بين نار الحركات الاخوانية الطائفية و بين رمضاء التنظيمات الوهابية التكفيرية
رياض سعد
على الرغم من سعي الشيعة الحثيث لتحقيق الوحدة الاسلامية , ومناداة فقهاء المذهب وزعماء الشيعة للتقريب بين المذاهب الاسلامية , وعدم اصدارهم لأية فتاوى دينية قديمة او معاصرة تدعو الشيعة لمقاطعة السنة او تكفيرهم فضلا عن قتلهم وذبحهم وسبي نسائهم ؛ ولم يسجل التاريخ ان الشيعة قاموا بجرائم بشعة او مجازر تطهير عرقي بحق اخوانهم السنة في البلاد العربية والاقليمية ؛ نعم هنالك استثناءات قليلة وملابسات معقدة تكاد تلحق بالعدم ؛ فالنادر كالعدم كما قيل قديما او هو من شواذ القاعدة .
وطالما جاهد الشيعة تحت راية اخوانهم السنة , ولم يخرجوا عن امرتهم , على الرغم من ان اغلب امارات السنة غاشمة وطائفية , حتى ان بعض الحركات والاحزاب الاسلامية الشيعية كانت متأثرة بحركة الاخوان المسلمين ؛ بل ان البعض اتهمهم بالإخوانية ؛ اذ تماهوا مع الاخوان المسلمين في شعاراتهم السياسية بل وطالبوا فقهاء المذهب بالتنازل عن الكثير من المسلمات والعادات والتقاليد المذهبية ارضاء للإخوان المسلمين والسنة ؛ فكنت اعرف الكثير من عناصر حزب الدعوة لا يحبذون ذكر الشهادة الثالثة في الاذان ؛ وكذلك من قبلهم الخالصية ؛ فقد رفعوا الشهادة الثالثة من الاذان , بل ويقدمون الاخوان المسلمين على بعض الشيعة , ويذكرون رموز الاخوان اكثر من ذكرهم لبعض رموز المذهب احيانا , وكذلك اتباع ولاية الفقيه فهم اشد تعصبا للوحدة الاسلامية ودعم الحركات الاسلامية السنية وبغض النظر عن توجهاتها وتاريخها وارتباطاتها ؛ من غيرهم , فهم لا يقبلون بذكر الاخوان المسلمين او حركة حماس او غيرهما بسوء , وكذلك يقاطعون الكتاب والدعاة الشيعة الذين يدافعون عن حقوق ابناء المذهب بحجة محاربة الطائفية وبذريعة الدعوة للتقريب وافشال مخططات الاستعمار , فقد دعموا حكومة مرسي الاخوانية , واشادوا بها وغضوا الطرف عن جرائم حركة الاخوان المسلمين وعصابة مرسي التي طالت شيعة مصر ؛ ومروا على مقتل الشهيد الشيعي حسن شحاتة مرور الكرام …!!
وها هي الاحداث الجارية تثبت وبما لا يدع مجالا للشك ؛ بان حركة الاخوان التي كانت تتدعي الاعتدال والدعوة للوحدة الاسلامية لا تختلف كثيرا عن بقية الفصائل المسلحة الاجرامية والتنظيمات الارهابية الحاقدة ؛ فما هي الا الوجه الاخر للوهابية الطائفية والسلفية التكفيرية ؛ وقد وصفهم البعض وصفا قاسيا ؛ اذ قال : (( الطائفيون هم كأبناء الكلبة ابيضهم نجس واسودهم نجس )) فالجرائم التي ارتكبتها الحركات الاخوانية في مصر وسوريا وتركيا وغيرها ضد الشيعة لا تقل بشاعة عن جرائم داعش والقاعدة وسائر التنظيمات الوهابية والفصائل المسلحة التكفيرية .
ان دماء شيعة المنطقة مباحة بين معتدلي ابناء الطائفة السنية و قتلتهم ومجرميهم , فهم كالمستجير من الرمضاء بالنار ؛ اذ احتمى الشيعة بالاخوان المسلمين من بطش التنظيمات الوهابية والتكفيرية ؛ واذا بالإخوان المسلمين اشد بطشا وفتكا بالشيعة من أولئك … ؛ وهذا ما دعا رجل الدين اياد جمال الدين وغيره بالتحذير من خطر الحركات الاخوانية ؛ اذ قال جمال الدين كما قال غيره : ((عدوّ الشيعة الأخطر : ليست أمريكا ، أمريكا بلطجي يريد (فلوسك) فقط ولا يريد رأسك … ؛ وليست إسرائيل ، إسرائيل (جريذي) يريد ياكل ويخرّب … ؛ وليست دول الخليج ، دول الخليج (طلي ربيطي) يريد يعيش... ؛ عدوّ الشيعة الأخطر هم (اخوان المسلمين) الذين يريدون التقرب الى الله بذبح الشيعة … )) نعم لم تعد التنظيمات الوهابية والحركات السلفية والفصائل المسلحة التكفيرية وحدها التي تمارس الاعتداءات التعسفية والاجرامية ضد الشيعة وتدعو الى نبذهم واقصائهم وتهميشهم وطردهم ومصادرة حقوقهم وحرياتهم ؛ فقد شاركت الحركات والانظمة الاخوانية في ذلك الاجرام والارهاب , وها هم شيعة المنطقة يدفعون فاتورة باهظة قوامها الذبح والقتل والتهجير والتهديد والضرب والتعذيب والشتم والاعتقال والحرمان من ابسط الحقوق في العديد من المناطق الواقعة تحت نفوذ وسيطرة الحركات الاخوانية والتنظيمات الوهابية والتكفيرية والارهابية .
ان انتهاك حقوق الشيعة في المنطقة والعالم الاسلامي والتضييق على حرياتهم ، لم يعودا مهمة تقتصر على الخصم الوهابي والتكفيري التقليدي فقط او الانظمة الدكتاتورية الطائفية التعسفية ، إذ إنّ عنصراً ثالثاً دخل على الخطّ محوّلاًَ حياة الشيعة في المنطقة الى جحيم لا يطاق الا وهو الحركات الاخوانية الحاقدة ؛ اذ ارتبطت تلك الحركات بالسياسة المشبوهة التركية والقطرية وغيرهما والتي ترتبط بدورها بالقوى الاستكبارية والاستعمارية التي تهدف الى تمزيق العالم الاسلامي وشق الصف الاسلامي وزرع الفتن والنعرات الطائفية والدينية بين ابناء الوطن الواحد وابناء المنطقة الواحدة .
منذ تأسيس الدولة السعودية المعاصرة والتي اقترنت اقترانا مصيريا وجوهريا بالحركة الوهابية والعقيدة التكفيرية ؛ تعرض شيعة المنطقة والعالم الى حملات قذرة شعواء تستهدف تاريخهم وعقائدهم و وطنيتهم وكرامتهم وحقوقهم ؛ وقد صرفت السعودية في سبيل ذلك مليارات الدولارات ؛ مما أدى الى وقوع الكثير من الخروقات والجرائم والمجازر والانتهاكات التي طالت الشيعة في اغلب مناطق العالم فضلا عن شيعة المنطقة , وتم معاملة شيعة الحجاز ونجد والخليج معاملة سيئة تفتقر لأبسط حقوق الانسان والمواطنة ؛ نعم قد تختلف الحالة بين دولة واخرى , وبين مرحلة سياسية واخرى ؛ الا ان الثقافة الوهابية والعقيدة التكفيرية لا زالت تعتمل في صدور اغلب جماهير وشعوب العالم الاسلامي ضد الشيعة , والبعض منهم يتحين الفرص للانقضاض على اخيه الشيعي والفتك به وسبي نساءه ومصادرة امواله وذبح اطفاله …!!
لكن هذه الانتهاكات بحقّ الشيعة في المنطقة دخلت مرحلةً جديدةً بعد « سقوط نظام الاسد ومجيء حكومة الجولاني » اذ استخدمت عصابات الجولاني والفصائل الارهابية العالمية وشذاذ الافاق والحركات الاخوانية ادوات الدولة وشرعية السلطة في القضاء على الشيعة والعلوية في سوريا ؛ بل والدعوة الى تحريض السنة في العراق ضد الحكومة العراقية المنتخبة , ورفع شعارات تحرير كربلاء واحتلالها , والتحريض الطائفي ضد الشيعة , واهانة كل ما يمت بصلة لهم , وتفضيل الصهاينة عليهم , وليت الامر اقتصر على ذلك ؛ اذ وراء الاكمة ما وراءها , فمن المحتمل سقوط الاردن بيد الاخوان المسلمين وكذلك مصر , فضلا عن تحرك الاخوان المريب في الكويت , وتواجد زعاماتهم في تركيا وقطر , والتي تزامنت مع محاولات اسقاط النظام الاسلامي الشيعي في ايران وكذلك زعزعة النظام السياسي العراقي ؛ مما يعرض شيعة المنطقة للإبادة الجماعية والتطهير العرقي والطائفي , وحصول التغييرات الديموغرافية , والانتهاكات الفظيعة و المجازر الرهيبة .
ومما فاقم الاعتداءات على الشيعة وساعد على ارتكاب الجرائم والمجازر والانتهاكات بحقهم ؛ غياب أي دور للإعلام العالمي والاسلامي والعربي في تسليط الاضواء على تلك الاحداث والجرائم , وتنصل المنظمات الحقوقية والانسانية الدولية والمحلية من دورها الانساني في رصد الخروقات والانتهاكات والتصدي لها ؛ حتى ان اغلب المؤسسات الدينية الشيعية اغفلت مسؤوليتها في حماية الابرياء والمظلومين والمستضعفين من ابناء الطائفة وكأن الامر يعني الفاتيكان او الازهر ولا يعنيها البتة , والبعض الاخر يصدر بيانات استنكار خجولة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تنقذ رقبة الشيعي من الذبح …!!
كل التحركات الشيعية البسيطة والقليلة لا ترقى الى مستوى المسؤولية المذهبية والوطنية والانسانية ؛ فقد عجزت تلك التحركات عن ايجاد موطئ قدم لها في مراكز القرار الدولي , او تشكيل لوبيات شيعية عالمية تدافع عن حقوق ابناء الطائفة وتعمل على حماية المكون من بطش العصابات الاجرامية والتشكيلات الطائفية الارهابية والتي تحيط بالشيعة من كل جهة ؛ كذلك عجزت عن تأسيس اعلام هادف يحظى بالاهتمام والمتابعة من قبل دوائر النفوذ والتأثير ؛ وفشلت كذلك في تعبئة الجماهير الشيعية ورفع مناسيب وعيها ومستواها الثقافي والفكري والسياسي او تحسين ظروفها المعيشية ؛ مما ضاعف من نكبات وازمات والام وهموم وتحديات الطائفة الشيعية , ولعل حال ابناءها في بعض المناطق يشبه الى حد ما حال اليهود في عهد المانيا النازية ؛ بل لعله اسوء من ذلك بكثير ؛ لاسيما وان الطائفة الشيعية منقسمة على نفسها , ومتشرذمة , وتكثر بين احزابها وحركاتها الصراعات والمناوشات والخصومات مما يزيد الطين بلة , ويعقد الامور ويأجل الحلول , ويسرع بالخسائر والهزائم والانكسارات والنكبات .