأقوام والأمم أيضا، مع فارق وهو أنّ موت الشعوب والأمم يكون ـ في الغالب ـ على أثر انحرافها عن جادة الحق والعدل، والإقبال على الظلم والجور، والانغماس في بحار الشهوات، والغرق في أمواج الإفراط في التجمل والرفاهية. فعند ما تسلك الأمم في العالم هذه المسالك وتنحرف عن سنن الكون وقوانين الخلقة، تفقد مصادرها الحيوية الواحد تلو الآخر، وتسقط في النهاية. إنّ دراسة زوال مدنيات كبرى، مثل حضارة بابل، وفراعنة مصر، وقوم سبأ، والكلدانيين والآشوريين، ومسلمي الأندلس وأمثالها، توضح الحقيقة التالية، وهي أنّه لدى صدور الأمر بزوال هذه المدنيات والحضارات الكبرى إثر بلوغ الفساد أوجه فيها لم تستطع حكوماتها أن تحفظ أسسها المتزعزعة حتى ساعة واحدة. ويجب الالتفات إلى أنّ (الساعة) في اللغة تعني أصغر وحدة زمنية، فربّما تكون بمعنى لحظة، وربّما تكون بمعنى أقل قدر من الزمن، وإن كانت الساعة تعني في عرفنا الحاضر اليوم مدة واحد من أربع وعشرين ساعة في اليوم. الرد على خطأ: رأت بعض المذاهب المختلفة التي ظهرت في القرون الأخيرة بغية الوصول إلى أهدافها، أن تزعزع ـ بظنها ـ قبل أي شيء أسس خاتمية رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم، ولهذا تمسكت ببعض الآيات القرآنية التي لا تدل على هدفها، وبمعونة من تفسيرها بالرأي، وشيء من المغالطة والسفسطة للتدليل على مقصودها. ومن تلك الآيات الآية المبحوثة هنا. فقالوا: إنّ القرآن يصرّح بأنّ لكل أمّة أجلا ونهاية، والمراد من الأمّة الدين والشريعة، ولهذا فإنّ للدّين الإسلامي أمدا ونهاية أيضا. إنّ أفضل الطرق لتقييم هذا الاستدلال هو أن ندرس المعنى الواقعي للفظة الأمّة في اللغة، ثمّ في القرآن الكريم. يستفاده من كتب اللغة، وكذا من موارد استعمال هذه اللفظة في القرآن الكريم، والتي تبلغ 64 موضعا، إنّ الأمّة في الأصل تعني الجماعة. فمثلا في قصة موسى نقرأ هكذا: “وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ” (القصص 23) أي يمتحون الماء من البئر لأنفسهم ولأنعامهم. وكذا نقرأ في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: “وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ” (آل عمران 104). كما نقرأ أيضا: “وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ” (الأعراف 164). والمعنيون بالأمّة هم أهالي مدينة إيلة من بني إسرائيل. ونقرأ حول بني إسرائيل: “وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً” (الأعراف 160). من هذه الآيات يتّضح جيدا أنّ الأمّة تعني الجماعة، ولا تعني الدين، ولا أتباع الدين، ولو أنّنا لا حظنا استعمالها في أتباع الدين، فإنّما هو بلحاظ أنّهم جماعة. وعلى هذا الأساس يكون معنى الآية المبحوثة هنا هو أنّ لكل جماعة من الجماعات البشرية نهاية، فليس آحاد الناس هم الذين يموتون، وتكون لأعمارهم آجال وآماد فحسب، بل الأمم هي الأخرى تموت، وتتلاشى وتنقرض. وأساسا لم تستعمل لفظة الأمّة في الدين أبدا، ولهذا فإنّ الآية لا ترتبط بمسألة الخاتمية مطلقا.
عن شبكة الألوكة الشرعية مفهوم ومقومات الأمة في النص القرآني للكاتب الدكتور أسعد بن أحمد السعود: مَن يقوم بصيرورة وقيامة الأمة بعد غياب النبي؟ هم أولئك الذين يَتصدَّوْن للزَّيغ وللذين يَبتغون الفتنة بين المسلمين، ويبتغون تأويلَ ما تشابَه من آيات الله في القرآن العظيم، وقد أطلَق الله تعالى عليهم في آياته صفةَ (الراسخون في العلم)، قال تعالى:” وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ” (آل عمران 7). ويُضيف ربُّ العزة هذا الوصف الرباني في موضع كريم آخرَ، مع توسيع دائرة مَن تقوم بهم قوامة الأُمة بقوله تعالى:” لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا” (النساء 162). ويجعل ربُّ العزة دوامَ قيامة الأمة، ويَصِفها بأنها من خِيرة الأمم حين يَضرِب بها المثل للناس أجمعين بقوله تعالى:” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” (آل عمران 110). ميزان استدامة الإيمان: رأينا أنَّ استدامة قيامة وصيرورة الأمة تقوم على صلابة أركانها، واستدامة وجود المؤمنين عامة، والراسخين في العلم منهم خاصة، فإن الله تعالى وضَع الميزان الدقيق، ليَستدركَ كلُّ مؤمنٍ درجاتِ إيمانه على مدى سنوات عُمره التي يَقضيها بالاستجابة وتنفيذ الطاعات ليلًا ونهارًا، قال تعالى:” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ” (الأنفال 2)، وقال تعالى:” أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ” (الأنفال 4).