نوفمبر 22, 2024
لل

اسم الكاتب : علي غني

تجنب التحرش

قد يكون جواب الباحثة مها عصام العكيلي، التدريسية في جامعة النهرين، لعلم اجتماع التنمية صادماً، حينما فكت ألغاز استقدام العمالة (السوداء) من جنوب أفريقيا، بل أفريقيا بصورة عامة، وجميعهن من ذوات البشرة السوداء والشعر المفتول، حفاظاً على تماسك الأسرة العراقية، وضمان عدم قيام الزوج أو الابن الكبير بالتحرش بالعاملة كونها (مقيمة) عندهم

بالمنزل.

قليلة المشكلات

 قررت أن أقوم بجولة على مكاتب تشغيل العاملات الأجنبيات، يدفعني الفضول لمعرفة حقائق تحول المجتمع العراقي بهذه السرعة إلى استقدام (الخدم)، وهذا التهافت غير المسبوق على الحصول على خادمة تتوافر فيها المواصفات المرغوبة، وبالمصادفة التقيت بالدكتورة  (أ.ع.ع)، وهي أستاذة جامعية لديها عاملة من دولة غانا مواليد 1995 مطلقة ولديها أطفال مضى على وجودها أكثر من سنة في العراق تقول: أعطينا للمكتب كأجور استقدام العاملة مبلغاً قدره (4500) دولار، ولا يسترجع أي مبلغ من هذه الأجور عند انتهاء مدة العقد والبالغة سنتين، وفي حالة تجديد العقد يتم دفع مبلغ (700) دولار ويبلغ راتبها (250) دولاراً شهرياً، مع مصاريف أخرى كالأدوية والملابس وغيرها، وعندما سألتها لماذا تفضلين العمالة الأجنبية على العراقية، أجابت بصراحة: إننا نحس معها بأمان، وضمان وجودها الدائمي في المنزل، إلى جانب أنها ليس لديها تواصل مع العالم الخارجي ولا تسبب المشكلات، فضلاً عن أنها مطيعة في العمل وغير متذمرة، وسألتها بفضول هل تفكرين في تجديد عقدها بعد الانتهاء؟، فأجابت: نعم (والكلام للدكتورة أ.ع.ع) لأنها تكيفت معنا، واعتدنا على وجودها بالبيت، وكأنها أحد أفراد الأسرة.

فقيرة ومطيعة

وماذا عن تصرفاتها في البيت؟ أجابت (الدكتورة أ.ع.ع): إننا نشعر بالثقة والأمان تجاهها لأنها جداً أمينة وفقيرة ومطيعة بعد أن وضعتها في عدة اختبارات واكتشفت أمانتها، ما الإجراءات والضمانات المتبعة لضمان عدم هروبها أو قيامها بالسرقة أو ارتكابها جريمة؟، وجود جواز سفرها عندنا إضافة إلى ورقة الإقامة، وكذلك ليس لديها خط (سيم كارت خاص بها للاتصال)، ماهي الظروف والأسباب التي دفعتك لاستقدام عمالة أجنبية؟، بسبب ظروف عملي وكثرة التزاماتي وبقائي خارج المنزل لعدة أيام، هل تأثرت الأسرة بديانتها أو تقاليدها، بالعكس (والكلام للدكتورة)، هي من تأثرت بثقافتنا.

ويقول (أ.س.ع) صاحب سوبر ماركت: إن العامل لديه من دولة بنغلاديش، مواليد 1989، ويعمل لديه منذ 6 سنوات بدون أجور استقدام، وليس عن طريق مكتب رسمي ويعطيه راتباً شهرياً قدره (400) دولار، فضلاً عن التزامه التام وأمانته وحرصه على العمل إلى جانب بقائه في العمل لسنين طويلة من دون مشكلات، وهو لا يحاول فرض أي تقاليد أو عادات غريبة، بل هو إنسان مسالم

 ومطيع.

خدمة رخيصة

لم أتوقع أن أصحاب الشركات التي تستقدم الأيدي العاملة  يكشفون حقائق لا بد من الالتفات لها من قبل الدارسين لعلم الاجتماع، لأن الإقبال على استقدام العاملات وحتى العمال الأجانب قد زاد الطلب عليه حتى من الأسر المتوسطة، وبحسب آراء أصحاب الشركات والمكاتب الذين حاورناهم ومنهم (صاحب شركة المسرة): فإن هناك إقبالاً غير مسبوق لأسباب عديدة منها أن الأسر العراقية بدأت بتقبل هؤلاء بالبيت العراقي لأدائهم خدمة رخيصة من دون تذمر، ولكونهم مقيمين دائمين بالبيت فإن أغلب الأسر أحجمت عن إيداع أطفالها برياض الأطفال، وهذا تدبير اقتصادي جديد.

وأضافوا: أن وجود العاملة الأجنبية الدائم بالبيت والابتعاد عن المشكلات العشائرية، من أبرز الأسباب التي دفعت الأسر العراقية لتفضيلها على العمالة العراقية، وعن أكثر البلدان التي تستقدمها الشركات العراقية (كشف أصحاب الشركات)، هي: نيجيريا بالدرجة الأولى ثم تأتي أوغندا ثم غانا، وأن أجور الاستخدام حالياً 35 ورقة وأجور العامل والعاملة (250) دولاراً.

ظاهرة جديدة

 أعود للباحثة والتدريسية في جامعة النهرين مها عصام العكيلي، التي وصفت العمالة الوافدة إلى العراق بأنها ظاهرة جديدة مصاحبة لحالة التطور التي مر و يمر بها المجتمع، وهذه الظاهرة تشغل اهتمام عدد من الجهات المعنية والمختصة بصورة عامة والفرد العراقي بصورة خاصة والسبب في ذلك يعود إلى الزيادة الحاصلة في أعداد العاملين الوافدين إلى العراق واستحواذهم على الكثير من فرص العمل المتوفرة سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، لا سيما بعد التحولات الكبيرة التي حدثت بعد عام (2003) إذ شهدت فيه البلاد تغييراً وتحولاً في اقتصادها من التخطيط المركزي الشمولي إلى اقتصاد السوق الحرة، وبهذا سهلت عملية استقدام العمالة الأجنبية نتيجة انفتاح العراق على العالم الخارجي، ونظراً للزيادة الكبيرة في أعداد العمالة الوافدة إلى العراق وانعكاساتها على الجوانب الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، لذا أصبح لزاماً على الدولة اتباع سياسات وخطط وبرامج لتنظيم هذه الظاهرة الجديدة.

انحراف الشباب

 لكن الباحثة والتدريسية مها، تحذر من أن لهذه الظاهرة آثاراً وتداعيات خطيرة على المجتمع العراقي سواء  كانت اقتصادية أم اجتماعية، إذ أدت إلى تزايد معدلات البطالة بسبب زيادة حجم العمالة الأجنبية الوافدة سواء كانت (ذكوراً أو إناثاً) ما أثر في قلة فرص العمل التي من الممكن أن يحصل عليها العمال العراقيون، وهذا سيزيد من معدلات البطالة التي ستؤدي إلى دفع الشباب إلى الهجرة خارج البلاد أو إلى الإدمان على المخدرات أو الانحراف أو ممارسة بعض أنواع الجرائم للحصول على الأموال.

وتابعت: لا بد من الإشارة إلى أن وجود هذه العمالة يؤدي إلى زيادة نسبة التحويلات المالية إلى خارج البلاد، وأن هذه التحويلات تؤدي إلى استنزاف خطير لموارد العراق المالية، أما من الناحية الاجتماعية فتكمن مخاطر العمالة الوافدة  بخرق منظومة القيم الاجتماعية السائدة في البلد وتؤثر في قوة وتماسك المجتمع، لأن هؤلاء العمال الوافدين يختلفون في دياناتهم وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، الأمر الذي يؤدي أحياناً إلى نشر وترويج للانحلال الأخلاقي والفساد أو ترويج المخدرات والمسكرات ونشر الصور والأفلام غير اللائقة، إضافة إلى المساعدة في بعض عمليات الاتجار بالبشر أو جرائم التجسس والابتزاز الالكتروني.

يشير مسح سوق العمل في العراق لسنة 2021 والكلام للباحثة، إلى أن أعلى نسبة للعمالة الوافدة في العراق يعملون في محافظة بغداد بنسبة تصل إلى 35 % ومن بعدها البصرة بنسبة تصل إلى 21,3 % ومن ثم المثنى 11,8 % تنازلياً في كل محافظات العراق، وآخرها الأنبار بنسبة 0,1 %. وتشير تقديرات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بخصوص أعداد العمال الوافدين إلى أنها تجاوزت المليون عامل، في حين أن عدد إجازات العمل الصادرة والمجددة للعمال الوافدين لغاية شهر حزيران 2023 بلغت (108) آلاف إجازة فقط.

جولات ميدانية

وأوصت الباحثة والتدريسية في جامعة النهرين مها العكيلي، بوضع خطط عملية لتنمية مهارات رأس المال البشري في العراق وإيجاد طاقة بشرية مؤهلة ومدربة وبأعداد كافية لمواجهة احتياج سوق العمل، وكذلك قيام وزارة العمل بتشكيل لجان تعمل على تطبيق سياسات التوطين وذلك من خلال إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة الأجنبية.

 ونوهت بأنه على المؤسسات الأمنية القيام بجولات ميدانية لأماكن العمل التي تتواجد فيها العمالة الوافدة والكشف عن المخالفين أو الداخلين بصورة غير قانونية وغير شرعية وكذلك ترحيل المخالفين وتطبيق العقوبات المقررة قانوناً بحقهم مع ضرورة وضعهم في قائمة المحظورين من الدخول إلى العراق، فضلاً عن سحب رخصهم الخاصة بالعمل.  وكشفت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عن تزايد الطلب على الخادمات الأجنبيات، وأن الوزارة تدرس التنسيق مع دول عديدة لاستقطاب العاملات، وبلغ عدد العاملات في المنازل حوالي 6 آلاف عاملة (بحسب تصريح صحفي لأحد مسؤوليها)، وأن عدد المكاتب المرخصة 64 مكتباً مرخصاً من الوزارة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *