الكاتب : سليم الحسني
لستَ مضطراً الى التنازل أكثر مما تنازلتْ. قد يكون منصب رئيس الوزراء مهماً لك، وهو كذلك بالنسبة لمعظم المسؤولين والسياسيين، لكن بريق المنصب لا يدوم.
أعرفُ أنها نصيحة خائبة، فكيف يمكن أن تنصح رجلاً بالتنازل عن الملك العقيم؟ لكنها عادة ألفناها من أجوائنا التقليدية، نقدم النصيحة لبعضنا البعض ونحن نعرف أنها غير مجدية.
لكني أقدم لك هذه النصيحة ليس من جانبها الوعظي، إنما من بعدها التاريخي، ولعل شغفي بالتاريخ هو الذي يجعلني أعيدها عليك.
سيكتب التاريخ مقارنة بسيطة بينك وبين محمد توفيق علاوي الذي رفض التنازل أمام الضغوط، وأصرّ على إرادته الحرة، وسيقارن المواطن العراقي بينه وبينك، فما الذي سيقوله عنه وعنك؟
سيقول إن السيد محمد توفيق علاوي كان وطنياً مخلصاً شجاعاً. كان رجلاً يحترم عقله وشخصيته وشعبه فرفض التنازل. وسيقول عنك وصفاً آخر لا أتمناه لك وحق رب العباد.
سيقارن التاريخ بينك وبين الدكتور طارق نجم حين عُرضت عليه عام ٢٠١٤ بإجماع لم يحدث مع مرشح لرئاسة الوزراء قبله ولا بعده، لكنه رفضها رفضاً قاطعاً، لأنه لا يريدها منزوعة من المالكي بالقهر والغلبة، ولا يريد أن يحملها وفي رقبته دين لأحد.
والتاريخ سيكتب عن تجربة سابقة للدكتور إبراهيم الجعفري حين فاوضوه على إعطائهم هذه الوزارة وتلك مقابل التصويت له في الائتلاف الوطني الموحد، لكنه رفض بشدة قائلاً: (أريد أن أشكل الحكومة ويدي بيضاء).
لن تدخلَ قصر الحكومة ويدك بيضاء وأنت بهذا الحال. ومَنْ يدخلها بيدٍ ملوثة بتوقيع التنازل، لا يخرج منها إلا وقد ضاع من جبينه شيء ثمين.
ربما تقول ويقول غيرك: إن الناس تنسى، وذاكرة العراقيين مولعة بالنسيان.
هذا صحيح، لكن التاريخ حين يسجل وقائعه يكون دقيقاً وثابتاً ولا يمكن محوها. ولأنه كذلك فأنه يعيد للناس ذاكرتهم حين ينسون.
٢٤ تشرين الأول ٢٠٢٢