صلح الحديبية والقرآن الكريم (ح 6)

الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم‌ السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام عن صلح الحديبية: عقد الصلح: بعثت قريش سهيل بن عمرو إلى النبي صلی الله عليه وآله وسلم ليُصالحه على أن يرجع عنهم عامه ذلك، فأقبل سهيل إلى النبي صلی الله عليه وآله وسلم وأطال معه الكلام وتراجعا، ثم جرى بينهم الصلح. بنود الصلح: دعا رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنينعليه السلام ليكتب بنود الصلح، فقال: اكتب باسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل: لا نعرف هذا ولكن اكتب: باسمك اللهم، فكتبها، ثم قال: اكتب هذا ما صالح عليه محمّد رسول اللَّه سهيل بن عمرو، فقال سهيل: لو نعلم أنك رسول اللَّه لم نقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال لعلي: امحُ رسول اللَّه. فقال: لا أمحوك أبدا. فأخذه رسول اللَّهصلی الله عليه وآله وسلم، فكتب موضع رسول اللَّه: محمد بن عبد اللَّه، وقال لعلي: لتبلين بمثلها، اصطلحا على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه لا إسلال ولا إغلال، وأنّ بيننا عيبة مكفوفة، وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل، وأنه من أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها فعل، وأنه من أتى محمدا منهم بغير إذن وليه رده محمد إليه. وأنه من أتى قريشا من أصحاب محمد لم يردوه، وأن محمدا يرجع عنا عامه هذا بأصحابه، ويدخل علينا من قابل في أصحابه فيقيم بها ثلاثا، لا يدخل علينا بسلاح إلا سلاح المسافر: السيوف في القرب. المخالفين للصلح: ذكر التاريخ أنه بعد أن اتفقوا على الصلح ذهب عمر بن الخطاب لأبي بكر معترضا على عقد الصلح وقال له: علامَ نُعطي الدنية في ديننا؟ وذهب لرسول الله صلی الله عليه وآله وسلم وكلمّه بنفس الكلام، فأجابه رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم بقوله: أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره، ولن يُضيعني، وروي عن أبي سعيد الخدري أنه جلس مع عمر بن الخطاب فذكر القضية، فقال: لقد دخلني يومئذ من الشك، وراجعت النبي صلی الله عليه وآله وسلم يومئذ مراجعة مارجعته مثلها قط.

قوله تعالى: “وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ” (الرعد 30) قال الزركشي: نزلت بالحديبية حين صالح النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: أكتب (بسم الله الرحمن الرحيم) فقال سهيل بن عمرو: ما نعرف الرحمن الرحيم، ولو نعلم أنك رسول الله لتابعناك، فأنزل الله تعالى: “وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ” (الرعد 30)إلى قوله تعالى: “مَتَابِ” (الرعد 30)، ثم استثنى من ذلك قوله تعالى: “وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ ۗ بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا” (الرعد 31).

عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله جل جلاله “وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” ﴿التوبة 100﴾ “والسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ والأَنْصارِ” الأولون صفة للسابقين، وقد جعلت كلا من المهاجرين والأنصار صنفين: سابق ولا حق، وليس من شك ان المراد السبق في الهجرة والنصرة، لان الوصف يشعر بهما، ولكن اللَّه سبحانه لم يحدد زمن هذا السبق، ولذا اختلف المفسرون، فمن قائل: ان المراد الهجرة والنصرة قبل يوم بدر، وقائل: قبل بيعة الرضوان، وهي التي حصلت تحت الشجرة يوم الحديبية، وقال ثالث: من صلى القبلتين. والذي نراه ان المراد بالسابقين الأولين من سبق في الهجرة والنصرة قبل ان يملك المسلمون القوة الرادعة لمن يعتدي عليهم، ويفتن ضعيفهم عن دينه، كما كان يفعل المشركون في بدء الدعوة، وعلى هذا يكون القول الأول هو الراجح، لان قوة المسلمين انما ظهرت يوم بدر، وفيه أحس المشركون بمناعة الإسلام وبأسه.

وصف عروة بن مسعود الثقفي شدّة حبّ المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وآله وتفانيهم فيه، وطاعتهم له حين أوفدته قريش إليه في مسألة الحديبية فقال مخاطباً قريشاً: (أي قوم، والله، لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكاً قطّ يعظّمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله محمّداً صلى الله عليه وآله، إذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّموا خفضوا أصواتهم عنده وما يحدّون إليه النظر تعظيماً له).

عن تفسير الميسر: قوله تعالى “مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ۚ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَة ” ﴿البقرة 196﴾ نسك اسم، النسك: الذبح لله، و المراد هنا الشاة، و النسيكة: الذبيحة، وأدُّوا الحج والعمرة تامَّيْنِ، خالصين لوجه الله تعالى. فإن منعكم عن الذهاب لإتمامهما بعد الإحرام بهما مانع كالعدو والمرض، فالواجب عليكم ذَبْحُ ما تيسر لكم من الإبل أو البقر أو الغنم تقربًا إلى الله تعالى، لكي تَخْرُجوا من إحرامكم بحلق شعر الرأس أو تقصيره، ولا تحلقوا رؤوسكم إذا كنتم محصرين حتى ينحر المحصر هديه في الموضع الذي حُصر فيه ثم يحل من إحرامه، كما نحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية ثم حلق رأسه، وغير المحصر لا ينحر الهدي إلا في الحرم، الذي هو محله في يوم العيد.

عن المركز الاسترتيجي للدراسات الاسلامية التحديد المفاهيمي لمصطلحيّ الأمّة والمُواطَنة للسيد صادق عباس الموسوي: التجربة النبويَّة المدنيّة، حيث شكّل المُسلِمون رابطة ائتلافيّة تعاقديّة فيما بينهم أوّلاً، ومع غيرهم ثانياً. حيث تمتّع يهود المدينة بالمساواة مع المُسلِمين، وبالحقِّ في ممارسة نشاطهم الاقتصاديّ والدينيّ والاجتماعيّ بدون تحفُّظ من المُسلِمين، شريطة الانتماء الصادق إلى المدينة وعدم مساعدة الخصوم على السلطة السياسيّة القائمة. ويرى المُستشرقون أنَّ صحيفةَ الحُديبيَّة أكثر قُرباً لمفهوم المُواطَنة بمعناه الحديث، حيثُ اتَّفق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومُشركو مكَّـة كشُركاء في الوطن/ الدولة/ الأُمَّـة. خاصّة أنها جَّسدَت اتِّفاقاً بصبغةٍ دُنيَويَّة وليست دينيّة بين فئاتٍ متساوية في القوّة والتأثير عندما وافقَ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على التوقيع عليه باسمه أي بدون ذكر صفته الدينيَّة حينها تمَّ الاتِّفاق بمحض إرادة المساهمين فيه وبدون إكراه وقتال. صحيح أنَّ الصلح كانت له طبيعة دينيّة، ولكنَّه برأي المستشرقين أرسى إتِّجاهاً جرى تثبيته بمرور الزمن لقبول مبدأ التعدديّة والعمل على أساسة، من خلال قبول مبدأ (الشراكة في الوطن) بين المُسلِمين وغيرهم. كان تعاملُ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع غيرِ المُسلِمين وسيرته مع المُكَلَّفين، أي ما يُصطلَح عليه بالسُنّة أساساً لتعامل المُسلِمين ورؤيتهم للحكم، وقد أفردَ حقوقاً لأبناء الأُمَّـة وغيرهم، وفرض عليهم واجبات وأرسى قواعد المشاركة من خلال الشورى بين المُسلِمين ولو كانت غير مُلزِمة. هذه هي بعض عناصر مفهوم المُواطَنة الحديث. لكنَّ العناصر الباقية ظلَّت في إطار الخصوصيَّة الإسلاميِّة، فالمُسلم يَنتمي إلى دينٍ يجب الدفاع عنه، وانتماؤه للأرض وحبِّه لها يجب أن لا يتعارض مع واقع دينه، كما أنَّ المشاركة لا تعني القدرة على انتخاب الخليفة بالطرق الديمقراطيّة الحديثة. إستمرّ التاريخُ الإسلاميّ على صيغة الخلافة، حيث أخفقَ الحاكِمون في الحفاظ على بعض عناصر المُواطَنة التي أقرَّها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فاختلف تطبيقهم للحقوق ما بين مدٍٍّ وجزر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *