فاضل حسن شريف
عن کتاب أهل البيت عليهم السلام في الحياة الاِسلامية للسيد محمد باقر الحكيم: كانت الحاجة قائمة لوجود القائد وهو الاِنسان الكامل الذي نعبر عنه بالاِمام، ليقود معركة تحرير الاِنسان من كل هذه الآلهة والقيود، وتحقيق العبادة المطلقة لله تعالى، دون غيره من الآلهة، وهو المثل الاَعلى للحق، لاَن معركة التحرير هذه تحتاج إلى شخص يتصف بالاستيعاب الكامل والرؤية الواضحة للرسالة من ناحية، والشعور العالي بالمسؤولية أمام الله تعالى في إدامة المعركة والاِدارة القوية في إدارة المعركة التي تعتمد على جهاد النفس من ناحية أخرى. وهذا السبب هو ما أشار إليه الشهيد الصدر قدس سره في حديثه حول ضرورة الاِمامة بعد الرسول، وقد أعطى الاِمامة مضموناً شاملاً، يتحد مع النبوة أحياناً، عندما تكون الحاجة إلى النبي والقائد معاً، ويفترق عنها أحياناً أخرى، عندما تكون الحاجة إلى القائد وحده، ولكنه على أي يرتبط بهذه المهمة الخاصة وهي قيادة المعركة، وهو ما عبر عنه الشهيد الصدر قدس سره بقيادة المعركة التي يواجهها الاَنبياء في المجتمعات الاِنسانية، لاِزالة كل الاَمثلة المزيفة والآلهة المصطنعة الذي يخترعها الاِنسان ويبتدعها، سواء كانت هذه الاَمثلة المصطنعة والآلهة المزيفة عبارة عن طواغيت يحكمون بين الناس أو كانت شهوات وهوى يتحكم في مسيرة هؤلاء الناس، أو كانت أفكار منحرفة يختلقها الاِنسان ويبتكرها، فيجعلها مثالاً له يقتدي ويهتدي به، فيتحول إلى إله يعبده من دون الله، كما قال تعالى: “إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَآ أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَـنٍ” (النجم 23) فهي معركة إزاحة هذه الآلهة المصطنعة عن طريق الهدى والصلاح والخير الذي يقوده الاَنبياء. وهذه المعركة عمرها أطول من عمر النبي، فإن عمر الرسول مهما طال زمانه، لا يستوعب زمان الاِختلاف، لاَن الله تعالى جعل قضية الاِختلاف بين الناس سنّة من السنن الطبيعية التي تحكم حركة التاريخ في كل الاَدوار، فقضية الاَختلاف، قضية قائمة لا يختلف فيها زمان عن زمان، ولا تنتهي هذه القضية إلا بنهاية حركة البشرية.
جاء في موقع مؤسسة تراث الشهيد الحكيم عن آثار الإمام محمد باقر الحكيم في الاقتصاد الاسلامي للباحثين محمد حسين الشويطي وعلي خوير مطرود: المؤلفات التي تناولت فيما تناولت الاقتصاد الإسلامي: تفسير سورة الحديد: والكتاب في الأصل عبارة عن دروس كان يلقيها سماحة السيد الحكيم على جمع من فضلاء الحوزة العلمية، قامت مؤسسة الشهيد الحكيم بطبعها على شكل كتاب في صيف 2006 بعد فهرستها وتحقيقها، وقد كانت للشيخ محمد الحلفي والسيد محمود الحكيم جهود مباركة وأثر مهم في إخراج هذا النتاج العلمي الثر، وهو كتاب في التفسير، إذ ان سماحته كان قد طرق باب التفسير للقران الكريم وفق منهجية حديثة، فقد امتاز بالتفسير الموضوعي الذي يقدم الرؤية الكاملة للحياة بمختلف أبعادها، كما قدم نماذج عليه، لا سيما في محوري السنن التاريخية وعناصر المجتمع، وفضلاً عن هذا فقد وضع الشروط الواجب توافرها في شخص المفسر وهي (الذهنية الإسلامية ـ امتلاك رؤية في وحدة النص القرآني ـ العقيدة الصحيحة المستنبطة من القرآن الكريم). وقد تطرق الإمام الحكيم أثناء تفسيره لهذه السورة المباركة التي تعتبر من المسبحات، لأنها تبدأ بتسبيح الله سبحانه وتعالى، الى أهداف هذه الآية وغاياتها، ومنها الدعوة الى الإنفاق والقسط والعدل والتكافل الاجتماعي الذي يتحقق عن طريقين هما: (الإيمان بالله سبحانه وتعالى واليوم الآخر ـ إنفاق الأغنياء والمقتدرين). كما بين أسباب نزول السورة المباركة، والذي هو سبب اقتصادي، فقال: (نزلت بعد فتح مكة، حيث ألمحت السورة الشريفة الى قضية عدم المساواة بين الذين أنفقوا قبل الفتح والذين أنفقوا بعده، مما يدل على أنها نزلت بعد فتح مكة، وفي هذه الفترة بدأ المسلمون يواجهون شيئاً من حياة الدعة والرخاء، الأمر الذي أدى الى ظهور ما يسمى بالخدر الحضاري). ولكون الإمام قد تميز كما سنبين في منهجه العلمي بواقعيته في البحث فقد لذا وقع اختياره على هذه الآية المباركة ليربطها بمعاناة شعوب المسلمين، ويبين ما فيها من غايات سامية وأهداف وتجارب، ومنها التجربة الاقتصادية الإسلامية، التي أكدت على ضرورة عدم الاستسلام للخدر، وعليه ان يسعى في الدنيا استناداً الى قوله تعالى: “وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى” (النجم 39). فجاء التفسير مشتملاً على جوانب اقتصادية كثيرة ومتنوعة منها: الإنفاق وشروطه وفوائده وضوابطه، والمال وفوائده وكيفية استثماره بما يرضي الله سبحانه وتعالى ويحقق مجتمعاً متكافلاً، كما فصل سماحته في فضائل الحديد وكيف ان فيه عزة للمسلمين من خلال استعماله في الصناعة التي هي من النشاطات الاقتصادية المهمة مثل أدوات القتال وغيرها من الأدوات التي يتزود منها الناس في مختلف قضاياهم ووسائلهم الحياتية فضلاً عن مواضيع اخرى ذات علاقة بالاقتصاد الإسلامي.
عن رسالة التقريب للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: وفي هذه الحلقة يتناول قصة نوح ومعطياتها بمنهجية أخرى جديدة، فهي قصة لها دلالاتها العظيمة المتمثلة في أمة غوت فعاقبتها السنن الكونية، وقصة إنسان صبر وقاوم على طريق الحق فأنجاه الله ومن معه. وهي سنة كونية أخرى. والبحث يتناول هذه الدروس. قصة نوح في القرآن: نوح عليه السلام هو النبي الثالث ممن ذكروا من الأنبياء في القرآن الكريم بعد آدم عليه السلام وجده الأكبر إدريس، وهو أول الرسل من أولي العزم، وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلى الله عليه وعليهم وعلى آله أجمعين. وقد جاءت قصته في التوراة مختلفة عما جاءت في القرآن الكريم، كما أنّه يوجد اختلاف بين نسخها المترجمة عن العبرية والسامرية واليونانية. وقد ورد ذكر نوح في القرآن الكريم في ثلاثة وأربعين مورداً، كما أنّه وردت قصته بشيء من التفصيل في كل من سور (الأعراف، وهود، والمؤمنون، والشعراء، والصافات، والقمر، ونوح) مع إشارة للقصة في سور أخرى، وهي مختلفة في الطول والقصر، كما أنها مختلفة في اللفظ والهدف بحسب الغرض والسياق الذي جاءت فيه القصة، ولكن أكثرها تفصيلاً وشرحاً لقصته ما ورد منها في سورة هود. وتتلخص قصة نوح في القرآن الكريم بالأمور التالية: قوم نوح: لقد أشار القرآن الكريم إلى الأبعاد العقائدية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية التي كان يتصف بها قوم نوح. أ فمن الناحية العقائدية كان قوم نوح قد عكفوا على عبادة غير الله واتخذوا لهم أصناماً يعبدونها. ومن الناحية الاجتماعية والسلوكية كانوا يرتكبون الآثام والخطايا ويمارسون أنواع الظلم والفساد والطغيان: “والمؤتفكة أهوى” (النجم 53).