الكاتب : فاضل حسن شريف
عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله جل جلاله “وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ” (يوسف 45) “وقال الذي نجا منهما” أي من الفَتَيِيْنِ وهو الساقي “وادَّكر” فيه إبدال التاء في الأصل دالا وإدغامها في الدال أي تذكر “بعد أُمَّةٍ” حينِ حال يوسف، “أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون” فأرسلوه فأتى يوسف فقال.
وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله جل جلاله “وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ” ﴿يوسف 45﴾ الأمة الجماعة التي تقصد لشأن ويغلب استعمالها في الإنسان، والمراد بها ها هنا الجماعة من السنين وهي المدة التي نسي فيها هذا القائل وهو ساقي الملك أن يذكر يوسف عند ربه وقد سأله يوسف ذلك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث يوسف في السجن بضع سنين. والمعنى: وقال الذي نجا من السجن من صاحبي يوسف فيه وادكر بعد جماعة من السنين ما سأله يوسف في السجن حين أول رؤياه: أنا أنبئكم بتأويل ما رآه الملك في منامه فأرسلوني إلى يوسف في السجن حتى أخبركم بتأويل ذلك. وخطاب الجمع في قوله: “أنبئكم” وقوله “فأرسلون” تشريك لمن حضر مع الملك وهم الملأ من أركان الدولة وأعضاء المملكة الذين يلون أمور الناس، والدليل عليه قوله الآتي: “لعلي أرجع إلى الناس” كما سيأتي.
عن رابطة العلماء السوريين: كلمات في القرآن (أمة) للدكتور عثمان قدري المكانسي: قال ابن منظور – رحمه الله – في معجمه لسان العرب: أمّ: مِن أمَمَ. وأم: قـَصَد. أمـَّه يؤُمّه أمّاً، إذا قصده وتوخـّاه. ولن نتناول مشتقات هذه الكلمة، وهي كثيرة، فمن رغب بذلك أمّ كتب معاجم اللغة وتزوّد. إنما نريد معانيها التي وردَتْ في القرآن الكريم. ولعلنا نحاول الإحاطة – على ضعفنا – بالكثير من المعاني اللطيفة الرائعة: 1- تأتي بمعنى السلف الماضين من الآباء الصالحين كالأنبياء، وذلك في قوله تعالى في الآية 134 من سورة البقرة ” تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت، ولكم ما كسبتم، ولا تُسألون عما كانوا يعملون ” لا ينفعنا انتسابنا إليهم ما لم نعمل بعملهم الصالح، فـ ” كل امرئ بما كسب رهين ” ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه. 2- وتأتي بمعنى الشريعة الواحدة والدين الواحد، مثال ذلك في الآية 213 من سورة البقرة ” كان الناس أمة واحدة، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه” قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين. وكانوا على هدى الله جميعاً فلما طال عليهم الزمن اتبعوا أهواءهم وأضلتهم الشياطين. فأنزل الله جبريل على الأنبياء بكتبهم ليهدوا الناس إلى طريق الحق والسلام. 3- وتأتي بمعنى العلماء والدعاة والمصلحين، مثال ذلك الآية 104 من سورة آل عمران ” ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون ” وهؤلاء أتباع القرآن والسنة النبوية التي تتصدى لإقامة المعوج وإصلاح الخلل في البشرية، وقد قَالَ فيهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَف الإيمان ” وَفِي رِوَايَة ” وَلَيْسَ وَرَاء ذَلِكَ مِن الإيمان حَبَّة خَرْدَل “. هذه هي الأمة الداعية إلى إسعاد البشرية والنهوض بها في درب الهناء والأمان. وفي قوله تعالى في الآية 181 من سورة الأعراف ” وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ” يقول صلى الله عليه وسلم مدحاً لعلماء أمته ودعاتها العاملين بما يرضي الله تعالى يوم يضعف الناس ويتخاذلون، ويستكينون لعدوهم ويتراجعون ” إِنَّ مِنْ أُمَّتِي قَومًا عَلَى الْحقّ حَتَّى يَنزِل عِيسَى اِبن مريم مَتَى مَا نَزَلَ “. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُعاوية بْن أَبِي سُفيَان قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” لا تَزَال طَائِفَة مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقّ لا يَضُرّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ ولا مَنْ خَالَفَهُم حَتَّى تَقوم السَّاعَة ” وَفِي رِوَايَة ” حَتَّى يأتي أمر اللَّه وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ” وَفِي روايةٍ ” وَهُمْ بِالشَّام “. 4- وتأتي كلمة ” أمّة ” بمعنى ذي طريقة حسنة وهدىً مستقيم، مثل ذلك الآية الكريمة 113 من سورة آل عمران ” ليسوا سواءً، من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ” والتقدير: مِنْ أَهل الْكِتَاب أُمَّة قَائمة وَأُخرى غَير قَائمة , فَتَرَكَ الأخرى اكتفاء بالأولى والمعنى: لا يَستوِي أُمَّة من أَهل الْكِتَاب قَائمَة يتلون آيَات اللَّه وَأُمَّة كَافرَة. قال ابن عَبَّاس: لما أسلم عبد الله بن سلام , وثعلبة بن سعية وغيرهما من يهود ; فَآمَنُوا وصدّقوا وَرَغِبُوا فِي الإسلام وَرَسَخُوا فِيهِ , قَالَتْ أَحبار يَهُود وأهل الكفر منهم: مَا آمَنَ بِمُحَمَّدٍ ولا تبعه إلا شرارُنا , وَلَوْ كَانُوا مِنْ خِيَارنَا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره، فنزلت هذه الآية تكذبهم وتمدح من أسلم والتزم عبادة ربه وقـنت له.
تكملة للحلقة السابقة عن المركز الاسترتيجي للدراسات الاسلامية التحديد المفاهيمي لمصطلحيّ الأمّة والمُواطَنة للسيد صادق عباس الموسوي: تعارض المواطنة والأمّة يَبتني هذا الموقف على الإعتبار القائل بشمولِ الأُمَّـة للشعوب من مِلَّة الإسلام، أي الأُمَّـة بحسب الدِّين، الذي يتعارَض والمُواطَنة التي تقتضي تمزيقَ جسدِ هذه الأُمَّـة، وتحكيم غير الإسلام على المُسلِمين. فمفهوم الأُمَّـة يتعلَّق أصلاً في الإسلام بالرابطة الأخويَّة الدينيَّة بين المؤمنين، وهي رابطة طوعيِّة إختياريَّة، ينطلقُ منها مفهومُ الجماعة باعتبارها رابطة تضامنيَّة تقتضي الالتزام بالقيَم الإسلاميِّة وتُطَبِّقُها في واقعِ الحياة، بينما الرابطة الوطَنِّية هي رابطةٌ تعاقُديّة ليس لها محتوىً سابق على التعاقد نفسه، وهي وإن كانت طوعيَّة نظريَّاً إلا أنَّها أصبحت إجباريَّة، حيث يولدُ الفردُ مُرتبِطاً بهويَّة وطنيَّة معَّينة يصعبُ إستبدالها. ويتركَّز العداءُ لمفهوم المُواطَنة إسلاميَّاً وعدم توافقِها مع الأُمَّـة لأمور: أوّلاً: تمزيق المسلمين: إنَّ أُمَّةَ الإسلام لا حدودَ لها وتالياً لا وطنَ لها، إنطلاقاً من مبدأ أنَّ الأرضَ أينما كانت وكيفما امتَّدت هي أرضُ الله، والاستحقاق السياسيّ للكيان الإسلاميّ هو الأرض كلّها، فيحقُّ للدولة الإسلاميّة إخضاع جميع أراضي العالم لها، والمُسلِمون يأوون إلى ديارٍ سمَّوها في أدبِّياتهم (دار الإسلام) تقابِلُها (دار الكفر)، حيثُ يجبُ أن تكونَ مِحوَراً للدعوة الإسلاميِّة وإلا أصبحت (دارُ حرب). فأينما أقامَ المُسلِمون ـ أغلبيّة كانوا أم أقلّية ـ فهم ينتمون إلى أُمَّة عقيديّة هي أُمَّة الإسلام التي لا حدود لها. فمُسلمو (اليوغور) ينتمون إلى الأُمَّـة الإسلاميِّة قبل أن ينتموا إلى وطن (الصين)، وكذا مسلموا الهند وكشمير والبوسنة وألبانيا وغيرهم. وقد تشكّلت أحزاب سياسيّة ذات نظرة عقائدية، تلتزم بالإسلام هويةً وحكماً، وترفض الأوطان المختلفة. مِن أبرزها حزب التحرير الذي أسّسه تقّي الدين النبهاني، حيث يدعو إلى إعادة تشكيل الخلافة الإسلامية، ليتعامل الأفراد معها على أساس الرابطة الدينيّة، وليس العُلقة الوطنيّة التي مزّقت أرض الخلافة وأضعفَت الحضارة الإسلاميّة. ويمكن وبأقلِ تفحُّصٍ معرفة أنَّ المُواطَنة تضُّرُ بالوحدة السياسيّة والفكريَّة للمسلمين، فالدولةُ الإسلاميِّة التي لطالما اتَّحدت مع المجتمعِ الإسلامِّي وأُمَّة الإسلام، تواجِه تحدِّي التقسيم، وما يزيدُها وَهناً هو هذا المفهوم الذي يُحاوِل تعميق الهوَّة بين الدُوَل التي تقاسمت الأُمَّـة. فالأُمَّـة الإسلاميِّة لها وحدةُ شعور، وهي كما يقول (سيِّد قطُب): (جسدٌ واحد يحسُّ إحساساً واحداً، وما يُصيبُ عضواً منه يشتكي له سائر الأعضاء، وللتكافل بين المؤمنين صورة مُعَبِّرة دقيقة هي: المؤمن للمؤمن كالبُنيان يشدُّ بعضُه بعضاً). وكلُّ ما يجعل المُسلِم يبتعد عن أخيه في المودّة والأهداف المشتركة هو من صنيعة أعداء الدين الذين يحاوِلون السيطرة على عقولِ المُكَلَّفين من خلال الغزوِ الثقافي والذي قوامُهُ الأفكار المستورَدة مثل المُواطَنة. ويُوجِّه (محمّد رشيد رضا) نقداً قويّاً لفكرة الوطَنِّية، فبعد الخلل الذي اعتَوَرَ إستقلال الجسم الإسلاميّ، أصبحنا ـ كمُسلمين ـ مقلِّدِين للإفرنج حتَّى فيما نحسِب أنَّنا نهرب به من سيطرتهم، كدعوة (الوطَنِّية) التي كان الخسارُ فيها علينا والربح لغيرنا، فهذه الفكرةُ والمُشتَّقُ منها وأخواتها (المُواطَنة) سبَّبت انفصال العالم الإسلاميَّ وتمزُّق المُسلِمين، فيجبُ العمل على الحدِّ من التماهي مع هذه المفاهيم. إنَّ فكرةَ الأُمَّـة التي تفترضُ وحدةَ الجسمِ الإسلامي، والتي امتدح بها القُرآن المُسلِمين، تتزلزلُ أمام تفكُّكِ هذا الجسد الذي يتحوّل إلى أوطان متعدِّدة، وقد كان السببُ الأساس في ذلك هو تلك الأفكار الدخيلة التي أوهنت الأُمَّـة، ومنها المُواطَنة.