سلمان رشيد الهلالي
نبهت الازمة السورية الاخيرة وقبلها احداث غزة ولبنان وانفراد المحور الشيعي بالمقاومة والحرب , والتبعات الملحقة بها من قبيل التدمير والحصار والقصف وتقديم الاف الشهداء من القادة وغيرهم , نبهت الجماعة الشيعية في المنطقة الى ضرورة تغيير الفكر السياسي الشيعي من الثورية والرفض والمقاومة والمواجهة مع الغرب واسرائيل الى مصاف الواقعية السياسية والبرغماتية , وترك المفاهيم الثورية التي بلورتها الثورة الايرانية عام 1979 .
فكلنا يعلم ان الثورة الايرانية افرزت تحولا جذريا في الفكر السياسي الشيعي , فبعد ان كان هذا الفكر يعتمد طوال اكثر من الف عام مبدأ (الانعزال) و(الانتظار) (اي ترك العمل السياسي المباشر لحين انتظار ظهور الامام المهدي الغائب) , احدث قيام تلك الثورة تغييرا جذريا بالفكر السياسي الشيعي من الانعزال والانتظار الى الدخول بالعمل السياسي المباشر , وضرورة اقامة الدولة الاسلامية والشيعية ضمن مبدأ ولاية الفقيه , والقت بالتالي الروح بالمومياء الشيعية المتكلسة منذ الف عام . وهذا التحول المفصلي والكبير في العمل السياسي المباشر يعد حالة متقدمة بالقياس الى حالة الانعزال والغيبوبة والعبودية والانتظار , الا نه في نفس الوقت يشكل حالة متاخرة بالقياس الى النظم السياسية الحديثة كالليبرالية والديمقراطية والتعددية والبرغماتية والواقعية السياسية . واستمر هذا النسق الثوري مسيطرا على الفكر السياسي الشيعي ولم يخرج عن نمطه بقوة الا النظام السياسي في العراق لاسباب ذاتية وموضوعية لسنا بصددها .
واعتقد ان هذا العام 2024 قد يشكل انعطافة في التحول بالفكر السياسي الشيعي . فاحداث الازمة السورية التي غدرت بمحور المقاومة بالتعاون مع اسرائيل التي صرح وزير دفاعها انها من اسقطت الاسد , وقبلها احداث غزة ولبنان واليمن , قد اثبت ان المنهج الثوري الشيعي الذي تتزعمه ايران , وسار على نهجه الشيعة في لبنان واليمن والفصائل المقاومة في العراق وسوريا وغزة وغيرها , غير مرحب به في المنطقة العربية والاسلامية السنية , ليس بسبب سكوتهم عن دعمه ونصرته فحسب , بل والتحريض عليه اعلاميا وعسكريا وسياسيا ودوليا وطائفيا , لاسباب عده اهمها ان ان هذه الاحداث والمقاومة البطولية وتقديم الاف الشهداء تعري المجتمع السني والدول السنية امام شعبها , وتظهرهم بمظهر المتردد والجبان والخائف والمطبع امام اسرائيل وامريكا , وبالعكس تظهر المحور الشيعي بمظهر المقاوم والشجاع والمضحي , وبالتالي فان هذا كفيل بانتشار التشيع في العالم الاسلامي من جانب وخلخلة انظمتهم وسلطتهم من جانب اخر .
فبعد ان فهم الشيعة اللعبة متاخرين , وعرفوا ان اخر مايفكر به الوسط العربي والاسلامي السني هو فلسطين , وانهم تقدموا كثيرا بالوعي السياسي من خلال العلاقة مع امريكا والغرب , وان الجماعات السنية تسير وراء السلطان , وان السلطان سيفه موجها على الدوام لاعداء الداخل وليس الخارج , فعليهم ان يتصرفوا بواقعية سياسية وعملية , لان فاتورة مواجهة امريكا واسرائيل والغرب ليست باهظة من الحصار والقتل والتدمير فحسب , بل والغدر من (الاخوة الاعداء) الذين يتحينون الفرصة للوثوب الى السلطة , والبحث عن مكاسب من تلك المواجهات , كما حصل في سوريا مؤخرا , وان معيار القوة في هذا العصر ليس في مواجهة الغرب , وانما العلاقة مع الغرب , فهي تحيي البلدان وهى رميم وتميت اخرى , وان السير وفق النهج الثوري , انما يولد الدمار والفقر والتاخر والانقسام , بل وربما فقدان السلطة لصالح الاوباش والصعاليك .