Dr Fadhil Sharif

الكاتب : فاضل حسن شريف

عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى “وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” ﴿البقرة 250﴾ لما رأى المؤمنون القلة في جانبهم، والكثرة في جانب عدوهم لجأوا إليه سبحانه داعين متضرعين بإخلاص، فاستجاب لهم “وقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ ” ونصر اللَّه المؤمنين على الكافرين، وحقق بفضله ورحمته ظن من قال: “كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ “.

وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” ﴿البقرة 250﴾ (برزوا) من مادّة (بروز) بمعنى الظّهور، فعندما يستعد المحارب للقتال ويتّجه إلى الميدان يقال أنّه برز للقتال، وإذا طلب القتال من الأعداء يُقال أنّه طلب مبارزاً. تقول هذه الآية أنّه عندما وصل طالوت وجنوده إلى حيث ظهر لهم جالوت وجيشه القوي ووقفوا في صفوف أمامه رفعوا أيديهم بالدّعاء، وطلبوا من الله العليّ القدير ثلاثة اُمور، الأوّل: الصّبر والإستقامة إلى آخر حد، ولذا جاءت الجملة تقول: “أفرغ علينا صبراً”. و(الإفراغ) تعني في الأصل صبّ السائل بحيث يخلو الإناء ممّا فيه تماماً، ومجيء (صبر) بصيغة النكرة يؤكّد هذا المعنى بشكل أكبر. الإعتماد على ربوبيّة الخالق جلّ وعلا بقولهم (ربّنا) وكذلك عبارة (إفراغ) مضافاً إلى كلمة (على) التي تبيّن أنّ النزول من الأعلى، وكذلك عبارة (صبراً) في صيغة النكرة كلّ هذه المفردات تدلُّ على نكات عميقة لمفهوم هذا الدعاء وأنّه دعاء عميق المغزى وبعيد الأُفق. الثاني: أنّهم طلبوا من الله تعالى أن يثبّت أقدامهم “وثبّت أقدامنا” حتّى لا يُرجّح الفرار على القرار، والواقع أنّ الدعاء الأوّل إتّخذ سمة الطلب النفسي والباطني، وهذا الدعاء له جنبة ظاهريّة وخارجيّة، ومن المسلّم أنّ ثبّات القدم هو من نتائج روح الاستقامة والصبر. الثالث: من الاُمور التي طلبها جيش طالوت هو”وانصرنا على القوم الكافرين” وهو في الواقع الهدف الأصلي من الجهاد ويُنفّذ النتيجة النهائيّة للصبر والاستقامة وثبات الأقدام. ومن المسلّم أنّ الله تعالى سوف لا يترك عبادة هؤلاء لوحدهم أمام الأعداء مع قلّة عددهم وكثرة جيش العدو، ولذلك تقول الآية التالية: “فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت”.

جاء في المعاجم: صابَرَ: (فعل)، صابرَ يصابر، مُصابَرةً وصِبارًا، فهو مُصابِر، والمفعول مُصابَر، صابر أخاه: غالبه في الصَّبر والتحمُّل، صابَرَهُ: ماطَلَه صابَر المُدِينُ دائنَه في إعطائه ماله، صابِر: (اسم)، صابِر: فاعل من صَبَرَ، صابِر: (اسم)، الصَابِرٌ: الْمُتَجَلِّدُ الَّذِي يَتَحَمَّلُ بِصَبْرٍ الْمَصَائِبَ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ. صَبر: (اسم) مصدر صَبَرَ، يَتَحَلَّى بِالصَّبْرِ: يَتَحَلَّى بِالْجَلَدِ، أَيْ لاَ يُظْهِرُ شَكْوىً مِنْ أَلَمٍ أَوْ بَلْوىً، الصَّبْرُ: التجلُّد وحسن الاحتمال”رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا” ﴿البقرة 250﴾، برز: حصل في براز، وذلك إما أن يظهر بذاته نحو: “وترى الأرض بارزة” (الكهف 47) تنبيها أنه تبطل فيها الأبنية وسكاتها، ومنه: المبارزة للقتال، وهي الظهور من الصف، قال تعالى: “لبرز الذين كتب عليهم القتل” (آل عمران 154)، وقال عز وجل: “ولما برزوا لجالوت وجنوده” (البقرة 250)، وإما أن يظهر بفضله، وهو أن يسبق في فعل محمود، وإما أن ينكشف عنه ما كان مستورا منه، ومنه قوله تعالى: “وبرزوا لله الواحد القهار” (إبراهيم 48)، وقال تعالى: “يوم هم بارزون” (غافر 16)، وقوله: عز وجل: “وبرزت الجحيم للغاوين” (الشعراء 91) تنبيها أنهم يعرضون عليها، ويقال: تبرز فلان، كناية عن التغوط (انظر: الفائق 1/92). وامرأة برزة (انظر: الأفعال 4/118)، عفيفة، لأن رفعتها بالعفة، لا أن اللفظة اقتضت ذلك.

أن رضا الله هو باب دخول الجنة ولا يحصل الا بالصبر على البلاء، ومرحلة الاصطفاء تحصل بعد مرحلة الرضا إن كان الاصطفاء لنبي او غيره مثل مريم عليها السلام و طالوت. والله تعالى يلهم الانبياء وغير الانبياء من هم في ورع ويقين الذي يأتي بعد العبادة. أنّ الثبات أمام العدو أهم رمز للانتصار، و إنّما يكسب الحرب الذين يصمدون و يستقيمون أكثر، و لذلك نقرأ في قصة محاربة طالوت القائد العظيم لبني إسرائيل لجالوت المتسلّط الجائر القوي أنّ المؤمنين القليلين الذين كانوا معه عند ما واجهوا جيش العدو الجرار، قالوا: “رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ”‌ (البقرة 250).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *