
سلمان رشيد الهلالي
يبدو ان احمد الجولاني زعيم جبهة النصرة سابقا والرئيس السوري حاليا قد حسم امره في تبني الخيار الخليجي – العربي بالحكم , القائم على الاستفراد والاستبداد والاستئثار بالسلطة , واقصاء وتهميش – او حتى ابادة – الاقليات الاخرى .
فبعد ان اظهر الجولاني نفسه في الايام الاولى لاسقاط نظام بشار الاسد بمظهر المدني والمعتدل والمتحضر – وحتى العلماني – من اجل كسب السوريين اولا , والدول الغربية ثانيا , وكسب الوقت من اجل ترسيخ السلطة وهيمنته , وبتدريب واضح ونصائح مؤكدة من المخابرات التركية التي صنعته ودعمته وحركته نحو العاصمة السورية دمشق . عاد من جديد واظهر الوجه الحقيقي لاحمد الجولاني من تحت الرماد , بعد ان غطي عليه وجه احمد الشرع مؤقتا . واختار النمط الخليجي العربي الاستبدادي التقليدي بالحكم ..
فبعد سقوط الاسد وتسلم الجولاني السلطة في سوريا تبلور من خلال مراكز النفود في العالم والمنطقة نمطين من الحكم كصيغة مستقبلية للدولة السورية :
الاول : النمط الاوربي – الغربي الذي طالب بديمقراطية حقيقية وتعددية سياسية وثقافية في الحكم , تقوم على اشراك الاقليات بالسلطة واقامة مؤسسات برلمانية وقضائية مستقلة . وقد اعلنت الدول الاوربية جميعها من خلال البيانات والزيارات لسوريا هذا التوجه , بل واشترطوا عليه تطبيق هذه النمط حتى يتم رفع العقوبات او الحصار الاقتصادي .
الثاني : النمط الخليجي – العربي الاستبدادي في الحكم والقائم على الاستفراد والاستئثار من قبل اهل السنة بالسلطة , ومنع التعددية السياسية والثقافية , وتهميش الاقليات ومنعهم من المشاركة الحقيقية بالقرار , واقامة مؤسسات شكلية من قبيل مجلس الشوري والقضاء والاحزاب وغيرها – كما في دول الخليج .
وهذا الخيار الثاني هو يتلائم مع عقلية جبهة النصرة والجولاني ورغبته بالاستفراد والاستمرار بالسلطة اولا , ويتوافق مع رغبة دول الخليج من اجل منع ظهور اي ديمقراطية حقيقية في المنطقة , وافشالها وتدميرها وتشويهها والتحريض عليها بالاعلام والارهاب والتخوين والتكفير – كما حصل في العراق – كما ان منع مشاركة الاقليات بالحكم واقصائهم يعد هدف حقيقي واستراتيجي لدول الخليج , لانها تضم اقليات شيعية كبيرة تقع في اراضيهم ابار النفط كما في الاحساء والقطيف في السعودية والكويت والبحرين , قد يشكل مشاركتهم الحقيقية بالسلطة نموذجا للاقتداء والاستلهام للمطالبة بالحقوق السياسية والثقافية , كما في حصل في التجربة العراقية التي شاركت فيها الاقليات بالسلطة وفق نموذج التوافق . الا ان الفرق ان تطبيقها في دولة ذات اغلبية شيعية مثل العراق , لايشكل خطورة وافتداء بالقياس الى بلد ذات اغلبية سنية مثل سوريا , حيث ان ذلك قد يشجعهم على المطالبة بالحقوق مثل اقرانهم .
لذا عملت دول الخليج على الضغط على الجولاني على اختيار النمط الثاني الاستبدادي , وحصل على ضمانات بالدعم السياسي والاعلامي والمالي , رغم ان الدعم المالي قد واجه عوائق تتمثل بالخوف من امريكا التي مازالت تطبق قانون قيصر الذي يمنع نقل الدولار وغيرها لسوريا , الا ان الدعم السياسي والاعلامي واضح من خلال قنوات الجزيرة والعربية وسكاي نيوز والشرقية والرشيد وغيرها .
اما الدول الاوربية فمن طبيعتها البرغماتية والانتهازية انها لاتصر على مطالبها بتطبيق الديمقراطية الحقيقية في سوريا – او غيرها من البلدان – فهي تبحث عن مصالحها اولا , وربما ترضخ لضغوط الدول الخليجية الغنية في احتضان سوريا والاعتراف بها , وتغض النظر بالتالي عن مطالبها في الديمقراطية والتعددية السياسية , وتكتفي بالسلوكيات الظاهرية كما هو حاصل في الدول الخليجية والعربية .
ان الاحداث الاخيرة من عمليات الابادة والقتل للعلوين في مناطق الساحل السوري تثبت اختيار الجولاني للنظام الاستبدادي والطائفي بالحكم , وعلى غرار الدول الخليجية والعربية , وانه سيكون نسخة اخرى من النظامين البعثي العراقي والسوري الاستبدادين سابقا . وكانك يابو زيد ماغزيت .