الكاتب : حيدر الجوراني
لأي قارئ في رواية “زوجة الدبلوماسي: الحُب، الشَرف، والخيانة”، لكاتبها ميكائيل ريدباث، أن يجد تَناصاً من تنقاضات تجربة بطلة الرواية التي فقدت أخيها الشيوعي لتصبح بعد ذلك زوجة لدبلوماسي يعمل لصالح حكومة حليفة للنازيين وبين تمرحلات نشوء الطبقة السياسية.
صراعات الذاكرة عند بطلة الرواية، تعصف في ذهني تناقضات السلوك السياسي في العراق إزاء القضايا التي تعصف بالنظام السياسي الحالي منذ نشأته المتناقصة ” التحرير والاحتلال”.
اختصرت البطلة عبارة في تلك الرواية، فيما لو أردتُ إسقاطها على واقع السلوك السياسي في العراق والقائم على التضليل الممنهج والشعبوية الفاضحة بقولها إن “الأسرار دوماً في طريقها إلى الظهور، بغض النظرعن طريقة إخفائها”.
ومن أبرز سمات السلوك السياسي في العراق هو الكَبت السياسي من خلال ترحيل الأزمات، وذلك خلال بروز أزمة تَلو أختها مع ثبات الإفلات من العقاب للأبطال.
هذا الكَبت السياسي – كما اجتهد حالياً في اصطلاحه – هو ليس نتيجة لثقافة الإفلات من العقاب فحسب، بل نتيجة لجواب مفقود لسؤال مفاده: “هل مفهوم الفضيحة السياسية” مفهوم يندرج ضمن قاموس السياسة العراقية؟
في الديمقراطيات الليبرالية، يخشى السياسيون الفضيحة السياسية، وإن كانت ضمن مساحات حياتهم الخاصة. والسبب هو أنني لا أُفرِط هنا في مثالية تلك الليبراليات الغربية، لكنني أستَشهِد بقول لأميل دوركهايم ونظرته “المتفائلة” التي مفادها إن “الصحفيين يفضحون تجاوز الأعراف والقيم السياسية”، ولا أعلم، إلى أي مدى ستنطبق وجهة نظر دوركهايم كمعيار نُقيم على أساسه المحتوى الإعلامي المُنتَج في العراق؟
ومن البديهي أن غياب الفضيحة السياسية كمعيار أخلاقي في العمل السياسي، يُسهم بإعادة إنتاج السلوك السياسي الفاسد ليصبح عُرفاً سياسياً عابراً للأجيال، وهو بالمحصلة النهائية تهيئة لاستمرار الإندثار للمنظومة القيمية لدى المجتمع بمختلف طبقاته.
وبواقعية، ونتيجة لهذا الغياب المعياري، تتهافت التسريبات تلو الأخرى، وكأنها عادة سلوكية مستشرية في الكواليس السياسية، تَنم عن إستعداد نفسي وسلوكي مُسبق للإبتزاز السياسي من أجل ديمومة الفساد.
تُشير الدراسات الغربية الحديثة إلى أن الفضيحة السياسية كمفهوم هي إحدى التحديات التي لا توجّه الديمقراطية فحسب، بل حتى النظم السلطوية. مع فارق دور المشتغلين في الصحافة والإعلام لإنهم وفقاً لأميل دوركهايم (حُماة المعاييرالسياسية من الإنزياح)، فهل هذا الدور تلعبه النخبة الإعلامية والمفكرة في العراق؟
أود أن أعصف في ذهن القارئ تساؤلات مهمة، متى ظهر أول تسريب صوتي منذ بداية العملية السياسية؟ ولماذا محتوى التَسريبات لا يتضمن على الأغلب الطرف الثاني من الحوار في أزمة التسريبات الأخيرة؟
إذًا، نحن إزاء نوعين من محتوى التسريبات!
كما أن الرأي العام، ترك التأسيس لمعيار “الفضيحة السياسية”، وراح يُجادل الفرق بين ” تسريب” أو “تنصت”. وببساطة كلاهما يُكمل الآخر ويقعان تحت مظلّة التجسس، وهي جريمة تمس أمن الدولة وفقاً للقانون العراقي.
وفي أي محاولة للإجابة على الأسئلة المطروحة هنا، لابد من الإحاطة بِحجر الزاوية لها، والسؤال الأهم: من هو الطَرف الثالث المُستفيد من تلك التسريبات الصوتية؟
ربما من غير المنطقي أن لا يؤخذ بالحُسبان أن الفضاء العراقي مخترق، لكن الأمر ينطبق حتى على مستوى الأرض إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار شركة بيغاسوس الإسرائيلية المختصة عالمياً ببرمجيات التجسس.
وهنا؛ لا أعني شركة كامبريدج أنالاتيكا التي تلاعبت بأكثر من 30 انتخابات في عدة دول من العالم بضمنها العراق في سنوات سابقة، والتي كان من أبرز فرقها هو (مجموعة هنان) نسبةً لرئيس الفريق رجل الأعمال الإسرائيلي (تال هٰنان) الذي عـمل سابقاً في العمليات الخاصة للموساد.
بيغاسوس التابعة لمجموعة الأمن السيبراني الإسرائيلي NSO هي الأخرى شركة عالمية تعتمد على اختراق الأجهزة النقالة بنوعيها الشهيرين السامسونج والأبل، بغض النظر عن فعالية الجهاز لإنه يرسل المادة بعد التشغيل في حالة الإطفاء.
وفي عام 2021 حاولت شركة أبل معالجة هذا الاختراق من خلال إصدار النسخة 14 من جهاز آيفون إلا أن ذلك لم يُشكل عائقاً أمام اختراقات بيغاسوس.
وتُشير التقارير إلى أن بيغاسوس تبيع خدماتها هذه من خلال استهداف المسؤولين السياسيين والحكومين والصحفيين وقد عملت في أكثر من 40 دولة بضمنها العراق بحسب ما أشارت إليه تقارير.
الخدمات التجسسية هي عمل لشركات متعددة الجنسيات في العالم، والعلاج الأوحد هنا، هو إما التعاقد مع شركات مضادة لها بنفس المستوى، أو مراجعة اتفاقية الأمن الاستراتيجي مع الولايات المتحدة لتشمل برمجيات التجسس نفسها Spyware هذا في حال عدم وجود (الطرف الثالث) من الداخل.