فبراير 5, 2025
download (1)

حسن عطوان

📌 أطلعتُ في وقت متأخر من الليلة الماضية على مقالة لأحد الأخوة ، نشرها بمناسبة ذكرى إستشهاد الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، جاء فيها ما نصه :

” لا يوجد أي دليل حاسم ، بل ولا حتى معْتَدٍّ به ، يثبت أنَّ العباسيين قتلوا علوياً من الأئمة الإثني عشر الذين تؤمن الإمامية بإمامتهم .

وبحسب قراءاتي للتاريخ ، وهي قابلة للمراجعة شأن كل قراءة تاريخية ، أنَّ العباسيين أبرياء من هذه التهم ” !! انتهى .

📌 ولا أدري ما الذي يدفع البعض ممَّن يدّعي التشيع للتشكيك ببعض القضايا التي هي بديهية حتى عند مخالفينا وخصومنا ؟!!

📌 كما أجهل تماماً لماذا يُراد تبرئة كل مجرمي التاريخ من ظلمهم للشيعة ، وحربهم التي لم تتوقف يوماً ضد التشيع ؟!!

📌 لست هنا بصدد الإجابة التفصيلية عمّا تشبث به الأخ صاحب المقالة ؛ ففي الصحة إعتلال وفي المزاج كدورة وفي الصدر وحشة !

إنّما سأكتفي فقط ببعض المصادر ( السُنّية ) التي تحدثت بوضوح عمّا حصل مع الإمام الكاظم ( عليه السلام ) من طغاة زمانه ، بإعتباره صاحب الذكرى .

جاء في البداية والنهاية لإبن كثير ما نصّه :

” ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين ومائة … وفيها توفي من الأعيان … موسى بن جعفر … ويقال له الكاظم … وكان كثير العبادة والمروءة … وقد إستدعاه المهدي العباسي ( 1 )  إلى بغداد فحبسه ، فلما كان في بعض الليالي رأى المهدي علي بن أبي طالب وهو يقول له :

يا محمد ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ ) ( 2 ) فاستيقظ مذعوراً وأمر به فأُخرج من السجن ليلاً …

فلم يزل [ أي الإمام ] بالمدينة حتى كانت خلافة الرشيد فحج ( 3 ) ، فلما دخل ليسلم على قبر النبي ( صلى الله عليه وسلَّم ) ومعه موسى بن جعفر الكاظم ، فقال الرشيد : السلام عليك يا رسول الله ، يا بن عم ،

فقال موسى :

السلام عليك يا أبت .

فقال الرشيد : هذا هو الفخر يا أبا الحسن .

ثم لم يزل ذلك في نفسه حتى إستدعاه في سنة تسع وسبعين [ سقط : بعد المئة ] ، وسجنه فأطال سجنه ” ( 4 ) .

ونقل مثل ذلك صاحب تاريخ بغداد ، وصاحب سِيَر أعلام النبلاء ، وآخرون ( 5 ) .

وفي الصواعق المحرقة ، قال :

” لمّا حج الرشيد سُعيَ به [ أي : بالإمام الكاظم ] إليه ، وقيل له : إنَّ الأموال تُحْمل إليه من كل جانب … فقبض عليه وأنفذه لأميره بالبصرة عيسى بن جعفر بن منصور ( 6 ) ، فحبسه سنة ، ثم كتب له الرشيد في دمه فاستعفى … وأنّه إنْ لم يرسل بتسليمه وإلّا خلّى سبيله ، فبلغ الرشيد كتابه ، فكتب للسندي بن شاهك بتسليمه وأمره فيه بأمر ، فجعل له سماً في طعامه ، وقيل في رطب فتوعك ومات بعد ثلاثة أيام ” ( 7 ) .

وجاء في مقاتل الطالبيين :

” وحج الرشيد في تلك السنة فبدأ بقبر النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله إنيّ اعتذر إليك من شيء أريد أنْ افعله ، أريد أنْ احبس موسى بن جعفر ، فإنّه يريد التشتت بين أمتك وسفك دمائها ! ثم امر به فأُخذ من المسجد فأُدخل إليه فقيّده ، وأُخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان هو في إحديهما ، ووجه مع كل واحد منهما خيلاً ، فأخذوا بواحدة على طريق البصرة ، والأخرى على طريق الكوفة ، ليعمى على الناس امره ، وكان موسى في التي مضت إلى البصرة ، فأمر الرسول أنْ يسلمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور ، وكان على البصرة حينئذ فمضى به ، فحبسه عنده سنة .

ثم كتب إلى الرشيد : أنْ خذه مني وسلّمه إلى مَن شئت ، وإلّا خليت سبيله ، فقد اجتهدت أنْ آخذ عليه حجة فما أقدر على ذلك ، حتى إنّي لأتسَمّع عليه إذا دعا لعله يدعو علي أو عليك فما أسمعه يدعو إلّا لنفسه ، يسأل الله الرحمة والمغفرة .

فوجّه من تسلمه منه ، وحبسه عند الفضل بن الربيع ( 8 ) ببغداد ، فبقي عنده مدة طويلة ، وأراده الرشيد على شيء من امره [ أي : أمره بقتل الإمام ] فأبى ، فكتب إليه ليسلمه إلى الفضل بن يحيى ( 9 ) ، فتسلمه منه ، وأراد ذلك منه [ أي : أمره بقتل الإمام أيضاً ] فلم يفعله ، وبلغه أنّه عنده في رفاهية وسعة ودعة ، وهو [ أي : هارون ] حينئذ بالرقة ، فأنفذ مسروراً الخادم إلى بغداد … وأمره أنْ يدخل من فوره إلى موسى فيعرف خبره ، فإنْ كان الامر على ما بلغه أوصل كتاباً منه إلى العباس بن محمد ( 10 ) وأمره بامتثاله ، وأوصل كتاباً منه إلى السندي بن شاهك ( 11 ) يأمره بطاعة العباس بن محمد ، فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيى لا يدري أحد ما يريد ، ثم دخل على موسى فوجده على ما بلغ الرشيد ، فمضى من فوره إلى العباس بن محمد والسندي بن شاهك ، فأوصل الكتابين إليهما ، فلم يلبث الناس أنْ خرج الرسول يركض ركضاً إلى الفضل بن يحيى ، فركب معه وخرج مشدوهاً دهشاً حتى دخل على العباس ، فدعا العباس بالسياط وعقابين ، فوجه بذلك إليه السندي ، فأمر بالفضل فجُرد ثم ضربه مائة سوط ، وخرج متغير اللون بخلاف ما دخل …

وكتب مسرور بالخبر إلى الرشيد ، فأمر بتسليم موسى إلى السندي بن شاهك وجلس الرشيد مجلساً حافلاً وقال : أيها الناس ، إنَّ الفضل بن يحيى قد عصاني وخالف طاعتي ، ورأيت أنْ العنه فالعنوه ، فلعنه الناس من كل ناحية حتى ارتج البيت والدار بلعنه .

وبلغ يحيى بن خالد ( 12 ) الخبر فركب إلى الرشيد ، فدخل من غير الباب الذي يدخل منه الناس حتى جاءه من خلفه وهو لا يشعر ، ثم قال له : التفت إلي يا أمير المؤمنين فأصغى إليه فزعاً ، فقال له : إنَّ الفضل حدث ، وأنّا أكفيك ما تريد [ ما يريده هارون هو قتل الإمام ] ، فانطلق وجهه وسُرّ ، فقال له يحيى : يا أمير المؤمنين ، قد غضضت من الفضل بلعنك إياه فشرفه بإزالة ذلك ، فأقبل على الناس فقال : إنَّ الفضل قد عصاني في شيء فلعنته وقد تاب وأناب إلى طاعتي فتولوه ، فقالوا نحن أولياء من واليت ، وأعداء من عاديت وقد توليناه !!

ثم خرج يحيى بن خالد … حتى وافى بغداد ، فماج الناس وارجفوا بكل شيء … ثم دخل ودعا بالسندي وأمره فيه [ في الإمام الكاظم ] بأمره ( 13 ) .

وقال اليعقوبي في تاريخه :

” توفي موسى بن جعفر … وكان ببغداد في حبس الرشيد قِبَل السندي بن شاهك ” ( 14 ) .

وإنْ كان هناك شكٌّ في إخلاص الأصفهاني واليعقوبي لتسننهما – كما هو ديدن القوم في إتهام كل سُنّيٍّ لديه بعض إنصافٍ – فلا وجود لمثل هذا الشك في إخلاص إبن كثير وابن حجر والذهبي والخطيب ، وأمثالهم .

فإبن كثير مثلاً لاشك في كونه حاقداً على الشيعة وناقماً عليهم ، يشهد لذلك أنّه وهو يصف أحد أعلام الشعراء الشيعة ، قال :

” ثم دخلت سنة تسع وسبعين ومائة … وفيها توفي : إسماعيل بن محمد … أبو هاشم الحميري الملقب بالسيد ، كان من الشعراء المشهورين المبرزين فيه ، ولكنه كان رافضياً خبيثاً وشيعياً غثيثاً … وكان قبحه الله يسب الصحابة في شعره .

قال الأصمعي : ولولا ذلك ما قدّمت عليه أحداً في طبقته ” ( 15 ) .

📌 ومع ذلك فإبن كثير وغيره من مؤرخي السُنّة لم يسعهم إنكار ما حصل !

فيأتي هذا الأخ وينسف متبرعاً كل ما حصل ( بشخطة ) قلم !

 📌 وخلاصة الأمر وفق نفس المصادر السُنّية :

إنَّ الإمام حُبس مرتين :

الأولى منهما : كانت في زمن تسلط المهدي العباسي حيث أمر عامله على المدينة بإعتقال الإمام ، لكنّه أطلق سراحه بعد أنَّ رأى رؤية أفزعته بحسب بعض الروايات ، ولم يحدد المؤرخون مدة الحبس في هذه المرّة .

وأمّا المرة الثانية : فكانت في سنة ( 179 ) هجرية ، حيث أمر هارون العباسي بإعتقال الإمام وهو يصلي في المسجد النبوي ، وأمر بالتوجه به إلى البصرة ، فأودعوه في سجن عيسى بن جعفر ، وبعد فترة انتقلوا به إلى سجن الفضل بن الربيع في بغداد ومنه إلى سجن الفضل بن يحيى ، ثم الى سجن السندي بن شاهك .

وقد بلغ إرهاق الإمام والتنكيل به والتضييق عليه من قبل هذا المجرم مبلغاً شديداً .

وبقي الإمام سجيناً في هذه المرة لأربع سنوات حتى أُستُشهد في ( 25 ) من شهر رجب من عام ( 183 ) هجرية .

حيث نصّت بعض الروايات أنَّه أُجبر على تناول طعام مسموم .

📌 ولعل السبب في عدم حبس الإمام مع عامة الناس ، هو الخوف من تأثيره الأخلاقي والروحي على كل مَن يحيط به ، كما حصل فعلاً مع بعض سجّانيّه ، وليس أنّه لم يكن مسجوناً بالفعل أو للترفيه عنه كما توهم صاحب المقالة ، فهذا ممّا لم يقل به أحدٌ من المؤرخين السُنّة إلّا في سجن الفضل بن يحيى ، إنْ كان النقل صحيحاً ، وسلّمنا بأنَّ ذلك لم يكن مجرد دعوى كيدية ضد الفضل من قبل خصومه .

📌 إنَّ مِحْنة الإمام الأشد من السجن ، هي مع مثل هؤلاء المتبرعين بنفي ما جرى عليهم من ظلامات ومحن ، وبنفي محَن ومظلومية شيعتهم عبر التاريخ !!

عظّم الله أجوركم .

*********

( 1 )  هو محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الملقب بالمهدي ، ثالث خلفاء بني العباس بعد السفاح والمنصور الدوانيقي .

( 2 ) محمد : 22 .

( 3 ) الظاهر أنّه كان في عمرة شهر رمضان لسنة ( 179 ) هجرية ؛ لأنَّ إعتقال الإمام حصل في شهر شوال من تلك السنة ، كما أكدته مصادر أخرى .

( 4 ) إسماعيل بن كثير الدمشقي ، ( ت : 774 ه‍ج ) ، البداية والنهاية ، ج 10 ، ص 197 ، الناشر : دار إحياء التراث العربي ، بيروت .

( 5 ) لاحظ مثلاً : الخطيب البغدادي ، أبو بكر أحمد بن علي ، ( ت : 463 هج ) ، تاريخ بغداد ، ج 13 ، ص 29 ، دار الكتب العلمية ، بيروت .

و : الذهبي ، محمد بن أحمد بن عثمان ، ( ت : 748 هج ) ، سِيَر أعلام النبلاء ، ج 6 ، ص 272 – 273 ، الناشر : مؤسسة الرسالة ، بيروت .

( 6 ) هو عيسى بن جعفر بن المنصور العباسي ، من أمراء بني العباس ، وهو إبن عم هارون وأخو زبيدة زوجته .

( 7 ) أحمد بن محمد … بن حجر الهيتمي ، ( ت : 973 هج ) ، الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة ، وهو كتاب في نقد معتقد الشيعة الإثني عشرية ، ص 308 ، طبعة الكترونية .

( 8 ) هو الفضل بن الربيع بن يونس ، وكان حاجب هارون ، وكان أبوه حاجباً لأبي جعفر العباسي .

( 9 ) هو الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي ، وزير هارون وحامل خاتم السلطة .

( 10 ) هو العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، ولي الشام لأخيه أبي جعفر ، وولي الجزيرة لهارون .

( 11 ) السندي بن شاهك : هو رئيس شرطة هارون ، وهو معروف بالقسوة وعدم الرحمة لكل مخالف لأوامر الخليفة ، وكان يكلَّف بالمهمّات التي تحتاج إلى قمع وتجسس ، ويُنسب إلى أمّه وليس إلى أبيه ، فشاهك هو إسم أمّه .

( 12 ) هو يحيى بن خالد البرمكي ، والد الفضل الذي تقدم ذكره ، كان كاتب هارون قبل أن يلي الخلافة ، ثم أصبح وزيره بعد أنْ تولاها ، وأصبح هو وأولاده الفضل وجعفر من علية القوم في خلافة هارون .

( 13 ) الأصفهاني ، أبو الفرج ، علي بن الحسين بن محمد … ابن مروان بن عبد الله بن مروان المعروف بالحمار آخر خلفاء الدولة الأموية في الشام ، مقاتل الطالبيين ، ( ت : 356 هج ) ، ص 334 – 335 ، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر ، قم ، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف .

( 14 ) اليعقوبي ، أحمد بن أبي يعقوب ، ( ت : 284 هج ) ، تاريخ اليعقوبي ، ج 2 ، ص 414 ، الناشر : دار صادر ، بيروت .

( 15 ) البداية والنهاية ، مصدر سابق ، ج 10 ، ص 186 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *